كيف يساعد الأصدقاء الخياليون الأطفال على النمو؟

الصديق الخيالي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بدأ علماء النفس بالبحث في مسألة “الأصدقاء الخياليين” للأطفال في بداية القرن التاسع عشر؛ إذ كانت هنالك مخاوف من أن يكون خيال الطفل هذا عرَضاً لإصابته بأحد الاضطرابات النفسية أو العاطفية. وفي ضوء تقدُّم الأبحاث على مدار العقدَين الماضيين، أصبح من الواضح أن الأمر عكس ذلك تماماً، فصديق الطفل الخيالي يساعده في الحقيقة على النمو.

الصديق الخيالي ظاهرة منتشرة بين الأطفال

يُعدّ ابتكار صديق خيالي ظاهرةً منتشرة جداً بين الأطفال فلا بد أنك تعرف شخصاً واحداً على الأقل كان لديه صديق خيالي في مرحلة الطفولة، وقد تكون أنت أيضاً؛ إذ أظهرت الدراسات أن 65% من الأطفال يبتكرون صديقاً خيالياً.

ويظهر هذا السلوك بصورة عامة بين سن 3 و5 سنوات ولوحظ انتشاره بين الأطفال في جميع أنحاء العالم من مختلف الثقافات، ومن الناطقين بمختلف اللغات، وجدير بالذكر أن هذا السلوك لا يتعلق بالأطفال الذين يتخذ تطورهم النفسي نمطاً طبيعياً فقط؛ إذ لوحظ أيضاً لدى الأطفال المصابين بالتوحد أو متلازمة داون.

ولذلك فإن الشخصيات الخيالية هذه تتنوع تنوعاً كبيراً، كما يمثل كل صديق خيالي حالةً مميزة وفريدةً من نوعها ترتبط بالطفل الذي يبتكره. إحدى أهم الوظائف الرئيسية للصديق الخيالي هي تخفيف الشعور بالوحدة؛ إذ يشعر الطفل بأن هنالك دائماً من يشاركه اللعب ولهذا السبب فإن المسنين والأطفال هم أكثر احتمالاً لابتكار هؤلاء الأصدقاء.

من جهة أخرى يبتكر الطفل صديقه الخيالي ليلقي اللوم عليه عندما يشعر بأنه ارتكب فعلاً سيئاً؛ ككسر النافذة أو عدم ترتيب غرفته كما يجب.

الصديق الخيالي دلالة على تمتع الطفل بمهارات اجتماعية أكبر

أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين يبتكرون أصدقاء خياليين هم أكثر انسجاماً مع محيطهم؛ إذ يمكنهم مثلاً تصور وجهات نظر الآخرين بسهولة أكبر أي أنهم قادرون على استيعاب الاختلاف، الأمر الذي سيكون ذا تأثير إيجابي في علاقاتهم الاجتماعية.

كما أظهرت دراسات أخرى أن هؤلاء الأطفال يركزون على السمات الشخصية لمن حولهم أكثر من تركيزهم على مظهرهم وعندما يُطلب منهم وصف أصدقائهم في الحياة الواقعية مثلاً فإنهم غالباً سيشيرون إلى صفاتهم الشخصية لا الجسدية. إضافةً إلى ذلك فإنهم يعرفون أنفسهم بصورة أفضل ويفهمون أن أفكارهم غير مرئية بالنسبة للمحيط الخارجي، وهو الأمر الذي يجد الأطفال عادةً صعوبةً في إدراكه.

يتميز الأطفال الذين يبتكرون أصدقاء خياليين بأنهم أكثر إبداعاً مقارنةً بغيرهم، وعلى الرغم من ذلك فإنه يصعب في الوقت الحالي أن نحدد: هل صديق الطفل الخيالي هو الذي يحفز الإبداع لديه، أم أن الطفل الذي يتمتع بقدر أكبر من الإبداع والمهارات الاجتماعية سيكون أكثر احتمالاً لخلق صديق خيالي؟ ولكن من الجدير بالذكر أن لعب الطفل مع صديقه الخيالي قد يقوي مهاراته الاجتماعية بمرور الوقت، حتى لو كان يتمتع بهذه المهارات في الأساس.

الصديق الخيالي مرحلة من مراحل الطفولة

تسلط كل هذه النتائج الضوء على المسائل الاجتماعية والعاطفية الهامة في مرحلة الطفولة. مع تقدمنا في السن، نميل عموماً إلى تكوين مزيد من الصداقات وقضاء وقت أقل بمفردنا كما أننا نفهم العلاقات الاجتماعية فهماً أفضل.

ومع ذلك؛ بينما يتوقف بعض الأطفال عن اللعب مع الأصدقاء الخياليين بعد بضعة سنوات فإن آخرين يستمرون في قضاء الوقت معهم، وقد وجد الباحثون أن لذلك آثاراً إيجابية؛ إذ يتمكن المراهقون الذين يعانون من مشكلات سلوكية من التكيف معها بصورة أفضل عندما يكون لديهم صديق خيالي.

من جهة أخرى؛ يبتكر الراشدون في حالات نادرة أصدقاء خياليين أيضاً. يُقال إن لدى المؤلفين مثلاً أصدقاء خياليين يتمثلون في شخصيات رواياتهم، وإن هذه الشخصيات تقوم بأفعال لم يتوقعها مبتكروها عندما بدؤوا بالكتابة، وهي ميزة تساعدهم على إبداع هذه الروايات.

ما الذي على الآباء فعله حيال صديق طفلهم الخيالي؟

يتساءل الوالدان غالباً عن كيفية التفاعل مع حالة الصديق الخيالي الذي يبتكره طفلهم، وفي الحقيقة تشير نتائج البحث إلى أن أفضل ما يجب فعله هو قبول الصديق الخيالي للطفل ومشاركته هذه اللعبة،

فإذا كان طفلك مثلاً يقضي وقتاً ممتعاً مع صديقه الخيالي قبل العشاء فيمكنك أن تقترح عليه إعداد وجبة له أيضاً. يتمكن الآباء الذين يبتكر أطفالهم أصدقاء خياليين من ملاحظة تفاصيل وقت لعبهم بصورة أفضل ومن ثم فإنهم سيكونون أكثر انتباهاً لسلوكياتهم.

في بعض الأحيان يصف الطفل صديقه الخيالي بأنه “يسيء التصرف” فيقول لوالديه إن صديقه هذا يرفض مشاركته اللعب أو يتفوه بكلمات بذيئة.

من المهم في هذه الحالة أن تستمع إلى طفلك وتحاول مساعدته على حل المشكلة، وعلى الرغم من أن هذا النوع من الأصدقاء الخياليين قد لا يبدو ودوداً فإنه يسمح للطفل بفهم العلاقات الاجتماعية، تماماً كما هو الحال مع الصديق الخيالي اللطيف.

قد يشعر الوالدان بالقلق ولا سيما عندما يظن الطفل أن صديقه الخيالي موجود فعلاً؛ لكن معظم الأطفال يمكنهم التمييز بين خيالهم والواقع. لذلك ، فإن هؤلاء الأصدقاء غير المرئيين هم في معظم الحالات مجرد مظهر من مظاهر القدرات التخيلية المذهلة للأطفال التي سيكون لها تأثير إيجابي كبير في تطورهم وبناء شخصيتهم.

المحتوى محمي !!