استبدل بثقافة التمسك ثقافة التخلي لتعيش حياة أكثر هدوءاً

2 دقائق
ثقافة التخلي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

خلال سعيه إلى تحقيق النجاح في مختلف جوانب حياته، قد يتمسك الإنسان بالكثير من المعايير والأفكار التي تثقله بالكرب والغم، لكن ماذا لو اتخذ بدلاً من ذلك ثقافة التخلي نهجاً حياتياً؟ وكيف يمكن لهذا النهج أن يمنحه راحةً نفسية ويتيح له اكتشاف رغباته الحقيقية؟

يتطلب أي تقدم في الحياة تقديم بعض التنازلات، فالمغامرة مثلاً تتطلب الخروج من منطقة الراحة، كما أن ازدهار الحب يتطلب بعض الأنانية، وحتى تربية الأطفال تتطلب نوعاً من التهاون أحياناً، قد تستغرب هذا الكلام لكن مختصة التحليل النفسي جوديث فيورست (Judith Viorst) تؤكد أن هذا التخلي يريح الإنسان من الضغط، ويوجه طاقته نحو الالتزامات التي تساعده على تحقيق ذاته بالفعل.

يمثل هذا الانفصال ضرورة لاستمرار تقدم الإنسان وتطوره ويوضح لنا مدرب الأعمال بيير بلان سانون (Pierre Blanc-Sahnoun) أهمية ذلك في المجال المهني تحديداً، فيقول: "يسعى الكثيرون إلى تحقيق أحلامهم في الحياة المهنية كما هو الحال في جوانب الحياة الأخرى، فيتمنى الفرد أن يمارس المهنة التي يحبها ويحصل على أجر مجزٍ ويحظى بزملاء عمل ودودين وأن يكون مكان العمل قريباً من المنزل إضافةً إلى تمكنه من تخصيص وقت كافٍ لعائلته، إنها الرغبة في التمتع بالسيطرة المطلقة، لكن ما يجب معرفته أن الاستمتاع بالحياة والعمل يتطلب أولاً التخلي عن هذه الفكرة التي ليست سوى وهم يصيب صاحبه بالتعب". تتمحور فكرة التخلي حول 4 نقاط رئيسة وهي كما يلي:

التخلي عن فكرة السيطرة المطلقة

لا يمكن لإنسان السيطرة على كل المعايير التي تحكم الحياة، ففي المجال المهني مثلاً يجب أن تتقبل محدودية معرفتك وتقلبات الزمن وأساليب العمل، وأن هنالك من يقدر على مساعدتك وغير ذلك، لذا فإن التخلي عن فكرة السيطرة المطلقة يعني مثلاً رفض تلك المهمة الإضافية التي لا يمكنك إنجازها على أكمل وجه أو طلب المساعدة ممن أهم أكثر دراية منك عندما تجد نفسك وسط مهمة صعبة.

التخلي عن الأفكار الجاهزة

المال والسلطة والشهرة هي معايير للنجاح تناقلها الناس جيلاً بعد آخر، لكن التمسك بها على الرغم من عدم انسجامها مع رغباتك وظروفك الشخصية ومن ثم تناقضها مع واقعك سيسبب إرهاقاً نفسياً. لذلك فإن التصرف السليم هو أن تتخلى عن هذه الأفكار الجاهزة الخاطئة وتبحث بنفسك عما يتواءم معك ويمثل لك إنجازاً شخصياً بالفعل.

التخلي عن فكرة "القرار الصائب الوحيد"

لا يمكن القول إن هنالك قراراً صحيحاً واحداً فقط فيما يخص أي مسألة من مسائل الحياة وإن كل القرارات الأخرى خاطئة، لكن القرار الوحيد الخاطئ في أي مسألة تواجهنا بكل تأكيد هو الامتناع عن اتخاذ أي خطوة للتعامل معها. لا تثبت سلامة أي قرار من عدمه إلا بعد رؤية نتائجه، وهذا جوهر التخلي عن فكرة "القرار الصائب الوحيد"، وليس المقصود هنا اتخاذ خطوات غير واعية أو متهورة، بل تقبل أن مشاعر الشك والخوف وعدم الأمان هي نصيبنا كبشر، وأنه لا مفر لدينا من مراجعة قراراتنا مهما كنا متيقنين منها قبل اتخاذها وبعده.

التخلي عن المعارف المتوارثة

يتمسك الإنسان بمعارفه التي نقلتها إليه الأجيال السابقة ويرفض التخلي عنها لأنها تصبح جزءاً من هويته، وعلى الرغم من ذلك، قد يأتي وقت لا تعود فيه هذه المعارف ملائمةً لظروفه، فبدلاً من أن تكون عوناً له تصبح عبئاً عليه ومصدر متاعب له. ولا يعني التخلي عنها في هذه الحالة فقدانه هويته بل قدرته على التكيف والتأقلم، وبمعنى آخر البقاء على قيد الحياة.

المحتوى محمي