ملخص: يحدث جرح الرفض عندما نتعرض للإقصاء من علاقة أو تفاعل اجتماعي ما؛ لكننا لحسن الحظ نستطيع أن نحدّ من الألم الناتج عنه ونواجه مواقفه الصعبة على نحوٍ أفضل. وإليك 4 نصائح للخروج من متاهة الجرح النفسي الذي يخلّفه التعرّض للرفض.
يندرج جرح الرفض ضمن "الجروح النفسية الـ 5"، وقد شاع هذا المفهوم بين الناس بفضل المحاضرة الكندية المتخصّصة في التنمية الذاتية ليز بوربو (Lise Bourbeau).
وتؤثر هذه الجروح فينا سواء جسدياً أو نفسياً؛ لكنّ بينها جرحاً أكثر إيلاماً وصعوبة من غيره وفقاً لاختصاصية الطب النفسي السريري ومؤلفة كتاب "الشفاء من جروح التعلّق بالآخر" (Guérir des blessures d’attachement)، غويناييل بيرسيو (Gwenaëlle Persiaux). يتعلق الأمر بجرح التعرّض للرفض؛ إذ يشعر الفرد بالإقصاء من مجموعة معينة، مطروداً طرداً صريحاً عبر سلوكات معينة مثل المضايقة أو الملاحظات الجارحة المتكررة، أو أن يتعرّض ببساطة للتجاهل خلال تفاعلاته الاجتماعية مع الآخرين.
ويُعدّ هذا الجرح عنيفاً جداً ولا يمكن تحمّله؛ كما تذكر ذلك المختصة النفسية تشيكي دايفيس (Tchiki Davis) في مقال منشور في المجلّة العلمية "سايكولوجي توداي" (Psychology Today) قائلة: "للكائن البشري حاجة ماسّة إلى الانتماء. ويمكن تفسير ذلك بالدور التاريخي الذي لعبه العيش ضمن مجموعات في بقاء الإنسان؛ حيث كانت حظوظ بقائه أعلى بكثير عندما ينتمي إلى مجموعة معينة".
فما أسباب جرح الرفض إذاً؟ وهل يمكن الشفاء منه؟
البداية من جرح الطفولة
تعود أسباب جرح الرفض إلى مرحلة الطفولة؛ حيث يواجه الطفل مبكراً شكلاً من أشكال هذا الرفض من طرف أحد والديه. وكلّما حدث ذلك في سن مبكرة زاد تأثيره في نفسية الطفل تأثيراً لا يُمحى أثره. وهكذا يطور الطفل غير المرغوب فيه بطريقة لا واعية هذا الجرح، فالإهمال أو سوء المعاملة من الوالدين يمكن أن يخلّفا انعكاسات خطِرة على الطفل أيضاً؛ إذ يشعر أنه يزعجهما وغير مرحّب به.
توضح الطبيبة النفسية غواناييل بيرسيو متى يحدث ذلك: "عندما تُلبّى حاجات الأطفال الأساسية، ولا تُلبّى حاجاتهم العاطفية، ولا أحد يبوح لهم بالحب، أو يساندهم في حياتهم اليومية الخاصة".
ويُعدّ سوء معاملة الوالدين للأطفال السلوك الأكثر إضراراً بهم لأنه يمثّل في حد ذاته إنكاراً لذواتهم وهوياتهم. وقد تكون هذه الإساءة لفظية (شتائم أو سخرية جارحة) أو جسدية أو جنسية؛ لكنها قد تكون أيضاً في شكل قسوة عاطفية تشكّك في أحاسيس الطفل بانتظام، وتقلل من شأنها ولا تعترف بها.
لماذا تزيد حساسية البعض تجاه الرفض؟
يعيش الأشخاص الذي يعانون جرح الرفض تجاربهم على نحوٍ مختلف وفقاً لدرجة حساسيتهم، وينطبق هذا الاختلاف في التفاعل علينا جميعاً. فإذا لم يدعُنا بعض الأصدقاء إلى إحدى السهرات على سبيل المثال، سيعتقد بعضنا أن السبب هو النسيان أو خطأ ما، بينما سيشعر آخرون بالرفض فوراً.
