ملخص: يمكن أن تصبح الضغوط النفسية مصدر ضررٍ لصحتنا الجسدية والنفسية يتزايد مع تقدّمنا في العمر. وبالنسبة إلى كبار السن، يمكن أن تؤدّي بالفعل إلى أمراضٍ خطِرة أو تزيد حدّة أعراض أمراض القلب وداء السكري. لكن مع الدعم المناسب الذي يمكن أن يقدمّه المقربون من المسنين سواء كانوا من ذويهم أو مقدّمي الرعاية الصحية أيضاً، يمكن إدارة الإجهاد لديهم بشكل فعّال والحفاظ على جودة حياتهم. من التمارين البدنية والتأمل إلى النظام الغذائي واليقظة؛ يستكشف هذا المقال طرائق تخفيف الضغوط النفسية لدى المسنين وتحسين قدرتهم على الصمود.
من المؤسف أن تنغّص الضغوط النفسية لدى المسنين حياتهم وحياة من يرعونهم. يشرح خبراء هارفارد هيلث ببليشينغ (Harvard Health) طبيعة الضغط النفسي موضحين إنه رد فعل تلقائي للجسم في أثناء الشعور بخطر ما.
فبمجرد أن يشعر الجسم بالخطر يتفاعل مع هذا الشعور من خلال شدّ العضلات وإفراز هرمونات التوتّر مثل الأدرينالين والكورتيزول. قد لا تشكّل هذه الحالة خطورة إذا حدثت لمرة واحدة كل فترة؛ لكن الإجهاد المتكرّر والمستمر الذي يُسمّى بالضغط المزمن (Toxic Stress)، يمكن أن تكون تأثيراته أكثر قسوة في كبار السن بالفعل إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح وسريع.
أعراض الضغوط النفسية لدى المسنين
تتطوّر أعراض الضغوط النفسية عند كبار السن بشكل تدريجيّ في أغلب الحالات. وهذا ما يجعل تمييزها صعباً إلى حدٍّ ما، لا سيّما وأن الأشخاص جميعهم يتعرّضون للضغوط من وقت لآخر. لذا قد تكون استشارة مختص ضرورية لمعرفة ما إذا كان الشخص المُسن يعاني من الضغط العادي أو يتعرّض للضغط النفسي الذي يستوجب تدخلاً.
يتسبّب التوتّر في إفراز الجسم لهرمونات التوتّر التي يؤدي إفرازها إلى مجموعة من الأعراض الشائعة؛ بما في ذلك ارتفاع معدّل ضربات القلب وصعوبة التنفس وارتفاع ضغط الدم.
وبالنسبة إلى كبار السن على وجه الخصوص، يمكن أن يسبّب التوتّر والضغط النفسي مجموعة كبرى من الآثار الجسدية والنفسية الخطِرة إذا تُرك دون علاج؛ بما في ذلك داء السكري وأمراض القلب. ويؤكد المعهد الأميركي للإجهاد (AIS) أن الضغط قد يكون واحداً من الأسباب الرئيسية للإصابة بالخرف وضعف جهاز المناعة والشيخوخة وارتفاع معدل الالتهابات.
وتؤكّد الطبيبة المغربية المختصة في أمراض الشيخوخة هند أقلعي إن بعض الضغوط النفسية لدى كبار السن يكون طبيعياً، لأنهم يلاحظون التغيرات الجسدية التي تطرأ عليهم مع تقدمهم في السن. حيث تتغيّر صورتهم الذاتية؛ ما قد يخلق لديه نوعاً من القلق واضطراب المزاج والاكتئاب، وبخاصة أنهم يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذه الحالات النفسية، لأنهم يتعرضون لحالات فقد متتالية تتمثّل في تقلّص شبكاتهم الاجتماعية نتيجة التقاعد أو وفاة بعض الأصدقاء، وفقد أدوارهم الأساسية التي تعوّدوا عليها داخل أُسرهم، وأكدت المختصة إن كبار السن جميعهم قد يعيشون هذه الضغوط بحدّة متفاوتة فيما بينهم.
اقرأ أيضاً: كل ما تود معرفته عن دواء الخرف "الدونبيزيل"
يحتاج كل من الأسرة والأشخاص الداعمين لكبار السن ملاحظة العلامات التي تشير إلى الإصابة بالضغط النفسي، فكلما تمّ اكتشاف الأعراض وتحديدها باكراً كانت التأثيرات السلبية المترتّبة عنها أقل حدّة. وتشمل هذه العلامات والأعراض وفقاً للخبراء من هارفارد هيلث ببليشينغ ما يلي:
- الصداع.
- آلام الظهر.
- عسر الهضم.
- خفقان القلب.
- ضعف التركيز.
- نوبات البكاء.
- عدم القدرة على اتخاذ القرارات.
- الحساسية المفرطة.
- الانفعال العاطفي.
اقرأ أيضاً: الاكتئاب لدى كبار السن حقيقي، فكيف يمكن مساعدتهم؟
كيف يمكن أن نساعد المسنين على إدارة الإجهاد؟
أهم ما يجب القيام به لمساعدة كبار السن المصابين بالإجهاد والضغط النفسي، هو إقناعهم باستشارة الطبيب المختص لتقديم العون لهم. وحده الطبيب النفسي من يستطيع تقديم التوصيات الموثوقة والفعّالة؛ كما أنه هو من سيحدّد ما إذا كانت مستويات التوتّر لدى المسن ناتجة من مشكلة صحيّة تتطلّب علاجاً.
