الزازِن (Zazen) أو "التأمل الجالس" هو نوع من التأمل يُمارَس في بيئة يكتنفها الصمت والهدوء وفق وضعية جلوس معينة، ويحمل الإنسان في رحلة من الصفاء والسلام الداخلي، ومن خلال السطور التالية تطلعنا الراهبة كانكيو تانيير (Kankyo Tannier) أكثر على فضائل هذه الممارسة.
وضعية الجلوس في ممارسة الزازِن
ابتكر ممارسة الزازِن معلم الزن الياباني دوغين (Dogen) في القرن الثالث عشر من الميلاد، وهي تتمحور حول الجلوس بوضعية معينة في بيئة صامتة؛ لكن النص المرجعي الذي كان دوغين قد وضعه فيما يخص الحالة الذهنية التي يجب أن يكون عليها ممارس الزازِن قد لا يبدو واضحاً تماماً إذ جاء فيه: "يجب أن تمتنع عن التفكير؛ لا تفكر في خير ولا في شر". ويرى راهب الزن إيريك روميلوير (Éric Rommeluère) أن معنى هذا الكلام هو ضرورة امتناع الممارس عن إطلاق أحكام على المشاعر التي تعتريه خلال الممارسة. ومن جهة أخرى يجب أن تُراعى وضعية الجلوس الخاصة بالزازِن بدقة وتوضح كانكيو تانيير قائلةً:
"النقطة الأولى تتعلق بالردفين إذ تجب إراحتهما على وسادة في حين تستقر الركبتان على الأرض، وتعد ملامسة الأرض بهذه الطريقة تقنية تأريض تهدف إلى الخروج من حالة التفكير المفرط التي ننغمس فيها معظم وقتنا وتركيز الوعي على الجزء السفلي من الجسم.
النقطة الثانية هي إمالة الحوض نحو الأمام مع تقعر خفيف في الظهر ما يسمح للعمود الفقري بالتمدد وتوجيه قمة الرأس نحو الأعلى.
النقطة الثالثة هي حركة "المودرا الكونية" (cosmic mudra) وتتمحور حول وضع اليد اليسرى على اليد اليمنى مع توجيه الراحتين نحو الأعلى وجمع الإبهامين معاً ثم وضع الرسغين على الفخذين وحافّتيّ اليدين على البطن، وتعبّر هذه الوضعية عن فكرة جمع جانبيّ الجسد وتآلفهما في كلٍّ واحد.
النقطة الرابعة: إرخاء الوجه بشكل كامل بما في ذلك الحاجبين والفك إذ تعد هذه المنطقة مركز التوتر معظم الأحيان.
النقطة الخامسة: النظر على بُعد مترين دون التركيز على نقطة معينة مع إبقاء العينين نصف مغلقتين ومائلتين 45 درجة نحو الأسفل للحفاظ على الحضور الواعي وعدم السماح للأفكار بالهروب لأن أحد أهداف الزازِن هو فهم أنّ الشرود الذهني غير مستحسن، وأخيراً يجب التنفس بهدوء ومن الأنف مع إبقاء الفم مغلقا"ً.
ممارسة الزازِن
تسمَّى ممارسة الزازِن "التأمل الجالس" وهذا هو جوهرها وأول ما يتعلمه الممارس، ولأن الأمر قد لا يكون سهلاً فإنه يمكن ممارستها في البداية بصرف النظر عن وضعية الجلوس. اجعل من هذه الممارسة موعداً ثابتاً تتلاقى فيه مع ذاتك ويفضل أن يكون ذلك يومياً، وتُعد ممارسة الزازِن صباحاً هي الأفضل لأنها ستنعكس على كل نشاطاتك اللاحقة خلال اليوم. لما كانت هذه الممارسة تدريباً على تآلف المرء مع كيانه فإنه عليك أن تتجنب خلالها أي نشاط يخرجك من هذه الحالة، فيجب مثلاً أن تمتنع عن استخدام هاتفك وحاسوبك إن أمكن، ومن جهة أخرى يمكن لممارسة الزازِن مساءً أن تمنحك شعوراً بالسكينة ما يساعدك على الاستغراق في النوم بطريقة أسرع. إذا كنت مبتدئاً فمن الأفضل أن تبدأ بممارسة الزازِن في مكان هادئ وأن تواجه جداراً على بُعد مترين منك ولا تفعل شيئاً خلال ذلك؛ ابقَ ساكناً في مكانك وحافظ على وعيك قدر الإمكان، وجدير بالذكر أن الإنسان في حالة السكون هذه قد يميل لا شعورياً إلى الشرود الذهني ومن المهم أن يستعيد يقظته كلما شعر بذلك. يمكن لكل شخص اتخاذ الوضعية الملائمة له فإذا كان يصعب عليك الجلوس على ركبتيك يمكنك الجلوس بشكل مستقيم على كرسي ووضع قدميك على الأرض وهي نقطة مهمة لتمديد العمود الفقري وتوجيه قمة الرأس نحو الأعلى. أخيراً نشير إلى أن الموانع الوحيدة لممارسة الزازِن هي الاضطرابات النفسية الشديدة فهي غير مستحسنة للمصابين بالذهان والفصام.
فوائد ممارسة الزازِن
أهم ما توفره هذه الممارسة هو الشعور الكبير بالطمأنينة، فمهما كانت الأحداث التي نواجهها كالصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والمخاوف من المستقبل، تعلمنا ممارسة الزازِن كيف نتحلى بالثبات اللازم لفهم المشاعر التي تعترينا فهماً صحيحاً ومن ثم إدارتها على نحو سليم.
خلال ممارسة الزازِن يتراجع النشاط الذهني ويدخل المرء في حالة من الهدوء، فلا تعود أفكاره هي المسيطرة عليه فيتعلم بذلك ألا يتبعها اتباعاً أعمى؛ ما يمكّنه من إنشاء علاقة جديدة مع العالم من حوله ومن ثم طريقة جديدة لعيش حياته. وعندما يجلس في هذه الوضعية يدرك جسدياً وبشدة ما يشعر به في داخله من جوع أو غضب أو خوف أو رغبة، والفكرة هنا هي عدم رفض هذه المشاعر أو الحكم عليها بأنها مشاعر سلبية بل على العكس، فمن خلال قبولها وإدراكها جسدياً سيتمكن من تنحيتها على الفور لأنها لن تجتاحه وتسيطر عليه وتسبب له المعاناة وتصيبه بالعجز بل ستصبح مجرد مشاعر عابرة بالنسبة إليه ومن ثم سيتمكن من فهم أنها إضافةً إلى أفكاره لا تعبر عن جوهره وأنه كيان متغير باستمرار وفقاً لبيئته، ولذلك على الرغم من أن لممارسة الزازِن وضعية واحدة فإنها لا بد أن تختلف كل يوم لأنها مرآة تعكس كيان الإنسان الداخلي.