لماذا أشعر بالتَبلُّد العاطفي؟

التَبلُّد العاطفي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُصيب التَبلُّد العاطفي (Emotional Blunting) الكثير منّا في مرحلة ما من حياتنا؛ ما يجعلنا أقل قدرة على تكوين مشاعر أو عواطف حقيقية مُتَّسِقة مع ما يحدث من حولنا.
بالتالي؛ تتضاءل بعض الأحيان قدرة الإنسان على التفاعل العاطفي مع محيطه، فيما يشبه حالة من القيود غير المفهومة على نطاق المشاعر التي يمكن له إنتاجها بالحياة الطبيعية؛ مثل القدرة على البكاء أو الشعور بالحزن أو حتى الشعور بالمتعة.

دعونا نتعرف معاً أكثر إلى التَبلُّد العاطفي وأسبابه وأنسب الأساليب السليمة للتعامل معه.

التَبلُّد العاطفي والاضطرابات النفسية

في دراسة علمية حديثة نُشِرَت في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021 لصالح قسم علم النفس بمجلة فرونتيرز (Frontiers)، وصف علماء من مستشفى شي جينغ بالصين ارتباط التَبلُّد العاطفي بالعديد من الاضطرابات النفسية؛ بما في ذلك الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.

ولوحظ في نفس الدراسة تأثير التَبلُّد العاطفي الذي يؤدي إلى انخفاض الاهتمام أو الاستمتاع بالأنشطة، وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الإصدار الخامس (DSM-5).

وبناءً على ما سبق، فقد وجد العلماء أن المرضى الذين يعانون من التَبلُّد العاطفي كانوا عرضةً لانخفاض في نطاق أوسع من المشاعر؛ بما في ذلك الحب والعاطفة والخوف والغضب!

وكما يشبّهه بعض المصابين به، فما هو إلا تضاؤل في الاستجابة العاطفية أو الحساسية العاطفية، وشعور مزعج باللامبالاة العاطفية التي تشبه تخدير المشاعر جميعها، الإيجابية وحتى السلبية.

وفي دراسة أخرى تعود لعام 2017 نُشِرَت لصالح مجلة الاضطرابات العاطفية (Journal of Affective Disorders) من قِبل فريق بحثي بريطاني فرنسي، وُصِفَ التَبلُّد العاطفي كعرض متبقي من أعراض الاكتئاب -أي أنه يستمر حتى بعد العلاج منه، بالإضافة إلى أنه من الآثار الجانبية الواضحة لمضادات الاكتئاب.

فعلى سبيل المثال؛ تضيف الدراسة الأخيرة أن معدل التَبلُّد العاطفي لدى المرضى المُعَالجين حالياً بمضادات الاكتئاب بلغ نحو 46%.

أعراض التَبلُّد العاطفي

إن قدرة الإنسان المنخفضة على التفاعل العاطفي مع محيطه، قد تجعل من السهل التعرّف إلى التَبلُّد العاطفي.

على الرغم من ذلك؛ هنا بعض الأعراض الأخرى التي ذكرتها الباحثة إيريكا سيرينو في مقالتها لصالح منصة “هيلث لاين” (Healthline) يمكن البحث عنها لتحديد ما إذا كنّا نحن أو أي شخص آخر نعرفه يعاني منها:

  • عدم وجود الحافز.
  • الأرق والإعياء والنسيان.
  • فقدان الدافع الجنسي.
  • صعوبة في التركيز والكلام.
  • الشعور بالانفصال عن العقل أو الجسد.
  • عدم القدرة على الشعور بالسعادة والحزن.
  • صعوبة التواصل مع الآخرين وتكوين علاقات اجتماعية أو الحفاظ عليها.
  • صعوبة الشعور بالحب أو المودة تجاه النفس أو الآخرين.
  • اللامبالاة، حتى تجاه الأنشطة التي عُرِفَت بأهميتها البالغة سابقاً.
  • الإكراه أو الانخراط النشِط في سلوك متهور أو إيذاء النفس (من أجل الشعور بشيء ما).

كيف يتم التَعرُّف إلى التَبلُّد العاطفي؟

بالنظر إلى نتائج الدراسات السابقة التي تربط بين التَبلُّد العاطفي والاضطرابات النفسية المختلفة؛ يمكننا إدراك أهمية العمل بجدية على تجاوزه مؤقتاً أو إيقافه.