من جانب آخر، هناك بعض الخطوات التي يقترحها الخبراء لمساعدة كبار السن على إدارة الإجهاد وتقليل مستويات التوتّر؛ وتتمثل فيما يلي:
- تشجيع كبار السن على التأمل والاسترخاء: فبحسب خبراء المعهد الأميركي للإجهاد؛ ممارسة التأمل والاسترخاء تساعد على تقليل التوتّر وبالتالي خفض معدّل ضغط الدم ومعدّل ضربات القلب وتنظيم التنفس.
- تشجيع كبار السن على ممارسة الرياضة: يساعد النشاط البدني المسنين على إدارة توتّرهم، ويحسّن حالتهم المزاجية وصحتهم العامة.
- التأكّد من حصول كبار السن على نظام غذائي صحي ومتوازن: يؤثّر النظام الغذائي مباشرة في صحة الأفراد النفسية والجسدية. لذا يمكنك مساعدة كبار السن في أسرتك على تناول الوجبات في مواعيدها بانتظام، على أن تكون الوجبة شاملة لكل العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، آخذاً بعين الاعتبار أن كبار السن يحبّون تناول الطعام برفقة أحدهم فذلك يزيد شعورهم بالسعادة والرضا.
- مساعدة كبار السن على اكتساب مهارات جديدة: فاكتساب مهارة جديدة، أو الانخراط في هواية مفضلة أو أنشطة مثل عزف الموسيقا والبستنة وحل الألغاز والقيام برحلات في الهواء الطلق، من شأنه أن يحسّن الحالة المزاجية ويخفّف أعراض التوتّر.
دراسة تؤكّد دور اليقظة في حماية المسنين من الضغوط النفسية
قام الباحثان من كلية العلوم السلوكية والدماغية بجامعة تكساس، سيندي فرياس (Cindy Frias) واروم وين (Erum Whyne) بدراسة بحثا فيها عن تأثير اليقظة ودورها في تحديد طبيعة العلاقة بين الإجهاد ونوعية الحياة لدى المسنين. وشارك في الدراسة 134 بالغاً في منتصف العمر أو من كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 50 - 85 سنة.
فحص الباحثان أعراض الاكتئاب ومدى حدّتها بين المشاركين من خلال استبيان أجابوا عنه. وخلصت نتائج الدراسة إلى أنه كلما ازدادت ضغوط الحياة انخفض مستوى الصحة الجسدية والنفسية عند المشاركين.
وأظهرت الدراسة أن اليقظة الذهنية (Mindfulness) ارتبطت بالصحة النفسية بشكل إيجابي؛ إذ إن المشاركين الذين كانت لديهم مستويات عالية من اليقظة، كانت تأثيرات الضغوط اليومية في صحتهم النفسية أقل من الآخرين. ويشير هذا إلى أن اليقظة أو ما يُعرف أيضاً بالتأمل الواعي، قد يكون وسيلة حماية فعّالة للبالغين وكبار السن من النتائج السلبية للضغط النفسي والتوتّر وآثارهما المحتملة في الصحة النفسية والجسدية.
طرق ينصح بها الخبراء لتخفيف الضغوط النفسية لدى المسنين
يتوقف تخفيف التوتّر والضغط على العامل المسبب لهما. على سبيل المثال؛ إذا كان الأرق هو السبب الرئيسي في الشعور بالتوتر والضغط، فلا بد من الخضوع لنوعٍ من العلاج المعرفي السلوكي المخصّص لمعالجة الأرق؛ والذي يُعرف باسم (CBT-i) وهو العلاج الذي توصي به الكلية الأميركية للأطباء كعلاج أساسي للأرق.
ولكن يمكن تخفيف التوتّر لدى المسنين بشكل عام عن طريق اتباع بعض الطرائق التي أوصى بها المختصون من هارفارد هيلث ببليشينغ؛ والتي تتمركز حول القيام بأنشطة بدنية بصورة دورية، وتمكن استشارة الطبيب المختص عن نوع التمارين المناسب للحالة الصحية للمسن.
ومن أكثر التجارب الإيجابية التي ثبُتت فعاليتها بشكل كبير هي المشاركة في مجموعة دعم تعاني المشكلة نفسها؛ إذ إن الوجود مع أشخاص يمرون بالأزمة النفسية نفسها يمكن أن يخفّف حدة الشعور بالضغط. وتمكن أيضاً تجربة طرائق أخرى مثل اقتناء حيوان أليف من الكلاب أو القطط، أو التسجيل في دورة للتدريب على مهارة مواجهة التحديّات وكيفية التعامل مع النزاعات.
اقرأ أيضاً: كيف يحسن فيسبوك أداء ذاكرة المسنين؟
قد تكون الضغوط النفسية لدى المسنين من أكثر الصعوبات التي يواجهها الأشخاص الذين يعتنون بهم من أبناء ومقربين؛ إلا أن الصعوبة قد تزداد إن أُهملت الأعراض رغم وضوحها، فالدخول في حلقة لا تنتهي من التوتّر المولّد للضغط يمكن أن يؤدّي إلى نتائج صحية ونفسية سلبية وخيمة. ولأن كبار السن من بين أكثر الفئات التي يمكن أن تتعرّض لأزمات نفسية بسهولة؛ يجب أن يبقى الأشخاص المحيطون بهم متيقظين لاكتشاف الأعراض واستشارة المختص وتلقي المساعدة وتقديم يد العون.