تخيل نفسك تدخل مكتباً مفعماً بالحيوية، حيث الابتسامات صادقة وليست مصطنعة، والأفكار تتدفق بحرية، ليس لأن هذا جزء من مهامهم، بل لأنهم يشعرون بالأمان الكافي لمشاركتها. مثل هذه الأجواء لا تحدث صدفة؛ بل تبنى على أساس متين هو الشعور بالتقدير والثقة بالنفس.
محتويات المقال
لنكن صريحين: الراتب الجيد أساسي، لكن ما يميز عمل الموظف المتفوق هو شعوره بأن صوته مسموع وأن جهده محل تقدير. هنا يأتي دورك -بصفتك قائداً- في رسم الملامح الأولى لثقافة الفريق. فالثقة ليست نتاجاً للأوامر؛ بل تحتاج إلى صقل وتطوير. إذاً، كيف تعزز ثقة موظفيك بأنفسهم وتجعلهم يشعرون بالتقدير؟ لنكتشف ذلك في هذه المقالة بخطوات محددة.
كن محدداً وصادقاً في مديحك وملاحظاتك الإيجابية
الثناء أداة فعالة لبناء الثقة في النفس عموماً. لكن ينبغي أن يكون صادقاً ومحدداً ليخرج من دائرة المجاملة. على سبيل المثال، بدلاً من قول "أحسنت عملاً" للموظف، خصص مديحك بذكر الصفات أو الإجراءات الدقيقة التي أدت إلى النجاح، وتسببت في استحقاقه الثناء والمديح.
مثل قولك: "يظهر من مراجعة بحثك المفصل وعرضك الواضح في ذلك التقرير، أنك تتمتع بقدرة تحليلية ذكية وفريدة". يربط هذا النوع من التعزيز الإيجابي القدرات الشخصية بالنتائج، ما يساعد الموظف على إدراك قيمته الفعلية، ونقاط قوته، ويعزز ثقته في نفسه.
قدر من يحمل العبء
وفقاً لخبير الصحة النفسية في بيئة العمل سعود العمر، غالباً ما تضم بيئات العمل من يحمل على عاتقه الكثير، يعمل بإخلاص ويتحمل فوق طاقته دون شكوى. وغالباً ما ينظر إليه على أنه دعامة أساسية لا غنى عنها. هنا من المفيد أن تضع في حسبانك أن الطاقة البشرية ليست مورداً متجدداً، لذا فالحفاظ على شغف الموظف ونشاطه لا يقل أهمية عن الاعتماد عليه. لأنك حين تهمل احتياج الموظف للتقدير أو تتركه دون دعم، قد يتسلل إليه الفتور ويخفت وهج الحماس الذي كان يميزه.
في المقابل، حين يصان هذا النوع من العطاء، ويمنح صاحبه ما يستحق من اهتمام، فإن أثره الإيجابي يمتد ليشمل الفريق بأكمله. فلا تغرق موظفك بالمهام لمجرد أنه "يقدر"، ولا تستخدمه أداة لإتمام المهام، بل امنحه مسؤوليات تتناسب مع طاقته، وكن حريصاً على أن يكون نموذجاً يحتذى، لا مثالاً على الاستنزاف.
وازن بين الملاحظات الإيجابية والنقد البناء
في حين أن الملاحظات الإيجابية تبني الثقة، فإن النقد البناء يساعد الموظفين على النمو. عموماً، توصي الأبحاث بالموازنة بين التعليقات الإيجابية والنقد البناء بنسبة 3:1، أي كل 3 تعليقات إيجابية يقابلها نقد واحد. لا يعني هذا المجاملة الزائدة، بل صنع بيئة يشعر فيها الموظف بالتقدير والدعم قبل التوجيه للتحسين، فيصبح أكثر تقبلاً للنصائح البناءة.
تذكر باستمرار أن التركيز المفرط على الملاحظات السلبية يمكن أن يقلل احترام الذات ويخلق الخوف من الفشل، ما يحد من مبادرة الموظف. في المقابل، عندما يتلقى الموظفون ملاحظات سلبية باستمرار فقد يفقدون الدافع ويشعرون بالإحباط.
اعمل على تنمية الكفاءة بتجارب الإتقان
يوضح عالم النفس ألبرت باندورا الكفاءة الذاتية بأنها إيمان الفرد بقدرته على تنظيم مسارات العمل اللازمة لإدارة المواقف المستقبلية وتنفيذها. ووفقاً للعالم، تعزز هذه المعتقدات تقدير الفرد وثقته بنفسه.
لكي يشعر الموظف بالثقة في نفسه ويطور كفاءته، يحتاج إلى ما يعرف بـتجارب الإتقان. وهي ببساطة لحظات ينجح فيها في أداء مهمة معينة، مهما كانت صغيرة. هذا النجاح يمنحه شعوراً بالقدرة، ويجعله أكثر استعداداً لمواجهة تحديات أكبر.
لذا، لا تنتظر أن يحقق الموظف النجاح في نهاية المشروع أو المهمة النهائية، بل قسم المهام المعقدة والضخمة إلى خطوات بسيطة، وكلفه بمهمة محددة يمكن إنجازها، مع توفير الدعم اللازم. وعندما ينجح احتفل بالنجاح مهما بدا بسيطاً، لأن كل تجربة إتقان تترك أثراً نفسياً إيجابياً، وترسخ لديه فكرة "أنا قادر".
عزز الأمان النفسي
إن الطريقة التي يفسر بها الموظفون مشاعر التوتر، وردود أفعالهم العاطفية تجاه المهام الموكلة إليهم، تؤثر في شعورهم بالتقدير والثقة في النفس، فحين يغمرهم القلق من احتمال ارتكاب خطأ، تتزعزع كفاءتهم الذاتية وتضعف قدرتهم على الإنجاز. وهنا يأتي دور القائد في بناء بيئة عمل تخفف هذا الخوف، وتشجع على التعلم والنمو.
ولتحقيق ذلك، ينبغي للمدير بناء بيئة عمل آمنة للموظف، لا تركز على من يقع عليه اللوم، بل على ما تعلمه الموظف وكيفية تجنبه في المرة القادمة، بحيث يشعر بالحرية في تحمل المخاطر المدروسة، وحتى ارتكاب الأخطاء دون خوف من الإذلال أو العقاب. بهذا الأسلوب يتحول القلق إلى حماس للتحدي، ويتشجع الموظف على المبادرة والتجربة، ما يعزز ثقته بنفسه على المدى الطويل.
وفر التدريب وتنمية المهارات
تعد ورش العمل والدورات التدريبية أدوات استراتيجية لتطوير مهارات محددة تعد ضرورية لتعزيز الثقة بالنفس لدى الموظفين، مثل التواصل الفعال، أي كيفية التعبير عن الأفكار بوضوح والإنصات، والتفاعل البناء مع الآخرين، ومهارة العرض التقديمي مثل التحدث أمام الجمهور وتنظيم الأفكار بصرياً ولفظياً، والتعامل مع التوتر في أثناء العرض.
توفر هذه الورش بيئة آمنة للتجربة والتعلم، حيث يمكن للموظفين ممارسة المهارات دون خوف من الحكم أو الفشل. ومع التكرار والإتقان، يبدأ الموظف بملاحظة تحسن ملموس في أدائه، ما يعزز شعوره بالكفاءة الذاتية ويقلل التردد أو القلق المرتبط بالمواقف المهنية. التدريب هنا ليس مجرد نقل معرفة، بل هو تمكين حقيقي يحول المهارات إلى أدوات ثقة مستدامة.