كن لطيفاً دون أن تفقد سلطتك: كيف تحقق هذه المعادلة؟

3 دقيقة
اللطف
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

يقال: "لا تكن ليناً فتعصر، ولا قاسياً فتكسر"، وهذا ما قد ينطبق على اللطف في مكان العمل أيضاً! فاللطف على الرغم من أهميته في بناء الثقة وتعزيز التعاون وخلق بيئة إيجابية في مكان العمل، إضافة إلى الظهور بمظهر جذاب وأكثر جمالاً في عيون الآخرين أيضاً، فقد يجعلك أيضاً عرضة للإرهاق والتلاعب في حال كان دون حدود أو على حساب صحتك النفسية. فما الحل إذاً؟ إليك أهم 5 نصائح ستساعدك على أن تكون لطيفاً في العمل دون أن تؤذي نفسك.

 

1. غير مفهومك عن اللطف

بداية، لا يعني اللطف أن تقول نعم دائماً للآخرين أو أن تضعهم في المقام الأول باستمرار، لأن ممارسة اللطف دون وعي وحدود قد تفضي إلى عواقب عديدة، مثل الاستياء والتعرض للاستغلال.

ويحذر المعالج النفسي أسامة الجامع من خطر أن يقع الإنسان ضحية اللطف المزمن؛ أي أن يسعى، في سبيل أن يكون مقبولاً، إلى مراعاة رأي الآخرين أكثر من اللازم، أو الامتناع عن المطالبة بحقوقه، ما يولد فيه ضغطاً نفسياً كبيراً.

فاللطف لا يعني تكليف النفس أكثر من وسعها تلبية لفضيلة كثيراً ما يحتفي بها المجتمع، وإنما معاملة الناس باحترام وتعاطف بالتزامن مع احترام احتياجاتك الخاصة بقدر احتياجات الآخرين.

ومن ناحية أخرى، ثمة جانب سلبي للطف غير المحدود قد لا تكون بالحسبان؛ فقد وجدت دراسة منشورة في دورية السلوك التنظيمي عام 2022 أن الموظف الذي يفشل في تقديم المساعدة لزملائه قد يفقد ثقته بقدراته ويصاب بالإحباط وربما يعزف عن تقديم المساعدة مستقبلاً.

واقترحت لمواجهة هذه المشكلة وتخفيف الشعور بالذنب أن يطور الإنسان عقلية التعاطف مع الذات والرحمة بها؛ أي أن يعامل نفسه بالصبر والتفهم اللذين يعامل بهما زميلاً في محنة. لأنه في حال أهمل نفسه، قد يستنزفها التعاطف بدلاً من أن يمدها بالطاقة.

في الواقع، وجد الباحثون أن إعطاء الأولوية للطف مع الذات يحسن الأداء في العمل ويقلل مستويات الإرهاق ويساعد على التعامل مع الانتكاسات دون الإضرار بالصحة النفسية. وهو ما يسمح للطف في المحصلة أن يكون ثابتاً وحقيقياً، وليس مفروضاً أو مرهقاً.

2. افهم دوافعك 

يعد فهم الدافع الكامن وراء اللطف الزائد، وتقديم التضحيات الشخصية من وقت ومال وموارد عاطفية في سبيل مساعدة الآخرين، ضرورياً لتجنب الأنماط السلوكية غير الصحية، مثل عقدة "المنقذ"؛ التي تدفع الشخص إلى حمل مسؤولية أكبر من قدرته وتصيبه بالاستنزاف والإرهاق العاطفي.

يمكن أن تنشأ سلوكيات اللطف الزائد وإرضاء الناس المفرط عن مجموعة من الدوافع، مثل الخوف من الرفض، أو القلق من تخييب أمل الآخرين، أو تدني احترام الذات، أو توقعات ثقافية وعائلية، أو ربما صدمات نفسية وآلام عاطفية غير محلولة، أو احتياجات نفسية غير ملباة والسعي إلى إشباعها.

