ملخص: قد يصعب عليك الانفصال عن أعباء العمل خلال الإجازة والاسترخاء وعيش اللحظة الحالية دون الشعور بالذنب لكنك قد لا تدرك أن ذلك ضروري لتتمكن من شحن طاقتك وتعاود الانطلاق بكامل حيويتك. يعني الانفصال عن العمل التوقف عن التفكير المستمر في المخاوف المرتبطة به الأمر الذي قد لا يكون هيناً على الكثيرين، وما يزيده صعوبة هي أدوات التكنولوجيا الحديثة التي تسيطر على عالمنا اليوم؛ إذ تقاطع لحظات راحتنا أو تبقينا على اتصال دائم بمكان آخر ما يؤدي إلى الانفصال ذهنياً عن اللحظة الحالية.
قد يصعب على الكثيرين الانفصال عن أعباء العمل خلال الإجازة والاسترخاء وعيش اللحظة الحالية دون الشعور بالذنب لكنهم لا يدركون أن هذا الانفصال ضروري لشحن الطاقة ومعاودة الانطلاق بكامل الحيوية.
تقول سمر ذات الـ 37 عاماً: "كنت أجلس رفقة زوجي حسان على الشرفة مستمتعين بهدوء بوقتنا إذ كنا في إجازة؛ لكن اتصالاً من الشركة التي أعمل فيها قطع ذلك كله فرمقني بنظرة جعلتني أدرك أنني أفسدت اللحظة إذ كنت قد وعدته بأنني سأوقف تشغيل هاتف العمل خلال إجازتي لكنني لم أفعل. واجهتنا مشكلات كثيرة في العمل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وكان من الصعب أن أنفصل عنه ولو ليوم واحد، لذا فقد كان عليّ الرد على مكالمة زميلي وخوض نقاش امتد لعشر دقائق، وبعد الانتهاء وجدت نفسي أجلس وحدي لأن حسان دخل لينام بعد أن مل سماع الكلام عن العمل في مثل هذا الوقت".
كما لاحظنا؛ كان بإمكان حسان الانفصال تماماً عن أعباء العمل ولم يسمح لها بإفساد اللحظات الثمينة التي يريد قضاءها مع زوجته، في حين أن الحال لم تكن كذلك بالنسبة إلى سمر التي منحت العمل أولويةً حتى في هذا الوقت الذي من المفترض أنه مخصص لنفسها وزوجها، وسؤالنا لك الآن: أي من الحالتين تظن أنها تنطبق عليك؟ من خلال إجابة هذا السؤال ستتعرف إلى الطريقة التي تفكر بها، فعلى ما يبدو أن حسان ليس لديه أي مخاوف مهنية ومن ثم فقد تمكن من عزل نفسه تماماً عن أعباء العمل والاستمتاع باللحظة الحالية بهدوء، وبخلاف ذلك؛ كانت سمر قلقة بشأن مشكلات العمل ولم تتمكن من التوقف عن التفكير فيها.
كيف تمنعنا التكنولوجيا الحديثة من الانفصال عن العمل؟
يعني الانفصال عن العمل التوقف عن التفكير المستمر في المخاوف المرتبطة به، والاسترخاء وعدم محاولة القيام بعدة مهام في الوقت نفسه، الأمر الذي قد لا يكون هيناً على الكثيرين، وما يزيده صعوبة هي أدوات التكنولوجيا الحديثة التي تسيطر على عالمنا اليوم، فعندما تقاطعك هذه الأدوات باستمرار أو تبقيك على اتصال دائم بمكان آخر فإنها تجبرك على الانفصال ذهنياً عن اللحظة الحالية. تقول مختصة الطب والتحليل النفسي بياتريس ميليتر (Béatrice Millêtre): "تؤدي شبكة الإنترنت والهواتف المحمولة بالمرء إلى حالة من التشتت فيجد نفسه في مكانين في الوقت ذاته كما أنها تخترق عزلته وتجبره على الوجود مع أناس آخرين حتى لو كان بمفرده". وتوضح المختصة إن هذه الأدوات التي من المفترض أن تجعل حياتنا اليومية أسهل تؤثر سلباً في صحتنا النفسية، لأن حالة التنبه المستمر التي تبقينا فيها (خوفاً من تفويت فرصة أو اتصال من شخص ما) تعيد إحياء مخاوفنا القديمة: التعرض للاستبعاد والشعور بالفراغ والوحدة، وذلك بخلاف التأثير النفسي الإيجابي لعيش اللحظة الحالية بالكامل.
كيف يمنعنا القلق من الانفصال عن العمل؟
يقول مختص الطب والعلاج النفسي فريديريك فانجيه: "تتعارض فكرة تصفية الذهن وعيش اللحظة الحالية جسدياً وعاطفياً مع القيم التي رسختها ثقافتنا مثل تعزيز الأداء والإنتاجية والمنافسة والبقاء في حالة من الترقب المستمر؛ كما تصطدم بمشكلة الاندماج المعرفي التي تعني محاولة وضع أفكارنا الشخصية وتجاربنا الذاتية مكان الواقع. وكمثال على ذلك: إذا كنتُ أظن أنني سأتعرض للخيانة فسأهيئ نفسي نفسياً وجسدياً للتعامل مع الأمر؛ ولكن إذا كنتُ ذا طبيعة قلقة ومتشائمة فستبقى المشكلة قائمة بالنسبة إليّ حتى لو لم يكن لاعتقادي هذا أساس من الصحة، وبهذه الطريقة تصبح أفكاري أسوأ عدو لي". ويتابع: "عندما يفسر المرء الإشارات الخارجية على أنها أخطار كبيرة فإنه يرفض إدراك الواقع ويستسلم لأفكاره في محاولة لاحتواء الأخطار المتصورة"، ويؤكد إن ذلك يشير إلى ضرورة تغيير طريقة التفكير هذه التي تسبب قلقاً مستمراً يؤثر سلباً في الصحة النفسية والجسدية.
الانفصال عن العمل حالة إيجابية وضرورية فلا تقلق
يقول مختص الطب والعلاج النفسي كريستوف أندريه (Christophe André): "يمثل البقاء المادي حاجة للإنسان في حين أن أخذ قسط من الراحة هو نوع من الرفاهية، وطالما أننا لا نعيش ظروفاً محفوفة للغاية بالمخاطر فإن حالة الانفصال الواعي هذه ضرورية لتوازننا. وعلى عكس ما يُعتقد في كثير من الأحيان، فإن الأمر لا يعني إفراغ ذهنك من الأفكار والتوقف عن اكتساب المعارف وتنمية الإبداع وتطوير مختلف جوانب حياتك". وتؤكد مختصة علم النفس والمعالجة بالتنويم المغناطيسي ليز بارتولي (Lise Bartoli) قائلة: "ليس الانفصال المؤقت عن أعباء العمل تقصيراً أو إهمالاً بل على العكس تماماً، فهو فن ونوع من قوة الإرادة التي تسمح لك بعيش مشاعرك بالكامل والتآلف معها ما يعزز قدرتك على تغيير حياتك نحو الأفضل".
وأقول لك أخيراً: "في المرة القادمة التي تأخذ فيها إجازة من العمل احرص على الانفصال ذهنياً عن أعبائه في أي زمان ومكان، لتتمكن من العودة بعد ذلك مفعماً بالطاقة والحيوية والشهية اللازمة للإبداع والابتكار".