لماذا يزيد صوم رمضان عصبية البعض وتوتره؟ وكيف يتعامل مع هذه الحالة؟

5 دقيقة
التوتر والانفعال
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يعد الصيام خلال شهر رمضان الفضيل ممارسة روحية ذات مغزى للمسلمين؛ لكنه قد يسبب في بعض الأحيان الشعور بالتوتر والعصبية والانفعال عند بعض الأفراد. وحتى نستطيع أن نتخذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع هذه الحالة، ينبغي التعمق في العوامل التي تؤدي دوراً في نشوء هذه الحالة النفسية؛ وإليك أهمها.

يختلف تأثير صيام رمضان في الحالة المزاجية باختلاف الأشخاص، فقد يعزز المزاج الإيجابي عند بعض الصائمين؛ في حين قد يزيد المشاعر السلبية عند بعضهم الآخر، فتراهم يعانون القلق أو الغضب أو سرعة الانفعال أو التوتر.

وإذا كان التأثير الإيجابي للصيام في الحالة المزاجية قد يُعزى إلى عوامل عدة؛ مثل قدرة الشخص في التحكم في انفعالاته الذاتية، وحالته النفسية وذكرياته مع شهر رمضان، وغيرها من العوامل الأخرى، فكيف يمكن إذاً تفسير التأثير السلبي للصيام في الحالة المزاجية عند البعض الآخر؟ هذا ما سنحاول تفسيره في هذا المقال، بالإضافة إلى بعض النصائح التي قد تساعد الأشخاص الذين يعانون التوتر والانفعال خلال شهر رمضان على التكيف وتعزيز حالتهم المزاجية.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع أفكار الوسواس القهري المرتبطة بصوم رمضان؟

لماذا يسبب الصيام التوتر والانفعال عند بعض الأشخاص؟

تقف وراء ذلك مجموعة من العوامل؛ أهمها:

انخفاض مستوى السكر في الدم

أشارت دراسة علمية منشورة في دورية علامات المرض (Disease Markers) عام 2022، إلى أن الصيام قد يُحدِث تغيرات فيزيولوجية كبيرة في الجسم؛ مثل تغيُّر مستويات السكر في الدم ومستويات الهرمونات والجفاف؛ وهو ما قد يؤثر في بعض الأحيان في المزاج والحالة العاطفية مؤدياً إلى زيادة التوتر والعصبية.

وقد وُجد أن تنظيم المشاعر والقدرة على ضبط النفس يرتبط على نحو خاص بمستوى الغلوكوز في الدم؛ إذ وُجد أن نقص السكر في الدم يرتبط بارتفاع مستويات القلق والانفعال والعصبية والمشاعر السلبية الأخرى.

في الواقع، تعتمد الخلايا العصبية الدماغية على الغلوكوز بوصفه مصدراً للطاقة اللازمة من أجل إطلاق النبضات التي تدعم وظيفة الدماغ؛ أي أن الدماغ يحتاج إلى كمية كافية من الغلوكوز ليعمل بفعالية. لذلك؛ عندما تنخفض مستويات الغلوكوز في الدم انخفاضاً كبيراً، فإن وظائف الدماغ ستضطرب بشدة؛ ما يؤدي إلى نشوء عدد كبير من حالات العجز المعرفي والسلوكي؛ مثل ضعف التنسيق، وعدم وضوح الرؤية، وفقدان الذاكرة، والسلوكيات الغريبة، وتغيرات الشخصية، والارتباك، والقلق. والجدير بالذكر إن حتى الانخفاضات الطفيفة نسبياً في نسبة الغلوكوز، قد تؤثر كثيراً في التفكير والسلوك.

