قد تبدو نوبات الغضب عند الأطفال وبعض تصرفاتهم غير منطقية أو مدفوعة بأسباب حقيقية بالنسبة للكبار الذين يعتبرون الطفولة مرحلة تحوي كثيراً من التصرفات التي لا داع لشغل البال بها، ذلك لأنها مجرّد مرحلة سيتجاوزها الطفل آجلاً أو عاجلاً.
لكن الأمر ليس كذلك؛ فتصرفات وانفعالات الأطفال لا تحدث من فراغ أو من دون سبب، فتلك النوبات من الغضب التي يضرب فيها الطفل نفسه و يُعبِّر عنها بالصراخ أو الركل أو البكاء أو التصرّف بعدوانية لها عدة أسباب، وتُعتَبَر إحدى الطرق التي تساعد الطفل على التعبير عما يشعر به بسبب افتقاره للكلمات التي تعبِّر عن تلك المشاعر القوية كما يستطيع أن يفعل الأطفال الأكبر سناً والبالغون. يجب اتباع مجموعة من الاستراتيجيات لمجابهة نوبات الغضب عند الأطفال حتى لا تتفاقم حدتها وتؤدي لمشاكل أكبر.
ما هي نوبات الغضب عند الأطفال؟
تتمثّل نوبة الغضب لدى الأطفال في البكاء أو الصراخ أو تصلب الأطراف أو تقوس الظهر، فضلاً عن السقوط أو التحرُّك ببطء. في بعض الحالات قد يحبس الأطفال أنفاسهم أو يتقيؤون أو يكسرون الأشياء، وقد يتصرفون بعدوانية.
تكون تلك النوبات شائعة عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة إلى 3 سنوات، كما أنه يمكن أن يعاني الأطفال الأكبر سنّاً منها أيضاً لكن بدرجة أقل، ذلك قد يعود لعدم توصُّلهم بعد لأساليب أكثر ملاءمة للتعبير عن المشاعر أو التعامل معها.
وفقاً لدراسة فحصت مدة وخصائص 330 نوبة غضب لدى الأطفال، وجد الباحثون أن معظم تلك النوبات تستمر لمدة ثلاث دقائق. أيضاً، من المعتاد أن تبدأ نوبة الغضب بسلوك عدواني ثم تتحول إلى حزن.
اقرأ أيضاً: ما هي الأسباب والدوافع وراء ضرب أو شتم طفلك لك؟
أسباب نوبات الغضب عند الأطفال
تتعدد الأسباب وراء نوبات الغضب؛ ففي تلك المرحلة المبكرة من الطفولة، تبدأ المهارات الاجتماعية والعاطفية للأطفال في التطوّر، لكن ذلك قد لا يوازيه نفس الدرجة من التطوّر في امتلاك الكلمات المناسبة للتعبير عن المشاعر، ما يدفع الأطفال لاستخدام تلك الطريقة في التعبير عما يشعرون به.
كذلك، قد يلجأ الطفل لهذه الوسيلة لاختبار مدى استقلاليته من خلال استكشاف مدى فعالية الطريقة التي يتصرف بها في التأثير على تصرفات وردود أفعال الآخرين.
بالإضافة إلى ذلك، تتمثّل الأسباب الأخرى لنوبات الغضب في ما يلي:
1- التعبير عن الإحباط. قد لا يتمكن الطفل من التعبير عن مطالبه واحتياجاته، ما يؤدي إلى عدم القدرة على التعامل مع المشاعر الناتجة عن ذلك العجز مثل الغضب والحزن. في تلك الحالات، يكون الصراخ أو الركل أو الضرب هي الطريقة في طلب المساعدة. وقد يجمع الطفل بين أكثر من طريقة للتعبير عن مشاعره.
2- الرغبة في السيطرة وامتثال الآخرين لرغباتهم. ما يجعلهم يستخدمون الصراخ أو ضرب أنفسهم للوصول لما يريدون؛ إذا حصلوا على ما يريدونه بهذه الطريقة، سيتّبعونها في المرات التي تليها.
3- المرور بمرحلة انتقالية، مثل الذهاب إلى الحضانة بدلاً من البقاء في المنزل مع الرغبة في البقاء بمفردهم، فينزعجوا عندما لا يستطيعون فعل ما يريدون.
4- إصدار أوامر للطفل يصعب عليه تأديتها، ومن ثم شعوره بالإحباط حيال تلك المشاعر من العجز.
5- تعرّض الطفل لموقف مزعج جداً، أو تخوّفه وحساسيته من الضوضاء على سبيل المثال. لذلك قد تتكرر تلك النوبات في أثناء التواجد في الأماكن المزدحمة كالأسواق أو عند زيارة عيادة الطبيب.
6- سبباً فسيولوجياً كالجوع والإجهاد مع عدم القدرة على التعبير عن هذا الشعور. كذلك، قد يضرب الطفل نفسه نتيجة لما يشعر به من ألم جسدي، فقد يصاب الأطفال الصغار الذين يضربون أنفسهم على جانب الرأس ناحية الأذن بعدوى في الأذن. كما أن الأطفال الذين يمرّون بمرحلة التسنين قد يضربون أنفسهم أحياناً للتكيُّف مع الألم في اللثة.
