ملخص: ينتشر الكثير من صور الأطفال على شبكة الإنترنت، ولا يتوقف الأمر عند نشرها في نطاق الأسرة وأصدقاء الوالدين، فالبعض منها قد تحول إلى "ميمز" تُستغَلّ لإضحاك الآخرين؛ ما يجعلنا نذهب إلى جذور المشكلة لنفتح باب النقاش حول النقطة الأساسية وهي: هل يُعد نشر صور الأطفال على الإنترنت قراراً سليماً؟ وهل يحق للوالدين فعل ذلك؟ وكيف يؤثر نشر صور الطفل في صحته النفسية؟ وما المخاطر التي قد تلحق به جرّاء نشرها؟ يجيب هذا المقال عن الأسئلة السابقة مستعيناً بآراء العديد من الخبراء النفسيين والإعلاميين.
عندما نتجول بين حسابات أصدقائنا أو أقربائنا على منصات التواصل الاجتماعي، قد يصادفنا العديد من الصور لأطفالهم أو أطفال أقربائهم، فذلك طفل ضاحك وذاك غاضب وآخر يحتفل بعيد ميلاده، فنتفاعل مع الصور بالإعجابات والدعوات؛ لكن هل فكرنا للحظة عما يمكن أن تشكله هذه الصور من خطر على الأطفال أو في تأثيرها السلبي في صحتهم النفسية؟
ربما لا يلقى السؤال السابق الاهتمام الكافي نتيجة الدوافع الغالبة على أولياء الأمور لنشر صور أطفالهم؛ مثل البحث عن القبول المجتمعي، وبخاصة في المجتمعات التي تنظر إلى إنجاب الأطفال باعتباره إنجازاً يستحق الذكر؛ لكن الأمر في أساسه يتعلق بالطفل لذا من المهم أن نتعرف إلى ما يمكن أن تسببه مشاركة صوره على الإنترنت.
السؤال الأساسي: هل يجب أخذ موافقة الأطفال على نشر صورهم على الإنترنت؟
ينشر الكثيرون صور الأطفال على الإنترنت باعتبار أنهم أصحاب القرار الأول والأخير في هذا الفعل؛ لكن الحقيقة أنه يجب أخذ موافقة الطفل قبل نشر صوره. وهنا ينقسم الموقف بحسب الفئة العمرية للطفل، ففي سن مبكرة، لا يكون الطفل مدركاً لأبعاد نشر صورته وفي هذه الحالة يجب الامتناع عن نشرها، أما في سن متقدمة فينبغي الحصول على موافقته الصريحة قبل النشر.
ويُعد الحصول على موافقة الطفل ضرورياً من وجهة نظر المختصة النفسية ديبورا سيراني (Deborah Serani) لكيلا يشعر أن خصوصيته مخترَقة؛ كما أنه يعمق الثقة بين الطفل ووالده ويؤسس للاحترام المتبادل بينهما.
كيف يؤثر نشر صور الأطفال على الإنترنت في صحتهم النفسية؟
ربما يرى الوالدان أن الصورة المنشورة لطفلهما من أجمل صوره بينما تكون للطفل وجهة نظر معاكسة؛ ما قد يتسبب في شعوره بالخجل أو الحزن أو القلق. ذلك ما تؤيده دراسة علمية أجرتها جامعة أنتويرب البلجيكية (University of Antwerp) توصلت إلى أن المراهقين الذين شارك والدوهم صورهم على الإنترنت كانوا غير مرتاحين لما حدث وقلقين من تأثير ذلك في علاقاتهم المستقبلية أو احتمالية تعرضهم للتنمر أو عرقلة حياتهم المهنية لاحقاً.
وفي حال كانت الصور منشورة دون أخذ موافقة الطفل، فإنها وفقاً لمختص علم النفس الإعلامي دون غرانت (Don Grant) ستؤدي إلى شعوره باهتزاز الثقة التي أعطاها لوالديه، وتلك الثقة إذا ما تناقصت تكون إعادة بنائها صعبة.
كما تضيف المختصة النفسية ديبورا سيراني بُعداً نفسياً آخرَ مهماً هو أن نشر صور الطفل يشكّل هويته الرقمية بغير إرادته، وهذا يتعارض مع استقلالية نموه وتطور هويته الذاتية، فالصور التي تُنشر للطفل ينبغي أن تظل بعيدة عن العلن حتى يقرر الطفل بعدما يكبر إذا كان يرغب في نشرها أو لا.
ويرتبط التأثير النفسي لمشاركة صور الأطفال بتغيّر نظراتهم إلى أنفسهم، فما كانوا يعتبرونه جذاباً في سن الخامسة من عمرهم ربما يرونه منفراً ويُفقدهم جاذبيتهم بين أقرانهم في سن العاشرة؛ ما قد يصيبهم حينها بالقلق أو الحرج نتيجة فقدانهم السيطرة على صورهم التي شاركها والدوهم على الإنترنت.
اقرأ أيضاً: كيف يساعد الأصدقاء الخياليون الأطفال على النمو؟
ما مخاطر نشر صور أطفالك على الإنترنت؟
يمكن أن يتسبب نشر صور الأطفال على الإنترنت في تعرضهم لمخاطر عديدة بحسب مستشار الإعلام الرقمي عمار محمد؛ وتتمثل في:
- الصور تخزَّن للأبد: حتى وإن حذفت صور أطفالك نهائياً من حساباتك على منصات التواصل الاجتماعي، يوجد بعض الخوارزميات التي يمكن من خلالها استرجعاها بسهولة، لذا فكل ما نشرته سيبقى على الإنترنت وقد يؤثر سلباً في مستقبل طفلك.
- إنها تقدم معلومات لأعداء أطفالك: عندما تنشر صور أطفالك على الإنترنت فمن خلالها قد يتعرف الأشخاص الذين ينوون إيقاع الضرر بهم إلى بعض المعلومات الخاصة مثل مكان مدرستهم أو أسماء أفراد عائلتهم؛ ما يجعلهم عرضة لأحداث لا تُحمد عقباها.
- الصور قد تُستغلّ: يوجد مجرمون على على شبكة الإنترنت يستغلون صور الأطفال أسوأ استغلال؛ ومن ذلك إتاحتها كمحتوىً مجاني أو نسبها إلى أنفسهم أو نسج قصص وهمية حولها.
- نشر الصور انتهاك لخصوصية الطفل: يُعد نشر صورة طفلك دون موافقته أمراً غير قانوني؛ ما قد يضعك في موقف حرِج أمام الجهات الرسمية المعنية.
اقرأ أيضاً: كيف نساعد الأطفال والمراهقين على إدارة القلق؟
أخيراً، إذا كنت ترغب في مشاركة صور طفلك على حساباتك في منصات التواصل الاجتماعي فتذكر أن الإعجابات التي ستحصدها صوره لا تعادل الضرر الذي قد تلحقه به، لذا تمهّل قبل فعل ذلك وزِن قرارك بوضع مصلحة طفلك أولاً.