التغيرات الهرمونية

وجدت دراسة سعودية منشورة في دورية بي إن سي للصحة العامة (BMC public health) عام 2023، أن الصيام وعلى الرغم من أنه حسَّن السلوكيات الغذائية وأنماط الحياة عند أفراد العينة البحثية التي شملت طلاب الطب في جامعة الطائف ولم يؤثر في أدائهم الأكاديمي، فإنه مع ذلك، سبَّب زيادة التوتر بين الطلاب الذكور؛ إذ وُجد أن مستويات الكورتيزول ترتفع بين الشباب الأصحاء خلال شهر رمضان؛ وهو ما قد يعزى إلى التغيرات في سلوكيات النوم والتغذية.

وبالفعل، أشارت الدراسة الآنفة الذكر المنشورة في دورية علامات المرض، إلى أن الصيام مدة 10 أيام على الأقل يسبب تنشيط الغدد الصماء العصبية؛ وذلك لأسباب ليست واضحة تماماً لكن يُعتقد أنها تتعلق بانخفاض توفر الغلوكوز في الدماغ، واستنفاد اللبتين والإنسولين، والشعور بالجوع الناجم عن الصيام. عموماً، يؤدي تنشيط الغدد الصماء العصبية إلى ارتفاع مستويات بعض الهرمونات؛ مثل النورإيبنفرين، والإبينفرين، والكورتيزول، ومن المعروف أن هذه الهرمونات تؤثر في الحالة المزاجية وتُفاقم الاستثارة تجاه التوتر ومحفزاته.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب النفسية للصداع؟ وكيف يمكن علاجه؟

اضطرابات النوم

يمكن أن تؤدي التغيرات في أنماط الأكل وأوقات الوجبات والواجبات الدينية والاجتماعية خلال شهر رمضان إلى تعطيل أنماط النوم، ومن المعروف أن قلة النوم لا تزيد التعب فحسب؛ بل تزيد القلق وتؤدي إلى تدهور الحالة المزاجية وتقوِّض الوظائف العاطفية تماماً، وذلك وفقاً لدراسة منشورة في مجلة النشرة النفسية (Psychological Bulletin) عام 2023.

حللت هذه الدراسة أكثر من 50 عاماً من الأبحاث المتعلقة بالحرمان من النوم وعلاقته بالمزاج، وقد توصلت إلى أنه حتى الفترات القصيرة جداً من قلة النوم (ساعات قليلة ليوم واحد)، تؤدي إلى زيادة أعراض القلق وسرعة الانفعال وزيادة المشاعر السلبية؛ مثل الحزن والتوتر.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب النفسية لاضطراب النوم في رمضان؟ وكيف تعالجها؟

انسحاب الكافيين

يستهلك الكثير من الناس مشروبات الكافيين بانتظام لتعزيز الطاقة وتحسين الحالة المزاجية؛ ومن ثَمّ قد يحدث عندما يمتنع هؤلاء عن تناول المشروبات المحتوية على الكافيين في أثناء رمضان أن يعانوا العديد من الآثار الجانبية التي تشمل:

  • سرعة الانفعال.
  • تردي المزاج.
  • القلق.
  • صعوبة التركيز.
  • انخفاض الطاقة.
  • الصداع.

يُذكر إنه وعلى الرغم من أن هذه الأعراض قد تكون غير مريحة وقد تصعِّب الصيام على العديد من الناس؛ لكنّها عادة ما تكون قصيرة الأجل، فقد تستمر مدة يومين إلى 9 أيام، وقد يساعد تقليل تناول الكافيين قبل رمضان تدريجياً على تجاوز هذه الحالة.

اقرأ أيضاً: هل تسبب القهوة القلق والتوتر؟

الجفاف

قد يؤدي الصيام إلى الجفاف، خصوصاً في حال لم يستهلك الشخص كمية كافية من الماء في أوقات الإفطار. ويؤثر نقص الماء سلباً في القدرة على التحكم بالحالة المزاجية؛ إذ يقول استشاري الصحة النفسية، علي بن صفحان، إن نقص الماء في الجسم، خصوصاً في آخر النهار، يسبب العصبية والتوتر والتشتت؛ وهذا قد يصيب الإنسان السليم صحياً في حين أن الأمر سيكون أسوأ عند الصائم الذي يعاني السكري أو الضغط أو أي حالة صحية أخرى.

