كيف تخرج من حالة الخمول التي يسبّبها الاكتئاب المتوسط؟

5 دقائق
الاكتئاب المتوسط
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الاكتئاب المتوسط هو حالة صحية نفسية شائعة، تؤثّر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم. ويتميّز هذا النوع من الاكتئاب بمشاعر الحزن المستمرّة، وفقدان الاهتمام بالأنشطة، وتغيّرات في الشهية وأنماط النوم، ونقص الطاقة. في حين أن الأسباب الدقيقة للاكتئاب المتوسط ليست معروفة تماماً، يُعتقد أنه ناتج عن مجموعة من العوامل الوراثية والبيولوجية والبيئية. وتشمل خيارات العلاج للاكتئاب المتوسط العلاج النفسي والأدوية وتغيير نمط الحياة مثل التمارين واتباع نظام غذائي صحي. كما تتطلّب الإدارة الفعالة للأعراض اتباع نهج شامل يعالج الأسباب، ويوفر الدعم المستمر لتعزيز الصحة النفسية.

يصيب الاكتئاب ملايين الأشخاص حول العالم لأسباب مختلفة. ويرى خبراء منظمة الصحة العالمية إنّ الاضطرابات الاكتئابية تزداد بشدة في عالمنا المعاصر. إذ تشير تقارير المنظمة إلى أن ما يقارب 5% من البالغين في العالم يعانون من الاكتئاب. والأكثر خطورة هو أن 75% من المصابين بالاكتئاب لا يتلقون العلاج، ما يضاعف من تداعيات هذا الاضطراب.

ويتفاوت الاكتئاب من شخص لآخر بحسب شدة الأعراض وعدد مرات ظهورها. إذ يعاني الكثير من الأفراد من نوبات الاكتئاب المتوسط مع تقدّمهم في العمر. نتيجة ضغوط الحياة مثل المشكلات الصحية، أو فقدان الشريك أو أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء. ما يمكن أن يؤدّي إلى حالة الحزن المستمر وفقدان القدرة على الاستمتاع.

ويوضّح المعالج النفسي السعودي وليد الزهراني إنّ أعراض الاكتئاب المتوسط تكون أقرب إلى المعتدلة. وهو ينصح الأشخاص الذين يعانون من أعراض اكتئابية تفوق الشهر ونصف بزيارة الطبيب المختص، والاستفادة من العلاج النفسي.

ما هي أعراض الاكتئاب المتوسط؟

الاكتئاب المتوسط (Moderate Depression) هو اضطراب مزاجي يعاني المصاب به من مزاج مكتئب وأعراض جسدية. ومن المرجح أن يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب المتوسط من الأعراض الأولية لانخفاض الحالة المزاجية، وصعوبات النوم، وتغيّرات الوزن أو الشهية، وزيادة التنفّس أو تباطؤه.

ويظهر على مريض الاكتئاب المتوسط عدد من الأعراض بشكل غير دائم، مثل: الانفعال المتكرّر في اليوم الواحد، وفقدان الشغف تجاه الأنشطة اليومية، وتغيّر ملحوظ في النشاط الحركي. وذلك بالإضافة للشعور بالقلق المفرط، والشعور بالذنب واليأس وجلد الذات والإحباط. وقد يعاني المريض في هذه الحالة من أعراضٍ مثل:

  • تضاؤل احترام الذات.
  • الشعور بالضيق والعجز وتضخيم الأمور.
  • اضطرابات الشهية.
  • الأرق.
  • عدم انتظام النوم والاستيقاظ بالليل بشكل متكرّر.
  • مواجهة صعوبات في التركيز والقدرة على اتخاذ القرارات أو حلّ المشكلات.

ولا تظهر هذه الأعراض على المصاب بالاكتئاب المتوسط بشكل حادّ، بل تتفاوت في حدّتها وفي المدة الزمنية التي تظهر فيها. وبعضها قد يستمّر لمدة أسابيع فقط.

أسباب الإصابة بالاكتئاب المتوسط

يحدث الاكتئاب المتوسط كنتيجةٍ لعدد من الأسباب المحتملة التي يتأثّر بها المصاب، وفي بعض الحالات قد تجتمع هذه الأسباب. وقد يرجع ظهور أعراض هذا النوع من الاكتئاب لسبب واحد فقط. ويمكن إيجاز أهم هذه الأسباب فيما يلي:

  • الوراثة؛ حيث يمكن أن ينتشر الاكتئاب في العائلات، ويمكن أن ينتقل من جيل إلى جيل.
  • وجود أبوين أو أفراد آخرين في الأسرة يعانون من الاكتئاب.
  • الإصابة بحالة نفسية أخرى.
  • الفقر.
  • الحالات الصحية المزمنة.
  • تناول أدوية معينة.