فحسب وصف سيرينو في مقالتها؛ عند الشعور بأعراض التَبلُّد العاطفي التي سبق ذكرها، يجب علينا الإسراع في تحديد موعد مع مختص رعاية صحة نفسية؛ حيث يقوم بالمساعدة في فحص الأعراض الخاصة بنا ومراجعة تاريخنا المرضي والاضطرابات النفسية والعقلية لفهم الظروف الفريدة التي نمر بها بشكل أفضل.

ما أسباب التَبلُّد العاطفي؟

في حين قد يكون التَبلُّد العاطفي سبباً لبعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، قد يكون أيضاً ناتجاً عنها أو عن الأدوية الموصوفة لعلاجها، حسب وصف سيرينو في مقالتها، وفيما يلي بعضاً من هذه الأسباب:

  • الأدوية المضادة للاكتئاب: ذكرنا سابقاً كيف وصف علماء مستشفى شي جينغ ظهور انخفاض في قدرة المشاركين في الدراسة على تكوين المشاعر.
  • الأليكسيثيميا (Alexithymia)؛ أو نقص الانسجام النفسي أو ما يعرف بفقد العواطف: وهي حالة تجعل المرضى غير قادرين على تمييز مشاعر الآخرين وتقديرها. وتتميّز بضعف في الشخصية والتعبير عن العواطف والمشاعر والتعلق الاجتماعي، والعلاقات الشخصية.
  • الفصام: يعاني الأشخاص المصابون بالفصام في بعض الأحيان من عدم قدرتهم على الشعور بالعواطف.
  • الاضطراب الاكتئابي الحاد: يمكن أن يتسبب الاكتئاب في بعض الأحيان، بشكل مماثل للأدوية المستخدمة لعلاجه، في الشعور بالفراغ، ويجعل من الصعب الشعور بمشاعر إيجابية أو سلبية.
  • اضطراب ما بعد الصدمة: قد يعاني الأشخاص المصابون به من الانفصال عن الواقع خلال تعرُّضهم لذكريات صادمة من الماضي، أو خلال مواجهة بعض المواقف المحفّزة له.
  • تعاطي المخدرات: قد تؤدي اضطرابات تعاطي المخدرات مثل الحشيش أو المواد الأفيونية إلى التَبلُّد العاطفي نتيجة تثبيطها للجهاز العصبي المركزي.

ما يمكنك فعله حيال التبلُّد العاطفي؟

حسب وصف سيرينو في مقالتها؛ يمكننا القيام بالكثير من الأمور بمفردنا للمساعدة في تخفيف حدة الانفعالات العاطفية التي تصيبنا خلال أو بعد التَبلُّد العاطفي. ومن تلك الأمور الفعّالة ما يلي:

  • الانضمام إلى مجموعة دعم للمساعدة في التعامل مع أي اضطرابات عقلية تم تشخيصها أو معالجة مشكلة تعاطي المخدرات.
  • تحفيز الحواس بشكل سليم عند الشعور باللامبالاة أو الفراغ. فعلى سبيل المثال، قد يشمل ذلك احتضان دمية محشوة، أو أخذ حمام دافئ، أو الإمساك بقطعة من الثلج، أو حتى تناول طعام ذو نكهة قوية.
  • العودة إلى الأنشطة التي كانت مصدراً للمتعة من قبل، وحتى إذا كان الشعور بالسعادة ليس بنفس القدر كما في السابق ، فلا يزال بإمكانها تعزيز الحالة المزاجية والمشاعر والعواطف.

في النهاية؛ إذا كنت تعاني من ذلك التبلُّد والجمود العاطفي فأنت لست وحدك، أو بالأصح لستم وحدكم! التَبلُّد العاطفي يصيب الكثير منّا بدرجات متفاوتة، ويمتد لأوقات مختلفة – من دقيقة إلى يوم إلى أسبوع إلى شهر إلى عدة أشهر وحتى بضع سنوات!

لذا، في حالة اختبار تلك الأعراض، ينبغي البحث عن الخطة العلاجية الأنسب؛ والتي تحتوي في المقام الأول العمل مع مختص نفسي. بعد ذلك؛ مراجعة الجرعات الدوائية المحددة وعلاج الأسباب التي قد تؤدي لظهور أعراض تلك اللامبالاة العاطفية في حياتنا.

المحتوى محمي !!