في الواقع، حتى الجفاف الخفيف قد يغير مزاج الشخص ومستويات الطاقة والحالة الذهنية لديه، بالإضافة إلى أنه قد يسبب أعراضاً أخرى؛ مثل الصداع والتعب وصعوبة التركيز.

اقرأ أيضاً: ما أعراض التوتر المزمن؟ وكيف يمكن علاجه؟

كيف تُمكنك إدارة التوتر والعصبية في أثناء الصيام؟

لا يمكن القول إن الصيام يسبب دائماً حالات مزاجية سلبية مثل التهيج والانفعال؛ لأنه يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعزيز التجارب النفسية الإيجابية مثلما ذُكر في المقدمة؛ إذ قد يحفِّز تكوين الخلايا العصبية، ويعزِّز اللدونة التشابكية التي من الممكن أن تسهم في تنظيم أحاسيس الألم وتعزيز الوظيفة الإدراكية وقدرة الدماغ على مكافحة الشيخوخة.

بالإضافة إلى ذلك، قد تترافق هذه التأثيرات المفيدة مع حدوث تغيرات في عوامل التغذية العصبية والناقلات العصبية؛ أي يحفِّز الصيام على إطلاق السيروتونين وزيادة مستويات الإندروفين؛ ما يؤدي إلى تعزيز الحالة المزاجية وتقليل الحساسية للألم عند الأشخاص الذين يصومون 5-10 أيام على الأقل.

عموماً، في حال كنت تعاني التوتر والعصبية وسرعة الانفعال في أثناء الصيام، فإليك بعض النصائح التي قد تساعدك على تخطي هذه المشكلة:

  1. اشرب الكثير من الماء والمشروبات غير المحلاة في أثناء فترة الإفطار تجنباً للجفاف الذي قد يسهم في التوتر والتعب.
  2. احرص على تناول نظام غذائي متوازن وصحي خلال ساعات الإفطار، وركّز على تناول الفاكهة والخضروات والبروتينات القليلة الدهون والكربوهيدرات المعقدة الغنية بالألياف؛ وذلك من أجل دعم الصحة العامة واستقرار الحالة المزاجية، مع تقليل الأطعمة العالية السكريات والدهون.
  3. نَل قسطاً كافياً من النوم، وأعطِ الأولوية لنظافة النوم الجيدة، وذلك من خلال الحفاظ على جدول نوم منتظم، وخلق بيئة نوم مريحة، مع تجنب تناول مشروبات الكافيين بالقرب من وقت النوم.
  4. مارس تقنيات إدارة التوتر؛ مثل تمارين التنفس العميق أو التأمل أو اليوغا أو اليقظة الذهنية؛ إذ قد يساعدك ذلك على تقليل مستويات التوتر وتعزيز الصحة العاطفية.
  5. مارس التمارين الرياضية المعتدلة الشدة، وسترى أثر ذلك في انخفاض مستويات التوتر وتحسين الحالة المزاجية. وتُمكنك ممارسة الرياضة قبل الإفطار بوقت قصير أو في الصباح الباكر.
  6. اطلب الدعم من العائلة والأصدقاء، فالتحدث عن مشاعر التوتر والعصبية قد يوفر الراحة والدعم العاطفي.
  7. ضَع توقعات واقعية لنفسك، فلا بأس من تعديل جداول العمل أو الأنشطة الاجتماعية إذا أصبحت حالتك المزاجية سيئة على نحو كبير.
  8. تذكّر أن الانفعال والتوتر شائعان خلال الفترة الأولى من الصيام؛ لذلك كن صبوراً مع جسدك وهو يتأقلم؛ لكن فكِّر في طلب المساعدة المهنية من متخصص في الصحة النفسية في حال استمر التوتر أو العصبية فترة طويلة، أو أثّر على نحو كبير في الأداء اليومي.

error: المحتوى محمي !!