ويتعلق الأمر في هذه الحالة بأشخاص "حسّاسين جداً تجاه الرفض" وفقاً للدكتور تشيكي دايفيس الذي يحلّل ذلك في مقال سايكولوجي توداي، مؤكداً إن هذه الحساسية البالغة تجاه الرفض تعني: "الميل إلى انتظار الرفض بقلق وتقبّله بسهولة ثم التفاعل معه بطريقة مبالغ فيها".
هذا النوع من الشخصيات يفسر في الغالب الإشارات الاجتماعية العادية أو السلبية بعض الشيء؛ مثل عدم رد أحد الأصدقاء على رسالة قصيرة، باعتبارها علامة على الرفض التام والصريح، ويتجاهل التفسيرات المنطقية لواقعةٍ كهذه. ومن المفارقة أن هذا السلوك يدفع الآخرين إلى الابتعاد عنه أكثر، فيخلق بذلك توقعات ذاتية التحقق.
تضيف غواناييل بيرسيو: "عندما يتجذر جرح الرفض في النفس، فإننا نجد أنفسنا بعد سن الرشد في مواقف جديدة تعزّزه". فيضع الشخص الذي يعاني جرح الرفض نفسه دون وعي في مواقف يتعرّض فيها للرفض من جديد، فكيف يمكن الخروج من هذه المتاهة المدمرة إذاً؟
كيف يمكنك تجاوز الشعور بالرفض؟
على الرغم من أنه موقف مؤلم جداً للأشخاص الذين يعانونه؛ إلا أنه لا يجب اليأس من إمكانية تجاوزه! إذ نستطيع تعلّم إدارة شعور الرفض بطريقة سليمة.
وتقدم المختصة النفسية تشيكي دايفيس نصائح وحلولاً يمكن توظيفها من أجل إدارة جيدة لشعور الرفض مهما كان سياقه؛ في العمل أو في العلاقات العاطفية أو في مواقف الرفض الاجتماعي والعائلي. وإليك 4 نصائح يمكنك تطبيقها فوراً إذا كنت تعاني جرح الرفض:
دوّن المشاعر والأحاسيس التي يولدها الرفض الذي تتعرض له
يسمح لك تدوين مشاعرك وعواطفك بعد التعرض لتجربة جرح الرفض بالتّريث وتجاوز هذه الأحاسيس في المستقبل. وثمة فوائد عديدة لهذا التدوين العلاجي؛ مثل استرجاع الشعور بالطمأنينة والإدارة الأفضل للقلق وألم الرفض.
تدرّب على تقبّل الرفض
تقبُّل الرفض بدلاً من تقييمه أو وصفه يساعد على الحد من ردود الفعل العاطفية السلبية. والتقبل لا يعني تحمّل موقف غير لائق أو مؤذٍ لك؛ بل يعني ببساطة الاعتراف بهذا الموقف الصعب وقبوله، دون البحث عن تغييره فوراً. تقبّلْ أفكارك وعواطفك، وبعد ذلك سيأتي ردّ الفعل إن كان ضرورياً.
ركّز على الجانب الإيجابي
على الرغم من أنه سلوك مزعج؛ إلا أن الرفض يقرّبنا إلى العواطف الإيجابية أكثر من خلال جعلنا أكثر حساسية. لهذا عليك زيادة ممارسة أنشطتك المفضّلة واستغلال لحظات المتعة والراحة النفسية طوال اليوم أو الأسبوع.
ابتعد عن الرفض عاطفياً
حاول الابتعاد عن الرفض عاطفياً، ويقوم التباعد العاطفي على تخيل جرح الرفض الذي تعانيه شخصاً غريباً عنك يمشي في الشارع على سبيل المثال. وستساعدك مراقبة حالتك النفسية من الخارج، مع الحرص على منع أي تأثير فيها، على تبديد المشاعر السلبية بسرعة وعلى نحوٍ مستدام.