الفرق بين الاكتئاب الخفيف والمتوسط؟

يعتبر الاكتئاب المتوسط هو المرحلة التالية للاكتئاب الخفيف (Mild Depression) من حيث حدّة الأعراض، وعند مستوى معين قد تتشابه أعراضهما. ويتميّز الاكتئاب المتوسط بما فيه من صعوبات في التواصل بشكل إيجابي مع الناس، بما يجعل مريض هذا النوع من الاكتئاب يميل بشكل أكبر إلى العزلة.

والذي يميّزه عن الاكتئاب الخفيف هو تأثيره في إنتاجية المريض وتواصله مع أسرته. ولذلك فإن آثاره أكثر خطورة من آثار الاكتئاب الخفيف. وقد يعاني المصاب من مشكلات عائلية يصعب السيطرة عليها في بعض الحالات.

وما يشعر به المصاب من عدم تحفيز قد يدفعه لعدم إكمال مهام عمله والدخول في صدامات مع رؤسائه المباشرين في العمل ومع زملائه كذلك. وهو الأمر الذي قد يعطّل مشروعات العمل وقد يتسبّب في فصله أيضاً.

وذلك بخلاف الاكتئاب الخفيف الذي لا يؤثّر بالضرورة في إنتاجية وتواصل المصاب، إذ يستطيع مريض الاكتئاب الخفيف ممارسة أنشطته اليومية خارج وداخل المنزل دون مشكلات كبيرة تعيقه عن إنجاز ذلك. وعادة ما تسير علاقاته الاجتماعية بشكل أفضل ولا يعاني في الغالب من مشكلات عائلية بصورة مماثلة لمريض الاكتئاب المتوسط.

اقرأ أيضاً: ما هو الاكتئاب الخفيف؟ وكيف يمكن علاجه؟

خيارات العلاج الدوائي والنفسي

يستخدم الأطباء في علاج الاكتئاب المتوسط مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) المتمثلة في عددٍ من الأدوية مثل سيرترالين (Sertraline) وباروكستين (Paroxetine). و يتم وصف هذه الأدوية لزيادة مستويات مواد كيميائية في الدماغ مثل السيروتونين (Serotonin) بهدف تحسين الحالة المزاجية.

ويرشح الكثير من المعالجين مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية عن غيرها لأن آثارها الجانبية محدودة، ويعتبر فلوكسيتين (Fluoxetine) من أهم هذه المثبطات وأكثرها شهرة.

و يلجأ الطبيب المختص في بعض الحالات للعلاجات النفسية بجانب العلاج الدوائي وفق خطة علاج محدّدة، وذلك للتحكّم بشكل أفضل في الأعراض والسيطرة عليها. حيث يسهم العلاج المعرفي السلوكي (CBT) في تمكين المصاب من اكتشاف أفكاره السلبية، وتعلّم كيفية التعامل معها بشكل يمكن معه تغيير سلوكه تدريجياً.

4 طرائق لإدارة أعراض الاكتئاب المتوسط بدون أدوية

ويؤكّد المدير الطبي لمعهد بنسون هنري (Benson-Henry Institute) بمستشفى ماساتشوستس التابع لجامعة هارفارد؛ دارشان ميهتا (Darshan Mehta)، إنّ هناك طرائق لا تشمل الأدوية، من شأنها أن تساعد في علاج الاكتئاب المتوسط والتحكّم في أعراضه. ويمكن اعتبارها كإجراءات وقائية بالنسبة للأشخاص الذين لم يختبروا الأعراض، ولكنهم عانوا من نوبات اكتئابية سابقة أو لديهم تاريخ عائلي للاضطراب. ونلخّص هذه الطرائق كالتالي:

  1. التمارين الرياضية: تقلّل التمارين الرياضية من أعراض الاكتئاب، وبخاصة التمارين الهوائية (Aerobic) متوسطة الشدة، حيث يشير دارشان ميهتا لتأثيرها المشابه لمفعول مضادات الاكتئاب. إذ يحدّ الانخراط في ممارسة الرياضة بانتظام من تفاقم أعراض الاكتئاب، كما يحسّن أيضاً أعراض القلق، ويعزّز مستويات الطاقة، ويحسّن نوعية النوم. لكن أيّ نوع من التمارين يمكن أن يكون مفيداً في تحسين الصحة النفسية. حيث تعدّ الحركة المنتظمة أمراً أساسياً. لذلك يجب على الأشخاص التركيز على القيام بأي نشاط بدني يستمتعون به، سواء كان المشي يومياً، أو البستنة، أو العمل في مشاريع منزلية.
  2. التغذية: هناك أدلة علمية أشار إليها دارشان ميهتا تشير إلى أن تخفيض استهلاك السكر المكرّر الموجود في الحلويات والمشروبات الغازية والأطعمة المصنعة قد يكون مفيداً. حيث وجدت دراسة نُشرت في مجلة ساينتيفيك ريبورتس (Scientific Reports) في 2017 أن الرجال الذين تناولوا 67 غراماً أو أكثر من السكر يوميّاً كانوا أكثر عرضة بنسبة 23% للإصابة بالاكتئاب مقارنة بأولئك الذين تناولوا 40 غراماً أو أقلّ. قد يكون هذا بسبب اعتماد الدماغ على إمدادات ثابتة من الجلوكوز، إذ يمكن أن يؤدّي الإفراط في تناول السكر إلى ارتفاعات وانخفاضات عاطفية شديدة. وهو ما يفسّر اشتهاء الأطعمة السكرية عند الشعور بالاكتئاب، بينما تناول هذه الأطعمة قد يؤدّي إلى تفاقم الأعراض. بدلاً من ذلك، قد يكون من المفيد تناول وجبات خفيفة صحيّة في متناول اليد، مثل الفاكهة أو المكسرات، للتوقّف عن الاعتماد على السكر في أثناء الشعور بحالة مزاجية منخفضة.
  3. الامتنان: يمكن أن يكون للتعبير عن الامتنان من خلال تدوين الأمور الجيّدة في الحياة الشخصية آثار عاطفية إيجابية على الأشخاص المصابين بالاكتئاب. يزيد هذا التمرين من نشاط قشرة الفص الجبهي الوسطي (Medial Prefrontal cortex)، وهي منطقة الدماغ المرتبطة بالاكتئاب. يمكن بدء يوميات الامتنان وكتابة حتى أصغر الأشياء التي تلهمنا، والتأمل فيها كلما شعرنا بالضعف. وينصح بكتابة تفاصيل حول سبب امتناننا وكيف نعمل على تحسين حياتنا، بدلاً من مجرد سرد للأشخاص والأشياء التي نشعر بالامتنان من أجلها. يمكن أن تكون الكتابة مفيدة حتّى ولو مرة واحدة في الأسبوع.
  4. التواصل الاجتماعي: يمكن أن تزيد العزلة الاجتماعية من خطر الإصابة بالاكتئاب وتجعل الأعراض أسوأ، وتستمر لفترة أطول. ونظراً لأن التواصل الاجتماعي يكون صعباً بالنسبة للأشخاص المصابين بالاكتئاب، يتمثّل أحد الحلول في الانضمام إلى مجموعة أشخاص يشاركونك نفس الاهتمامات الشخصية ؛ مثل التطوّع من أجل قضية إنسانية أو الانضمام إلى فريق رياضي. حيث يمكن أن يساعد القيام بذلك في الحفاظ على الروابط الاجتماعية ويوفر حافزاً إضافياً للانخراط بسبب الاهتمام الشخصي.

اقرأ أيضاً: ما هو الاكتئاب الحاد؟ ولماذا عليك الحذر من علاماته؟

وفي النهاية، يجدر القول إنّ الاكتئاب المتوسط هو نوع شائع من الاكتئاب في العالم مع ازدياد حجم التحديّات اليومية المختلفة عند أغلبية الناس.

وكلما لوحظت الأعراض بشكل أسرع، تمّ التشخيص ووضع الخطة العلاجية بشكل أكثر فعالية لعلاج وإدارة الأعراض. لكن الخبراء يؤكّدون إنّه يمكن إدارتها أيضاً أو الوقاية المبكّرة منها من خلال التمرين الرياضي، وممارسة الامتنان، والتغذية المتوازنة، وتعزيز التواصل الاجتماعي. وكلما تضافرت سبل إدارة الأعراض، تضاعفت فرص التعافي.

المحتوى محمي