لذا، يساعد الوعي الذاتي بدوافع المرء على التصرف بنية صادقة. لفعل ذلك، توقف وتأمل قليلاً قبل تقديم المساعدة، اسأل نفسك: "لماذا أختار المساعدة في هذا الموقف؟" أهي نابعة من التعاطف والإيثار فعلاً دون توقع مقابل؟ أم خوفاً من الكراهية أو الانتقاد؟ أم غير ذلك؟

3. ضع حدوداً واضحة 

ليست الغاية أن تتوقف عن أفعال اللطف والإيثار، لا أبداً؛ إنما ألا تجعلها تستنزف طاقتك العاطفية. وحتى تحافظ على وقتك وصحتك النفسية بالتزامن مع كونك لطيفاً وفعالاً في الوقت نفسه، عليك أن تتعلم وضع حدود واضحة. تحدد هذه الحدود ما أنت مستعد له وتستطيع فعله، وما يقع خارج نطاق مسؤوليتك وطاقتك. قد تشمل هذه الحدود الحد من التواصل بعد ساعات العمل أو رفض المهام التي تتجاوز قدراتك.

ويكمن السر في قول "لا" بلباقة. فيجب ألا تبدو الحدود قاسية أو أنانية. إنما رد بسيط مثل: "أود المساعدة، لكنني لا أملك القدرة حالياً"، يظهر هذا الرد اهتماماً باحتياجات الطرف الآخر دون تقديم وعد يتجاوز طاقتك.

من المهم بالقدر ذاته أن تقاوم الرغبة في الاعتذار المفرط. فقول "لا" لا يجعلك وقحاً أو فظاً، بل يجعلك واقعياً. كما أن الاعتذار المفرط لا يضعف ثقتك بنفسك فحسب، بل قد يعطي الآخرين انطباعاً بأن حدودك قابلة للتفاوض. تذكر أنك لست بحاجة إلى شرح سبب رفضك، وإذا كان الإيضاح ضرورياً، فاجعله مختصراً.

4. وازن بين التعاطف والحزم

يعني التعاطف الإنصات بانتباه، والمصادقة على صحة مشاعر الآخرين، وقبول وجهات نظرهم. فعندما تتعاطف مع زميل ما، أنت تهتم بما يمر به وترغب في أن تكون لطيفاً معه أو أن تساعده بطريقة أو أخرى. مع ذلك، قد يؤدي التعاطف في حال كنت تولي مشاعر الآخرين أولوية على مشاعرك باستمرار إلى الاحتراق النفسي.

هنا يأتي دور الحزم، فالحزم أسلوب فعال من مهارات التواصل يساعدك على التعبير عن أفكارك ومشاعرك واحتياجاتك بوضوح واحترام، دون عدوانية أو سلبية. ما معنى هذا الكلام؟ معناه أنه حتى لو كان زميل ما يحتاج إلى المساعدة، فلا يعني ذلك أنه يتعين عليك تلبية احتياجاته.

بكلمات أخرى، عندما تتعاطف مع زميل ما، يمكنك التواصل معه بعطف ورحمة قائلاً: "أنا أهتم لأمرك، وهذا ما أستطيع تقديمه لك الآن"؛ أي أن تحدد مدى انخراطك في موقف ما بمقدار استطاعتك فعلاً.

ومن المفهوم أن تجد الحزم صعباً في البداية، فقد تخشى أن يجرح صدقك وصراحتك مشاعر الآخرين، لكنه مهم جداً لوضع حدود صحية وبناء علاقات إيجابية. ومن أهم النصائح التي تساعدك على أن تكون أكثر حزماً هي استخدام عبارات تبدأ بضمير المتكلم "أنا"، إذ تساعدك على التعبير عن مشاعرك دون إلقاء اللوم على الآخرين. إضافة إلى مراعاة لغة الجسد مثل الحفاظ على التواصل البصري، والوقوف أو الجلوس منتصباً، واستخدام نبرة هادئة ومتزنة في التحدث. 

5. كن لطيفاً ولو قليلاً

ليس ضرورياً أن يكون اللطف تأدية أعمال أو خدمات عظيمة الشأن، فحتى الأفعال البسيطة قد تحدث في الآخرين أثراً كبيراً وذلك دون أن تستنزف طاقتك؛ مثل إلقاء التحية بحرارة، والابتسام في وجه الآخرين، والاعتراف بجهود زميل، وتقديم التقدير له عندما يستحقه، وغير ذلك. لا تتطلب هذه الأفعال التزاماً مفرطاً، لكنها تخلق بيئة عمل إيجابية.

المحتوى محمي