3 أسباب قد تمنعك من الشكوى على الرغم من معاناتك!

3 دقائق
المشاعر المؤلمة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يرى مختص العلاج السلوكي، ستيفان شيرمان أن المرء الذي لا يشتكي حينما يواجه مواقف عصيبة، يكبت في داخله المشاعر المؤلمة التي يمكن أن تخفف مشاركتها مع الآخرين من وطأتها. فما الذي يمنع البعض من التعبير عمّا في داخله؟

إنه لا يشتكي ولا يتذمر ويشعر بالرضا دائماً؛ ولذلك فهو شخص سهل المعشر ويحبه الجميع، وعلى الرغم من ذلك فإنه قد يعاني في داخله آلاماً لا يعلم بها سواه. هذه حال البعض ممن يحتفظ بحزنه لنفسه ويرفض التعبير عنه لمن حوله، فما سبب كبت المشاعر هذا؟

لمَ لا يشتكي بعض الأشخاص مطلقاً؟

تقول لمى ذات الـ 36 عاماً: "أعتبر نفسي إنسانة محظوظة جداً، فلديّ 3 أطفال رائعين في أحسن حال، وزوج محب، ووظيفة. لا شك في أنني مررت بأوقات عصيبة مثل الناس كلهم؛ لكن في رأيي أن التبسُّم للحياة أفضل من الشعور بالحسرة لأنه لا جدوى من الشكوى".

وعلى الرغم من ذلك يرى مختص العلاج السلوكي، ستيفان شيرمان (Stéphane Szerman) أن المرء الذي لا يشتكي حينما يواجه مواقف عصيبة، يكبت في داخله المشاعر المؤلمة التي يمكن أن تخفف مشاركتها مع الآخرين من وطأتها.

اقرأ أيضاً: كيف ترتبط الشكوى بالمعاناة؟

1. الجذور ربما تصل إلى الطفولة

توضح مختصة التحليل النفسي جاكلين لوغو (Jacqueline Légaut) إن المرء يتعلم كتم المشاعر المؤلمة أو ما يُحزنه في نفسه خلال السنوات الأولى من الطفولة، حينما تتولد لديه قناعة بأنه يستمد رضاه من رضا والديه، والعكس بالعكس. ويحدث ذلك لأن الوالدين اعتادا تجاهل شكوى الطفل ومحاولة إسكاته بدلاً من الاستماع إليه وأداء دورهما بوصفهما والدين صالحين، وحينما يرى أن الشخصين اللذين هو بأمسّ الحاجة إليهما يرفضان تقبُّل شكواه، ينشأ الطفل وقد اعتاد ألا يعبر إلا عن الرضا.

 وتقول مستشارة التواصل مورييل جواس (Muriel Jouas): "يحاول الطفل أن يرضي أباه وأمه ومن ثَمَّ يحمي نفسه بذلك من إحدى المخاوف الأساسية القديمة وهي التعرض للهجر". وبسبب خوفه هذا؛ يتوقف عن الشكوى ويفكر في أن والديه في أحسن الأحوال لن يستمعا إليه، أما في أسوئها فإنهما قد يرفضانه ويحرمانه حبهما.

2. عدم الشكوى سعياً نحو الكمال

بعد أن ينتهي دور التربية يأتي دور المجتمع، ويوضح ستيفان شيرمان إن الشخص الذي لا يشتكي ولا يعبر عن آلامه يحظى بتقدير اجتماعي كبير؛ إذ إن عدم الشكوى يعني التحلي بالشجاعة والذكاء والقدرة على التعاطف، فالأشخاص الذين تمكنوا من تجاوز مصاعب الحياة على الرغم من آلامهم يحظون بتقدير مَن حولهم، أما الشكوى فيُنظر إليها بصفتها نوعاً من العجز، ولا أحد يرغب في الظهور بمظهر العاجز سواء أمام نفسه أو الآخرين.

ينشد الشخص الذي لا يشتكي مطلقاً الكمال، والظهور بمظهر البطل في أعين الآخرين، وتقول مستشارة التواصل مورييل جواس: "وتنتقص الشكوى من هذا الكمال الذي ينشده؛ إذ تعني أنه عرضة للخطأ ما يؤدي إلى اضطراب صورته الذاتية التي رسمها وتمسك بها على مر السنين".

