تعرّف إلى نوع جديد من الرياضة للروح والجسد

4 دقائق
الآيروبيك
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يقول مدرب اللياقة البدنية باسكال لييفر: "ما التفكير عبر الجسد سوى عودة إلى منابع الفلسفة الأولى"، وبالتحديد إلى العصر القديم حيث كان اليونانيون يعمدون إلى ممارسة الأنشطة البدنية والفكرية في فضاء أطلقوا عليه اسم الـ "جيمنازيوم". ماذا تعرف عن "الآيروبيك الفلسفي"؟ تعرف في هذا المقال إلى تجارب مختلفة حول تمارين الآيروبيك التي يتم فيها ممارسة الأنشطة البدنية والفكرية ما يسمح ببناء جسر يصل الفكر بالجسد ويسمح للطاقة بينهما أن تتدفق.

في مقاربة جديدة من نوعها ترمي إلى بناء جسر يصل الفكر بالجسد ويسمح للطاقة بينهما أن تتدفق، استُعمِلت مقولات سبينوزا في حصص تمارين الآيروبيك، ومقاطع لأفلاطون في حصة اليوغا، وأقوال لسقراط في رياضة التشي كونغ، وفي هذا المقال سنتحدث أكثر عن هذه التجارب .

"ليس بوسع أحد التكهن بحدود قدرة الجسد". يهتف باسكال لييفر (Pascal Lièvre) بكلمات سبينوزا هذه بينما يمد يديه عالياً، وتجدر الإشارة إلى أن باسكال ليس مدرب لياقة بدنية بل هو فنان يؤطر حصص الآيروبيك الفلسفي منذ 2007 والتي يقدمها بشكل عروض أدائية؛ حيث يحاكي الحضور حركاته على وقع كلمات نيتشه وكانط وهايدغر. لا تتطلب الحركات التي يعيدها أربع مرات جهداً بدنياً خارقاً، فهي بسيطة جسدياً لكن أثرها الذهني والنفسي عميق للغاية. تحكي المدربة السابقة للتمارين الهوائية والتي انتقلت إلى تدريس اليوغا ونظام البيلاتس (Pilates)، ديلفين آرا (Delphine Arras) عن مشاركتها في تصميم رقصات عروض باسكال قائلةً: "هذه رقصات لا تبحث عن ترجمةٍ حركية حرفية للمقولة؛ بل تحث على الانسياق خلف الموسيقى النابعة من كل كلمة والاندماج مع إيقاعها وترددها؛ إذ ينطلق الآيروبيك الفلسفي من فكرة سهولة استيعاب الأفكار لو قُدّمت مقترنة بالحركات، وهو ما أكدته دراسة أجرتها جامعة جنوب غرب تكساس ونُشرت في مجلة داء آلزهايمر (Journal of Alzheimer’s Disease) تقول: للتمارين الهوائية (الآيروبيك) دور في تقوية الذاكرة؛ إذ تُسهم في تدفق أفضل للدم لمنطقتين في الدماغ تلعبان دوراً معرفياً مهماً وهما الحُصين (Hippocampe) والقشرة الحزامية الأمامية (CCA). وكذلك يسمح ربط الحركة بالكلام بشحذ التركيز وتعزيز قدرات الدماغ بروابط عصبية جديدة. .

تطوير الجسد والفِكر

يقول باسكال لييفر: "ما التفكير عبر الجسد سوى عودة إلى منابع الفلسفة الأولى"، وبالتحديد إلى العصر القديم حيث كان اليونانيون يعمدون إلى ممارسة الأنشطة البدنية والفكرية في فضاء أطلقوا عليه اسم الـ "جيمنازيوم"، ففي حقبة سقراط كان تلقين المعارف يتمّ بينما يتمشّى الفلاسفة وطلبتهم، أما قبل ذلك العصر فانتشرت ممارسة تأملية يمارسها من أُطلق عليهم الـ "جمنوسوفيست"، وهي المدرسة التي تعتنقها مدرّسة الفنياسا يوغا والفلسفة، آن بويون (Anne Bouillon). أما أصل كلمة "جمنوسوفيست" فيعود إلى اليونانية وهي تعني "الحكيم العاري" وقد ظهرت للمرة الأولى في اليونان مع فلاسفة عصر ما قبل سقراط في السنوات الممتدة بين القرن الرابع والسادس قبل الميلاد. وفي هذا السياق تقول آن: "يمارس الجمنوسوفيست شكلاً من أشكال اليوغا التأملية الشبيهة بتلك الشائعة في الهند"، غير أنها أخذت من هذه الممارسة جانبها التأملي العميق فحسب، وركنت جانباً ما لا يناسبها. وفي أثناء الدقائق الـ 15 الأولى من الجلسات التي تقدم، يتأمل تلاميذها كلمات ديكارت أو جانغ أو أفلاطون التي تلقيها على مسامعهم، ينصتون بحواسهم كلها إلى تلك الكلمات ووقعها، شريطة ألا يبذلوا جهداً ذهنياً كبيراً لفهمها بل يكتفون بالبحث عن التناغم مع الأصوات قبل المعاني، ويفسحون مكاناً في أرواحهم لتترسب فيه تلك الكلمات والأفكار. تنوه آن بأن: "للفلسفة واليوغا غاية واحدة مشتركة، فهما معاً تهدفان إلى بلوغ أفضل معرفة للذات".

