للأدب السوداوي جماهير غفيرة. وربما لا يدرك البعض ممن يستمتعون بقراءة مؤلفات فرانز كافكا (Franz Kafka) العالمية أو روايات فرجينيا وولف (Virginia Woolf) ويناقشون تفاصيلها خلال مسامراتهم مع الأصدقاء، أنه قد يكون وراء استمتاعهم ذاك قصص معاناة حقيقية مع اضطراب اكتئابي شديد. قد يكون هؤلاء الأدباء صنعوا من حزنهم وكآبتهم فنّاً عظيماً بالفعل؛ لكن ذلك لا يعني أنهم هم أنفسهم نجوا مما ألمّ بهم، وقد يكون انتحار فرجينيا وولف دليلاً على ذلك! يصيب الاكتئاب السوداوي الذكور أكثر من الإناث، وتظهر أعراضه لديهم عادةً في سنٍ أكبر. حيث يجد الأفراد المصابون صعوبة في التفاعل مع المحفزات الممتعة، فهم لا يشعرون بتحسنٍ كبير، ولو مؤقتاً حتّى في أثناء الأحداث الجيدة. وقد جسّدت إحدى الشخصيات الرئيسية في الفيلم الدرامي "سوداوية" (Melancholia) الاكتئاب في أقتم سماته السوداوية، في مشاهد العروس التي تلغي زفافها وتغرق في نوبات حزن وكآبة لا مثيل لها.
يُعتبر الفيلم واحداً من بين أنجح الأعمال السينمائية التي صوّرت كيف يمكن أن تبدو أعراض الاكتئاب السوداوي في حياة الأفراد. وهو ما سنتعرف عليه بشكلٍ أدقّ في هذا المقال، إضافة إلى اقتراحات الخبراء للعلاج والتكيّف مع هذا الاضطراب.
أعراض الاكتئاب السوداوي
يُعرف الاكتئاب السوداوي (Melancholic Depression) كواحدٍ من أشد أنواع الاضطرابات الاكتئابية. وتصنّفه الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA) ضمن اضطراب الاكتئاب السريري (MDD)؛ لكن بعض الباحثين لا يوافق على هذا التضمين، ويعتقد إنه ينبغي اعتباره اضطراباً نفسياً مختلفاً عن الاكتئاب.
ويرجع تاريخ مصطلح "السوداوية"(Melancholia) إلى اليونان القديمة، وقد استُخدم لوصف الشعور بالحزن الشديد واليأس. وإلى جانب فقدان المتعة والاهتمام بالأنشطة جميعها تقريباً التي تعوّد الشخص الاستمتاع بها في السابق. كما تميّزه الأعراض التالية وفقاً للخبراء من سايك سنترال (PsychCentral):
- الحالة المزاجية التي تتّسم باليأس الشديد والكآبة أو الشعور بالفراغ.
- الشعور المفرط بالذنب.
- فقدان القدرة على الاستمتاع وغيابها شبه الكامل.
- التهيُّج أو القيام بحركات بطيئة بشكل واضح.
- الفقدان الكبير للوزن.
- تزداد أعراض الاكتئاب سوءاً في الصباح.
- الاستيقاظ المبكّر غير الاعتيادي.
أسباب الإصابة بالاكتئاب السوداوي
يرتبط الاكتئاب السوداوي، زيادةً عن غيره من الاضطرابات الاكتئابية الأخرى، بعامل الاستعداد الوراثي أكثر من أحداث الحياة السلبية أو الضغوط، فهو ينتشر أكثر بين ممن لديهم أفراد من العائلة يعانون من اضطرابات مزاجية خطِرة. كما يمكن أن تسهم عوامل أخرى مختلفة في الإصابة به؛ ونلخصها كالتالي:
- عوامل بيولوجية: وجود أفراد عائلة آخرين مصابين بأشكال حادة من الاكتئاب.
- مستويات الهرمونات: ارتبطت مستويات هرمون الكورتيزول المرتفعة بالاكتئاب السوداوي.
- أجزاء ووظيفة الدماغ: تكون لدى الأشخاص المصابين روابط أقل فعالية بين أجزاء معينة من الدماغ تتعلق بالانتباه والتركيز.