3. قد نمتنع عن الشكوى للشعور بالنقص

نمتنع عن الشكوى أيضاً حين نرى أنها غير مجدية، وترى جاكلين لوغو أن هذا التفكير يرتبط بالنقص الذي نعانيه جميعاً، وتقول: "يعاني كلٌ منا نقصاً ما، ومن خلال التجربة نعرف أنه لا يمكن للآخر ملؤه، وقد يكون هذا الشعور مؤلماً إلى درجة أننا نتبع أسلوباً دفاعياً لنحمي أنفسنا فنمتنع عن الشكوى لكي لا نسأل الآخر ما يستحيل عليه منحنا إياه".

ولتوضح الألم الذي يسببه الشعور بالنقص؛ تتحدث مختصة التحليل النفسي عن بهجة الاستسلام للحب من النظرة الأولى وتقول: "إنها إحدى اللحظات النادرة التي نتوهم فيها أن شخصاً آخر سوف يملأ نقصنا" لكن هذا الوهم لا يدوم إذ يعود الشعور بالفراغ الداخلي مجدداً؛ ومن ثَمّ سواء كانت الشكوى من سوء أحوال الطقس أو من غياب التواصل مع الزوج فإنها تبدو سخيفة ولا جدوى منها.

نصائح من المعالجَين النفسيَين للشكوى الفعالة

مختص العلاج السلوكي، ستيفان شيرمان

"ليس المطلوب أن تشتكي باستمرار بل أن تخرج من حالة الكبت هذه، فلا بد من وجود شخص ضمن دائرة العائلة والأحباء يصغي إليك وبإمكانك أن تعبر له عن مشاعرك وعواطفك. لذا؛ حدد هذا الشخص وتكلم معه بصراحة، فحينما تتجاهل الألم أو الضيق الذي تشعر به وتقلل من شأنه خوفاً من نظرة الناس إليك، قد يؤدي ذلك إلى تراكم مشاعر الغضب والإحباط في داخلك".

مختصة التحليل النفسي، جاكلين لوغو

"هل كان والداك يتقبلان شكواك في طفولتك؟ وكيف كانا يتصرفان حينما تشتكي؟ ترجع جذور الأساليب الدفاعية التي نستخدمها إلى مراحل قديمة من حياتنا، وحينما تفكر في مرحلة طفولتك وتحللها، ولا سيما فيما يخص علاقتك بوالديك، ستتمكن من فهم سبب هذا السلوك الذي يمنعك من التعبير عن مشاعرك".

تجارب شخصية

تقول كوثر ذات الـ 42 عاماً: "لطالما أردت أن أكون مديرة فريق لطيفة ومتفهمة؛ لذا لم أشتكِ يوماً من عمل زملائي حتى عندما كانت تحدث مشكلة ما، وخلال التدرب على الإدارة اكتشفت أمراً: لم أتحدث إلى أفراد فريقي عن أخطائهم في العمل مطلقاً لأنني لم أعرف كيف أفعل ذلك، ومنذ ذلك الحين تعلمت كيف أرفض ما لا أراه ملائماً، وأوجّه النقد البنّاء، وأطرح الأسئلة، ولا يثير ذلك استياء زملائي".

وتقول سمر ذات الـ 39 عاماً: "منذ طفولتي، كنت أحاول حماية أختي التي تصغرني بـ 3 سنوات؛ ولكنها عاتبتني بشدة ذات يوم بسبب ما سمّته عدم ثقتي بها، وقالت إنني إنسانة متكبرة. لم أفهم في حينها أنها كانت تشعر بالضيق بسبب ما كنت أظنه حناناً واهتماماً، ثم أدركت أن إخفاء مخاوفي عنها وعدم الشكوى كان يعني إخفاء جزء مني أيضاً؛ لذلك أحاول الآن أن أكون صريحة أكثر معها وقد اتخذت علاقتنا نمطاً جديداً ينطوي على معاملة المثيل لمثيله".

اقرأ أيضاً: دليلك للتعامل مع الشخص الشكَّاء.

المحتوى محمي