غالباً ما يلقى الذكاء العقلي الاهتمام الأكبر على حساب الذكاء العاطفي، فالمدارس تمرن التلاميذ على جعلهم أكثر ذكاءً من الناحية العقلية من خلال تنويع التدريبات والاختبارات التي تطور قدراتهم الذهنية، بينما يحظى الذكاء العاطفي بمساحة أقل من التطبيق العملي.
تعرّف الطبيبة "كارين جيب" (Karin Gepp) الذكاء العاطفي بأنه قدرة الشخص على إدراك وفهم مشاعره وعواطف الآخرين وإدارتها لتحقيق أهداف محددة، وبحسب الطبيبة شيرين ليمان (Shereen Lehman) فإن بعض الباحثين يرون إمكانية تعلم مهارات الذكاء العاطفي وتنميتها، بينما يرجح بعضهم الآخر أنه ميزة فطرية تولد مع الإنسان ولا يستطيع التحكم فيها.
الأذكى عاطفياً أنجح من الأذكى عقلياً
حتى نستوعب أهمية الذكاء العاطفي أكثر؛ سنذهب إلى نتائج استطلاع أجرته شركة "إيجون زيندر" (Egon Zehnder) العالمية للاستشارات الإدارية، توصلت من خلاله إلى أن المسؤولين التنفيذيين الذين لديهم ذكاء عاطفي أقوى، كانوا أقدر على النجاح من أقرانهم الذين حققوا درجات عالية في الذكاء العقلي، أو تميزوا بسيرة ذاتية مليئة بالخبرات المرموقة.
لذا نستعرض أهم العلامات التي تشير إلى انخفاض الذكاء العاطفي حتى تكون أكثر قدرةً على تحقيق النجاح في حياتك الشخصية والمهنية.
رأيي صواب لا يحتمل الخطأ!
وفقاً للاختصاصية النفسية بيربيتوا نيو (Perpetua Neo)؛ تمكن ملاحظة الأشخاص غير الأذكياء عاطفياً في أي نقاش، عندما يصرّون على انتصار وجهة نظرهم بغض النظر عن الضرر الواقع على الآخرين، بالإضافة إلى حرصهم على قيادة الحديث والتحدث لوقت أطول من المشاركين الآخرين.
وتضيف الاختصاصية النفسية كندرا شيري (Kendra Cherry) بأنهم يرون أن وجهة نظرهم هي الأصوب لذا لا يتيحون مساحة لانتقاد أفكارهم، فلا مجال عندهم لتقبُّل اختلاف وجهات النظر أو إتاحة الفرصة لمن يتناقشون معهم لكي يثبتوا خطأ ما يطرحونه. وحتى لو قدموا الدلائل الكافية على ذلك، فسيردون عليهم بأن هذه الدلائل غير صحيحة.
صعوبة قراءة البشر
يشير الاختصاصي النفسي الطبيب سيث جيليهان (Seth Gillihan) إلى علامة مهمة لانخفاض الذكاء العاطفي، تتمثل في عدم القدرة على قراءة البشر؛ إذ يساعد الذكاء العاطفي على معرفة مشاعر الآخرين.
على سبيل المثال؛ سيدرك الزوج متى تكون زوجته منزعجة منه، أو يلحظ المدير بأن هناك موظفاً مستاءً من أمر ما في العمل، وبناءً على ذلك يتخذ الشخص ردود أفعال تتناسب مع تلك القراءة.
لكن في حال انخفاض الذكاء العاطفي لن يرى الشخص تلك المشاعر؛ وبالتالي ستكون استجابته في التعامل معها محبطة، فذلك الزوج لن يتصالح مع زوجته، وذاك المدير لن يحاول تحسين وضع موظفه حتى يعمل بصورة أفضل.
بل ربما يتعقد الموقف بأن يلوم الشخص الآخرين على عدم تفاعلهم بالصورة الطبيعية، دون محاولة فهم الأسباب التي جعلتهم يأخذون مواقفهم، ويحاول أن يبين لهم عدم وجود ما يستحق ردود أفعالهم، فالأمور تسير على ما يرام من وجهة نظره.
فجوةٌ بين ما يُقال وما يُفهم
أحد المواقف المتكررة التي يتعرض لها الأشخاص الذين ينخفض عندهم الذكاء العاطفي، هو أنهم يفهمون بشكل خاطئ ولا يستطيعون التعبير بصورة مناسبة عن مقصدهم. توضح لنا الكاتبة المتخصصة في مجال الإدارة، ميوريل ويلكينز (Muriel Wilkins) ذلك بعدة أمثلة:
المثال 1
- ما يُقال: ما يهمني في نهاية اليوم هو القَدْر الذي أنجزناه من العمل.
- ما يُفهم: كل ما يهمني هو النتائج المادية التي نحققها، حتى لو كان ذلك على حساب راحة الآخرين أو تعرضهم للإهانة.
المثال 2
- ما يُقال: بما أن شخصاً واحداً على الأقل فهم ما قلته فيمكن للجميع أن يفهموه.
- ما يُفهم: أنت لست ذكياً بشكل كافٍ لفهم ما أقول.
المثال 3
- ما يُقال: لا أستطيع فهم أهمية ذلك الأمر.