- الأحداث الصادمة: قد تؤدي الصدمة إلى حدوث نوبة من الاكتئاب السوداوي لدى الأشخاص ذوي القابلية البيولوجية.
- التغيرات الموسمية: يمكن للعوامل البيئية مثل انخفاض درجات الحرارة ونقص ضوء الشمس أن تسهم في حدوث نوبات الاكتئاب.
كيف يتم تشخيص الاكتئاب السوداوي؟
يُعتبر الاكتئاب السوداوي نوعاً فرعياً من الاضطراب الاكتئابي السريري كما تمّت الإشارة سابقاً، ويتميز بفقدان شديد لشعور الاستمتاع وأعراض جسدية بارزة. ويتم التشخيص من قبل الطبيب النفسي الذي سيقوم بالفحوصات لاستبعاد أي حالات طبية أخرى قد تكون السبب الأساسي للأعراض، لذلك سيسأل المختصُ المريضَ عن أعراضه بالتفاصيل.
ويؤكّد الخبراء من سايك سنترال إنه ينبغي أن تتوفّر في الشخص ثلاثة أو أكثر من الأعراض التي تمّت الإشارة إليها من قبل لتشخيص الإصابة بالاكتئاب السوداوي.
الطرائق العلاجية المستخدَمة في حالة الاضطراب الاكتئابي السوداوي
لعلاج الاكتئاب السوداوي؛ يصف الأطباء الطرائق العلاجية نفسها المستخدَمة في علاج الاكتئاب والعلاج النفسي، والاستشارات النفسية بصفة عامة بحسب المعلومات الصادرة عن ميديسين نت (Medicine Net). أما الأدوية فتشمل الآتي:
- مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs).
- مثبطات استرداد السيروتونين والنورإبينفرين (SNRIs).
- مثبطات استرداد الدوبامين والنورإبينفرين (NDRIs).
- مضادات الاكتئاب غير النمطية.
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCAs).
- مثبطات أوكسيديز أحادي الأمين (MAOIs).
7 خطوات بسيطة للتكيّف مع المرض
وبالرغم من فعالية تلك الأدوية؛ يقترح الخبراء من ميديسين نت أيضاً 7 خطوات من شأنها مساعدة المصاب على التكيّف مع حالته النفسية وهي كالتالي:
- تقنيات الاسترخاء؛ ويُعتبر التنفس العميق والتأمل واليوغا تقنيات استرخاء فعّالة.
- ممارسة الرياضة بانتظام واتباع نظام غذائي صحي؛ إذ تسهم هذه الخطوة في التخفيف من حدّة أعراض الاكتئاب السوداوي.
- العلاج النفسي المتمثّل في الاستشارات النفسية أو التنويم المغناطيسي أو جلسات الارتجاع البيولوجي (Biofeedback)؛ حيث يتمكّن المصاب من تعلّم كيفية التحكّم في بعض الاستجابات الفيزيولوجية كالتنفس ومعدّل ضربات القلب.
- الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم؛ أي ما يعادل سبع إلى تسع ساعات كل ليلة، فالحرمان من النوم يمكن أن يفاقم أعراض الاكتئاب.
- العلاج بالتدليك، ذلك أن استخدام الزيوت في التدليك يهدئ الأعصاب ويساعد على الاسترخاء.
- الانضمام إلى مجموعات الدعم أو البحث عن شبكة أشخاص وأصدقاء داعمين.
- يمكن للمشي لمسافات طويلة في الطبيعة وأخذ حمامات دافئة أن يساعد على تقليل التوتر وتعزيز شعور التحسّن.
يعاني الفرد المصاب بالاكتئاب السوداوي من نوعٍ فريدٍ من الحزن يصعب التخلص منه أو تجاوزه. ولا تتعلّق هذه الحالة بشعوره بالإحباط؛ إنما يمكن أن يصفها المريض بالحزن العميق والثقيل وكأنه في حفرة عميقة ومظلمة بلا مخرج إذ يتمكّن الشعور بالعجز التام واليأس منه تماماً.
لذا تكون هذه الفئة من الأشخاص في أمسّ الحاجة إلى التدخل الطبي للاستفادة من العلاج النفسي والدوائي؛ كما أنهم يحتاجون إلى اتباع طرائق بسيطة كالرياضة والاسترخاء لإدارة أعراضهم والتأقلم مع الاضطراب.