التناغم بين الحركات والأنفاس

تسهم ممارسة وضعية الأسانا (Asanas) في اليوغا والاسترخاء والتأمل، في تصفية الذهن وتهيئته لمرحلة إيجاد أجوبة عن الأسئلة المطروحة، وحسب آن: "يخلق إيقاع الكلمات نوعاً من الانعطافات العصبية؛ إذ بشكل ما حين يتشبع الجسد باللغة والكلمات، تصير كل حركةٍ يُقدِم عليها بمثابة لغة يتحدثها". كما من شأن التشبع بثقافتنا والتمسك بها والتماهي معها أن يعزز قدراتنا النفسية والبدنية. لاو- تسي وغوته وموزارت، تغنّي ميلاني جاكسون (Mélanie Jackson) مقولات كل هؤلاء في نَفَس واحد؛ إذ تقدم هذه المغنية ومدرّسة التشي كونغ ورشات تمزج بين البيل كانطو (وترجمتها حرفياً الغناء الشَجِيّ) والحركات الطاقية التي أوصى بها الطب الصيني التقليدي، فهي تعتقد أن "ما يجعل من الصوت جميلاً هي طريقة تردُّده داخل الفضاء، سواء كان هذا الفضاء داخلياً أو خارجياً". هذا فيما يتعلق بالبيل كانطو، أما الشق المتعلق بالتشي كونغ فإنها تجده يشجع على التشبث بالجذور ويسهّل على المرء إيجاد مركزه في العالم ويجعل جسده أكثر انفتاحاً لاستقبال الطاقات وإرسالها، وهو ما يشرح "الإيماءة الصوتية" النابعة من أعماق المغنّي. وفي هذا الصدد تستفيض في الشرح قائلةً: "يتحول الجسد إلى أداة موسيقية؛ حيث تقود الأنفاس حركته في البداية ثم يتبادلان الأدوار قبل أن يتحدا معاً، على أن يتولى الوعي دفة قيادتهما معاً في نهاية المطاف، أما الفضاءان الخارجي والداخلي للجسم فيصيران فضاء واحداً ممتداً". تعرّف ميلاني جاكسون الغناء الأوبرالي المثالي بأنه: "ما يوجه للمستمع والمؤدي معاً دعوة مفتوحة للسفر فوق بساط الصوت غير المصطنع، في طريق ممهدة لا تؤثثها غير المشاعر الجياشة". وحين يتحد هذا النوع من الغناء مع التشي كونغ فإنه يجعل الذهن أكثر انفتاحاً والروح أكثر بهجة.

تغيير السلوك

ونحن ننتقل الآن إلى مركز العلاج بمياه البحر ولفّ الجسد بالطحالب، سنكتشف نوعاً آخر من الأصوات التي تدخل بدورها في حوار مع الصوت الخافت الكامن في أعماق الإنسان حيثُ تجلس المعالجة بالتنويم الإيحائي كلوي بافايون (Cloé Pavaillon) بمحاذاة الزبون الملفوف في الطحالب وتُدخله في حالة تنويم إيحائي في غضون 5 دقائق. تصف ما يحصل في أثناء الجلسات قائلة: "لا تستغرق الجلسة أكثر من 20 دقيقة، ولتسريع إدخاله في الحالة المطلوبة؛ ألقي على مسامع الزبون جملاً بلا معنى تُشبِع الوعي الذي لا يجد الوقت الكافي لمعالجتها فيتراجع للخلف مُفسحاً المجال للاوعي كي يأخذ بزمام الأمور". ثم حين تتأكد من حدوث ذلك تبدأ بإملاء الإرشادات، فمثلاً في علاج التخسيس توجه دعوة للمريض بأن يهبط إلى عمق جسده عبر سلالم مضيئة لإصلاح العادات الغذائية غير الصحية، متخيلاً وجود غرفة في الجسد على شكل غرفة قيادة حيث الآلات المسؤولة عن وظائفه، وهناك يشرع في البحث عن الآلة المعطوبة التي أدت إلى المشكلة التي يعيشها ويعمد إلى إصلاحها. غير أنها تؤكد: "لا يدخل المعالج في اللاوعي كما أن التنويم الإيحائي لا يحرق الدهون!"؛ كل ما يحصل أن الكلمات التي يلقيها تزيل العراقيل التي وضعتها التربية أو مفاهيم المجتمع الخاطئة، وتيسر عمل آليات اللاوعي بما يسهل تغيير السلوكيات القائمة. وتوضح: "ولأن الالتفاف بالطحالب يعود بالمرء إلى مرحلة القماط وهو رضيع، فإن أي اقتراح يقدَّم في أثناء التنويم يجد القبول الفوري".

في البيت

قم بمحاكاة للآيروبيك الفلسفي، اختر مقولة حول الجسد وصمم حركة لكل كلمة فيها. أطلق العنان لإبداعك وابتعد عن الكليشيهات؛ كأن تضع لكلمة "شمس" حركة دائرية بيدك! ولا تنس أن الآيروبيك رياضة جماعية في النهاية، ولذلك لا تتردد في القيام بهذه التمارين مع أسرتك أو ضمن مجموعة من الأصدقاء.

المحتوى محمي