- ما يُفهم: أنا لا أهتم بما تشعر به.
لذا تؤكد ويلكينز أهمية التفكير في وقع الكلمات على الآخرين، ومن ثم انتقاء الكلمات الأكثر لطفاً ووضوحاً مع المقصَد منها.
علاقات متوترة
يرى الاختصاصي النفسي سيث جيليهان أن النتيجة الأكثر احتمالاً لانخفاض الذكاء العاطفي ستكون وجود العديد من المشكلات في العلاقات، فالزوج سيواجه خلافات لا تنتهي مع زوجته، والموظف سيعيش صراعات يومية مع زملائه، والأب لن يتمكن من التعامل مع أولاده بسلاسة.
وهنا يمكننا ملاحظة أن الأشخاص غير الأذكياء عاطفياً غالباً ما يحظون بعدد قليل من الأصدقاء، ويتحدثون عن أن الجميع تخلّى عنهم ولم يجدوا من يدعمهم بصدق، رغم أن السبب في الحقيقة ناتج عن تعاملهم مع هؤلاء الأصدقاء بأساليب غير ذكية عاطفياً.
اقرأ أيضاً: هل ترغب في علاقات اجتماعية وعملية ناجحة؟ عزز ذكاءك العاطفي
المشاعر لا قيمة لها
يقلل الأفراد غير الأذكياء عاطفياً من أهمية المشاعر بشكل عام، وذلك نابع من عدم قدرتهم على فهمها وإدارتها، ويحاولون إثبات أن الأهم هو الحجج القائمة على المنطق والعقل.
لكن بحسب أستاذ علم النفس رونالد ريغيو (Ronald Riggio) فإن العواطف ليست فقط وسيلة مهمة للتواصل وتطوير العلاقات؛ إنما هي عنصر لا يمكن إغفاله للتفكير بصورة فعالة، بالأخص عند التعامل مع الأزمات والمخاطر.
تتصل هذه المشكلة ببعد آخر هو أن الأشخاص غير الأذكياء عاطفياً يفشلون في اختيار التوقيت المناسب لما يقولون، فأحياناً يلقون نكتة في جنازة أو بعد وقوع حادث مأساوي، وهذا وفقاً للاختصاصية النفسية كندرا شيري يرجع لكونهم يواجهون صعوبة في فهم مشاعر الآخرين والاستجابة لها بصورة مناسبة.
الآخرون هم سبب المشكلات دائماً
لا يعترف الأشخاص الذين يعانون من انخفاض معدل الذكاء العاطفي بأن تصرفاتهم هي السبب وراء المشكلات التي يقعون فيها، فهم لا يتحملون مسؤولية أفعالهم بأي شكل من الأشكال.
توضح الطبيبة كندرا شيري ذلك بأنه عندما يحدث من جانبهم خطأ ما، يكون رد فعلهم البحث عن شخص لإلقاء اللوم عليه. على سبيل المثال إذا قرؤوا رسالة خاصة بك من على شاشة هاتفك فهذا خطؤك لأنك تركت شاشة الهاتف مفتوحة، وهكذا في كل موقف سيكون لديهم تبرير مختلف يبعد عنهم أصابع الاتهام.
ردود الأفعال خارج السيطرة
واحدة من علامات انخفاض الذكاء العاطفي هي عدم قدرة الشخص على التحكم في عواطفه وإدارتها بصورة مناسبة، وذلك يجعله أكثر عرضة للانفجار غضباً في الآخرين.
تضرب الطبيبة كارين جيب مثالاً على ذلك بأنه إذا ذهب شخص لمطعم وتأخر الطعام في الوصول إلى الطاولة وفي النهاية وصل طبق غير المطلوب، حينها إذا كان لديه ذكاء عاطفي سيتفهم أسباب ما حدث، وعلاقته بالضغط الذي يواجهه العاملون في المطعم، ويطلب منهم تغيير الطبق، بينما الشخص غير الذكي عاطفياً سيلوم النادل على ما حدث، ويخرج من المطعم غاضباً.
التظاهر بالسعادة الدائمة
يؤكد الاختصاصي النفسي نيك ويغنال (Nick Wignall) أن الأشخاص غير الأذكياء عاطفياً يرفضون التعبير عن مشاعرهم الحقيقية، لذا يقدّمون إجابات مزيفة عندما يُسألون عن سبب الانزعاج الواضح عليهم، فيجيبون: "لا شيء. الأمور تسير على ما يرام".
وذلك نابع من أنهم لا يتفهمون حالتهم المزاجية وأهمية عواطفهم جيداً، ويظنون أنهم لو أخبروا أنفسهم والآخرين بكونهم سعداء طوال الوقت، فهم بالفعل سيعيشون سعادة لا تنتهي، وهذا ليس صحياً لأنه من الضروري عيش التجارب بمشاعرها المختلفة؛ السلبية منها والإيجابية.
يُعد الذكاء العاطفي عنصراً مؤثراً في نجاحك في مختلف مناحي الحياة، ومما سبق يتضح أنه جانب قابل للتطوير بالجهد الدؤوب، وبكل تأكيد ستكون النتائج ملموسة وباعثة على الأمل.