ملخص: تحّدد ظروف التنشئة وأحداث الطفولة الكثير من جوانب شخصياتنا. وقد يصل هذا التأثير إلى درجة بلورة نمط الارتباط الذي نتبنّاه في بناء علاقاتنا العاطفية والاجتماعية. تختلف أنماط الارتباط بالآخرين وفقاً لتاريخ الفرد وسماته الشخصية؛ لكنّ نمطاً محدّداً يطرح أزمة حقيقية لصاحبه على نحو قد يؤثّر في مدى قدرته على الارتباط في إطار علاقات حبّ ناجحة، وإليك التفاصيل.
وفقاً لنظرية الارتباط التي بلورها الطبيب والمحلّل النفسي، جون بولبي (John Bowlby)؛ يطوّر كلّ فرد على حدة نمطه الشخصي في بناء علاقاته. منذ الطفولة، يمثّل الأشخاص الذين يحيطون بنا شخصيات نرتبط بها ونبني معها علاقات. وطريقة ارتباطنا بهذه الشخصيات وارتباطها بنا هي التي تحدّد أسلوبنا في بناء العلاقات حتّى بعد البلوغ.
تنقسم أنماط الارتباط بالآخر إلى 4 أنواع: الارتباط الآمن والارتباط التجنّبي والارتباط المتناقض والارتباط غير المنظم. ينشأ الارتباط التجنّبي خلال الطفولة في سياق تنعدم فيه العواطف وتندر فيه مشاعر الحنان، ويمثل هذا السياق بيئة لا تسهّل بناء علاقات الحبّ في المستقبل.
الارتباط التجنّبي في علاقات الحبّ
تقول المختصة غويناييل بريسيو (Gwénaëlle Persiaux): "لا نتحدث هنا عن بيئة أسرية تسيء معاملة الطفل؛ بل عن أسرة لا نتحدث فيها عن مشاعرنا وعواطفنا، ولا نسمح لها بالظهور، وتقلّ فيها اللمسات العاطفية مثل العناق أو تنعدم تماماً".
الارتباط التجنّبي مشروط إذاً بنوع من اللامبالاة العاطفية في الماضي. في مواجهة هذه اللامبالاة، يتعلّم الطفل الاحتفاظ بمشاعره السلبية لنفسه وكتمها ومحاولة نسيانها. وقد تستمر هذه السلوكيات في سنّ البلوغ، ويمكن أن تؤثّر في تطور علاقاته العاطفية وصداقاته.
على سبيل المثال؛ إذا حاولت بناء علاقة مع شخص يتبنّى هذا النمط فقد تشعر بأنك لا تعرفه حقاً، وأن علاقتك به تظلّ سطحية. تفسّر الخبيرة ذلك قائلة: "هذا السلوك كان في مرحلة معينة، ولا سيّما خلال الطفولة، وربّما في سنّ الرشد أيضاً، أفضل طريقة يمتلكها هذا الشخص لحماية نفسه".
ما العبارة المناسبة لمواجهة الارتباط التجنّبي؟
تضيف غواناييل بريسيو: "إذا وجد الشخص الذي يتبنّى هذا النمط من الارتباط نفسه في بيئة يمكنه أن يمتلك فيها شجاعة التعبير عن مشاعره وعواطفه دون خوف من الانتقاد، فقد يشعر بالأمان وينفتح تدريجياً على الآخر". هذا يعني أنه يستطيع تجاوز هذا النمط. وإذا كان من الضروري أن يبحث عن الأشخاص الذين يستطيعون تفهّم حالته والحرص على طمأنته، فعليه أيضاً أن يكافح رغبته الشخصية في الهروب عند أبسط ضغط يشعر به. توضّح المعالجة النفسية، أليسا ليا مانكاو (Alyssa Lia Mancao)، في منشور لها على موقع إنستغرام: "إذا كنا نريد تعميق علاقاتنا مع الناس فعلينا أن نتعلّم تقبّل الانزعاج الناجم عن التواصل معهم".
للتمكّن من ذلك، تدعو الخبيرة النفسية الأشخاص الذين يتبنّون نمط الارتباط التجنّبي إلى تكرار العبارة التالية: "لن أهدّد بقطع علاقتي مع الآخر عند أول مضايقة أو انزعاج". تهدف هذه العبارة البسيطة إلى مكافحة سلوك الهروب والتجنّب رغبةً في حماية النفس. لكنّ المعالجة النفسية تنبّه إلى عدم استخدام هذه العبارة في حال التعرّض إلى الإساءة أو التلاعب بتقنية فتات الخبز التي يُظهر من خلالها الآخر اهتماماً مزيّفاً، وترى أن الحلّ الوحيد في هاتين الحالتين هو أن يحمي الشخص نفسه.