جدير بالذكر أن السبب قد يكون مرتبطاً باضطراب طيف التوحد؛ فبالإضافة إلى ضرب أنفسهم، فإن الأطفال المصابين بالتوحد قد يخدشون أو يقرصون أو يعضّون أنفسهم أو يضربون رؤوسهم.
إذا كان الطفل أكبر قليلاً في السن، فقد يكون الإحباط الشديد في عدم القدرة على التعبير عن نفسه من خلال الكلمات نتيجة لتأخره في الكلام سبباً لتلك النوبات.
5 استراتيجيات للتعامل مع نوبات الغضب عند الأطفال
قد تكون نوبات الغضب عند الأطفال محرجة للغاية للآباء والأمهات، خصوصاُ عند حدوثها وسط جمع من الناس، إلا أنه يمكن التعامل معها ببعض الاستراتيجيات بعيداً عن إسكات الطفل بتلبية رغباته وإعطائه ما يريد، لأن ذلك من أكثر الأسباب التي تجعله يعتمد على هذا الأسلوب بعد ذلك، فتصبح عادة لديه. لذلك، يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا أكثر حكمة وحلماً في التعامل مع تلك النوبات.
ستساعدك الخطوات التالية في التعامل بطريقة أفضل مع نوبات غضب طفلك:
1- يلاحظ الطفل الطريقة التي تتعامل بها مع إحباطاتك، وإذا كان الصراخ هو الطريقة التي تتبعها، سيقلّدها طفلك. كذلك لا يجب الرد على صراخ الطفل بالصراخ، بل يجب التعامل بهدوء عوضاً عن ذلك.
2- يجب فهم احتياجات الطفل وتحديد الأسباب والحاجات الفسيولوجية وراءها.
3- عدم فرض العديد من القيود والممنوعات على الطفل، وكذلك ترك مجالاً للحرية ليتصرف من خلاله طالما أنه لن يؤذي نفسه.
4- عدم الاستجابة لرغبات الطفل في أثناء بكائه وتجاهل ذلك السلوك، فتلك الاستجابة هي علامة على استسلامك أمام أسلوبه في الصراخ، وسيعلم أن تلك طريقة فعّالة وأسلوب ناجح للضغط عليك وإحراجك أمام الآخرين لتلبية طلباته.
5- محاولة تشتيت انتباه الطفل لشيء آخر ولفت نظره إليه حتى يتوقف عن البكاء.
الوقاية خير من العلاج
كما يقول المثل الشهير، الوقاية خير من العلاج، فإن محاولة تفادي تلك النوبات سيكون أفضل من التعامل معها وقت حدوثها. من تلك الخطوات الاستباقية التي تساعد على منع تلك النوبات قبل أن تبدأ:
1- تحديد أكثر الأوقات التي يكون فيها طفلك أكثر عرضة لنوبات الغضب؛ هل هي عندما يشعر بالجوع؟ أم عندما يكون مُجهَداً؟ إذا كان الأمر كذلك، يجب أن توفّر له الراحة أو تناول وجبة خفيفة مثلاً، وتجنّب الخروج للتسوّق في هذا الوقت أو دفعه للقيام بنشاط يتطلب مجهوداً.
2- أحياناً تكون نوبات الغضب نتيجة لتوقعات الطفل غير المناسبة؛ فإذا اعتاد الحصول على لعبة كلما ذهب إلى المتجر، فقد يتوقع أنك ستشتري له لعبة في كل مرة تزور فيها المتجر. يمكن أن يكون التعليم المسبق طريقة رائعة لمساعدة الأطفال على تكوين توقعات واقعية، كإخباره قبل الذهاب للتسوّق أنك ستشتري بعض البقالة فقط.
3- مكافأة طفلك على حسن إدارة مشاعره بمدحه، والإشارة إلى أن تصرفه كان جيداً.
4- الاستماع الجيد إلى الطفل ومساعدته على التعبير عن مشاعره دون خوف.
5- الحد من التوتر؛ فالأطفال المُتعبون والجائعون والمُجهَدون هم الأكثر عرضة لنوبات الغضب.
6- مساعدة الأطفال على تعلم مهارات جديدة ومدحهم لمساعدتهم على الشعور بالفخر بما يمكنهم فعله. يمكن البدء بشيء بسيط قبل الانتقال إلى الأشياء الأكثر صعوبة.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون الملل مصدراً لإبداع طفلك؟
نوبات الغضب جزء من مرحلة الطفولة
إن نجاح طريقة التعامل مع الطفل خلال نوبات الغضب يبدأ بملاحظة المحفزات التي تؤدي إلى ذلك؛ فإذا تعرفت على نمط أو سبب يؤدي إلى ضرب طفلك لنفسه، فقد تتمكن من منع حدوث المشاكل قبل أن تبدأ، فتلك النوبات شائعة وغالباً ما تكون جزءاً طبيعياً من مرحلة الطفولة حيث لا يزال الطفل يتعلم كيفية التعبير عن مشاعره.
فالهدف من التعامل مع نوبات الغضب عند الأطفال بحكمة هو تعليم الطفل الطرق المناسبة اجتماعياً للتعامل مع مشاعره، وتعليمه أساليب صحيّة للتعبير عن نفسه تستمر معه في مراحل حياته المختلفة.