هل توجد كيمياء بيننا وبين أشخاص بأعينهم أم إنها خرافة رائجة؟

الكيمياء الشخصية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: من بين عشرات الأفراد الذين تقابلهم في يومك العادي، هناك شخص واحد أو ربما أكثر بقليل، تشعر بوجود رابط خاص يجمعك به، فترتاح للحديث معه، أو حتى مجرد الاستماع إليه. ما تفسير هذا التناغم بينكما؟ هل هي “الكيمياء الشخصية” أم إنها مجرد خرافة شائعة؟

هل سبق أن قابلت شخصاً لأول مرة، وبعد بضع دقائق من تجاذب أطراف الحديث، شعرت وكأنك تعرفه منذ سنوات؟ أو ربما على النقيض من ذلك؛ مهما حاولت، لا تتمكن من الانسجام معه؟ يعتقد البعض أن ثمة قوة غامضة يُطلق عليها “الكيمياء الشخصية”، تؤدي دوراً خفياً، فهي إما أن تُقرّبنا وإما أن تنفّر بعضنا من بعض.

لكن هل ثمة أساس علمي لهذه الفكرة أم إنها مجرد خيال رومانسي؟ في هذه المقالة، سنستكشف حقيقة مفهوم الكيمياء الشخصية، ونفصله عن الأساطير والخرافات.

ما حقيقة الكيمياء الشخصية؟

بقي مصطلح الكيمياء الشخصية متداولاً في الكتب والروايات والأشعار لقرون عديدة؛ إلا أن أحداً لم يتطرق إليه موضحاً حقيقته قبل الباحث هاري ريس (Harry Reis)، ففي عام 2021، بحث ريس وزملاؤه في الكيمياء الشخصية وطريقة حدوثها، في دراسة علمية نشرتها دورية وجهات نظر في علم النفس (Perspectives on Psychological Science).

أوضحت الدراسة أن حدوث كيمياء بين فردين مقرون بتفاعل سمات كل منهما وصفاته مع مثيلتها لدى الآخر؛ أي إن الأمر لا يتعلق بالعوامل الفردية فقط بل بكيفية تفاعل هذه العوامل وانسجامها؛ ما يولد رابطة أو تواصلاً فريداً بين الأفراد المعنيين. وينطبق هذا التفاعل والتناغم على العلاقات الرومانسية، بالإضافة إلى الصداقات والعلاقات الأسرية والزمالة المهنية؛ مثل الانسجام بين اللاعبين في الفرق الرياضية والموسيقيين في الأوركسترا وغيرهم.

إليك المثال التالي للتوضيح: أحمد وسامر زميلان يعملان معاً في إحدى الشركات، ولكل منهما مؤهلات تميزه عن الآخر. أحمد بارع في الاستراتيجيات؛ بينما يتفوق سامر في التنفيذ. يكون أداء كل منهما جيداً عند العمل منفردَين؛ لكن عندما يعملان ويتعاونان معاً بحيث تحاكي استراتيجية أحمد إمكانيات سامر في التنفيذ، ويفهمان أفكار بعضهما جيداً، تحدث الكيمياء بينهما ومن ثَمّ ينجح المشروع.

اقرأ أيضاً: لماذا يختفي البعض في العلاقات ويظهرون فجأة؟ وكيف تواجه هذا السلوك؟

ما خصائص الكيمياء الشخصية؟

قد يخلط البعض بين العلاقات المتينة والطويلة الأمد؛ مثل العلاقات العائلية أو المهنية أو الرومانسية، والكيمياء الشخصية. وبالمثل؛ قد يُخلط بين الانجذاب الجسدي الشديد والفوري مع الكيمياء، فكيف نحدد الفرق؟ وضح ريس وزملاؤه إنه يمكن تمييز نشوء كيمياء مع طرف آخر عندما تختبر ما يلي:

  • التفاعل: وهو الطريقة التي تتجسد فيها الكيمياء، ويحدث على عدة مستويات:
    • التواصل اللفظي: أي التعبير عن وجود أفكار متشابهة؛ مثل تفضيل كتاب أو فيلم ما.
    • التواصل غير اللفظي: مثل تبادل الابتسام والإيماءات، والتكيف مع إيقاعات كلام بعضهما بعضاً.
    • التواصل على المستوى العصبي: قد تنشط الخلايا العصبية المرآتية المسؤولة عن الاستجابات إلى الأفعال؛ ما يتيح لبعضهما فهم تصرفات الآخر وعواطفه على مستوىً أعمق.
    • التواصل على المستوى الهرموني: يؤكد استشاري الطب النفسي، خالد العوفي، إن حدوث الكيمياء بين الأشخاص يسهم فيه إفراز هرمون الحب والترابط (الأوكسيتوسين).
  • تراكم لحظات من الارتباط والتواصل العميق مع الآخر، وليس فقط توافق الصفات بينكما: على سبيل المثال؛ قد تجد توافقاً بين صفات صديق لك على وسائل التواصل الاجتماعي واهتماماته، مع تفضيلاتك الشخصية؛ إلا أن التواصل أو  التناغم بينكما على أرض الواقع يكون ضعيفاً ومن ثَمّ لن تتشكل بينكما كيمياء شخصية.
  • الشعور الملموس الذي لا يمكنك أن تعيشه لوحدك أو مع أحد غير هذا الفرد: قد تشعر بالانجذاب إلى هيئة شخص ما أو حضوره؛ إلا أنه بوجود الكيمياء فقط تتطور علاقتك به.
  • وجود قواسم مشتركة مع الطرف الآخر: على سبيل المثال؛ قد تجد في شخص يمارس رياضة المشي لمسافات طويلة حباً مشتركاً للطبيعة؛ ما يعزز تشكل الكيمياء بينكما.

اقرأ أيضاً: كيف تستثمر علاقاتك مع الآخرين؟

الكيمياء الشخصية بين الخرافات والحقائق

شاعت عدة معتقدات وانتشرت التساؤلات حول الكيمياء الشخصية، مع الاستخدام الواسع للمصطلح في مختلف مجالات الحياة. لكن ريس تمكّن من إزاحة الغموض المحيط بها، وفصل الحقائق عن الخرافات وذلك من خلال التوضيحات التالية:

  • “الانطباعات الأولى لا رجعة فيها!”: هذا غير صحيح؛ يمكن للانطباعات الأولى أن تتغير، فعلى الرغم من أهميتها، فهي ليست ثابتة أو دقيقة بنسبة 100%. على سبيل المثال؛ قد تكره شخصاً في اللقاء الأول إلا أنك بعد التعرف عليه بعمق أكبر والتفاعل معه ربما تغير انطباعك عنه.
  • “الكيمياء فورية دائماً، وستشعر بها في غضون ثوانٍ من مقابلتك شخصاً ما”: ليس في جميع الحالات، فبينما يشعر البعض بالكيمياء بعد دقائق من اللقاء الأول، قد تتطور الكيمياء تدريجياً مع مرور الوقت لدى آخرين.
  • “الكيمياء حالة نادرة”: إن هذا بعيد عن الواقع، فالكيمياء الشخصية أكثر شيوعاً مما نعتقد؛ لأنها لا تقتصر فقط على العلاقات الرومانسية بل توجد أيضاً في الصداقات والعلاقات المهنية والعائلية.
  • “الكيمياء ليست ثابتة”: في الحقيقة، في هذا الاعتقاد بعضٌ من الصحة؛ حيث يمكن للكيمياء أن تتغير بين يوم وآخر، وتتضاءل بمرور الوقت.
  • “الإعجاب بشخص ما أمر ضروري لحدوث الكيمياء”: صحيح، فلكي توجد الكيمياء عليك أن تحب الشخص الآخر.
  • “يتمتع ذوو الشخصية الجذابة بالكيمياء في علاقاتهم أكثر من غيرهم”: ليس بالضرورة؛ لأن الكاريزما لا تضمن التواصل العميق والانسجام بين الطرفين.
  • “يمكن أن توجد الكيمياء بين أشخاص مختلفين تماماً”: هذا صحيح. مهما اختلفت التركيبات السكانية والخلفيات الاجتماعية للطرفين، ما يزال بإمكانهما تجربة الكيمياء عندما يشتركان في شيء مهم. على سبيل المثال؛ قد يشترك موسيقيان من ثقافتين مختلفتين في تقديرهما العميق للموسيقا.
  • “الاستماع هو مفتاح الكيمياء”: هذه الحقيقة التي أكدها ريس؛ أي إنه قد يكون من المهم تقديم نفسك إلى الآخر إلا أن كيفية الاستماع والاستجابة إليه أكثر أهميةً لوجود كيمياء بينكما.
  • “لا يمكن فرض الكيمياء أو تزييفها”: أي إما أن توجد الكيمياء، وإما فمن الصعب خلقها بين اثنين.
  • “الكيمياء حالة يختبرها كلا الطرفين”: ليس دائماً. في الواقع، إذا كانت الكيمياء موجودة بين اثنين، فإن كليهما سيشعران بها غالباً؛ لكن مع تطور العلاقة، قد يفقد أحد الطرفين أو كلاهما شعوره بذلك، ومثل هذه العلاقات عادة لا تدوم.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الحذاء الذي ترتديه في الانطباع الأول الذي يأخذه الآخرون عنك؟

إذاً الكيمياء الشخصية ليست أسطورة؛ بل ظاهرة حقيقية يمكنها أن تصنع العلاقات أو تعوق تطورها. وعلى الرغم من أنها ليست ضمانة للسعادة أو العلاقة الناجحة، فإنها محفّز قوي لمهارات التواصل والذكاء العاطفي والاحترام المتبادل بين الأفراد.