هل يمكن أن يكون الملل مصدراً لإبداع طفلك؟

في بعض الأحيان؛ تدفع رغبة الآباء في خلق حياة أفضل لأبنائهم، إلى جدولة كل لحظة في يومهم وملئها بالأنشطة التعليمية أو الرياضية أو غيرها
https://www.shutterstock.com/
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في بعض الأحيان؛ تدفع رغبة الآباء في خلق حياة أفضل لأبنائهم، إلى جدولة كل لحظة في يومهم وملئها بالأنشطة التعليمية أو الرياضية أو غيرها؛ إذ يجدون أن ترك الأولاد من دون فعل شيء سيؤدي حتماً لمضيعة الوقت والشعور بالملل.

أدت جائحة كوفيد-19 دوراً هاماً في إبراز فكرة الملل وبلورتها بالنسبة للكبار والصغار على حد سواء، ففي حين أنها أدّت لحدوث بعض التغيرات في نظام العمل بالنسبة للآباء، فعلت المثل بالنسبة لنظام التعليم، فأصبح الأطفال يقضون أوقاتاً أطول في المنزل، ولربما دفع ذلك الآباء لمحاولة إضافة بعض الأنشطة التعليمية وغيرها لشغل أوقات أبنائهم وجعلها أكثر إفادةً لهم.

لكن ذلك لم يكن رادعاً للملل؛ ذلك الشعور الذي يوصم في كثير من الأحيان بالمشاعر السلبية، ويحاول الكثيرون الهرب منه بالاندماج في إنجاز أي شيء، لمجرد تجنُّبه، غافلين عن حقيقة ما قد يحمله في طياته من منافع؛ والتي لا يمكن تحفيزها خلال أوقات الانشغال.

اقرأ أيضا: طفلي لا يحترمني ويصرخ على ويضربني.

الملل محفّز

قبل معرفة فوائد الملل وكيفية الاستفادة منه، فإن معرفة ماهيته في الأساس أمر ضروري. توضح ساندي مان؛ الكاتبة وكبيرة محاضري علم النفس بجامعة Central Lancashire بإنغلترا، في تعريفها للملل بأنه ذلك الشعور الذي يتولّد نتيجة عدم نجاح العقل في إيجاد محفّز له، فإذا كنت تبحث عن شيء يثير إعجابك، ولم تجد ما يرضيك، فإن هذا الشعور بالإحباط يُسمى الملل.

وتضيف مان أن الأطفال يبحثون باستمرار عن التحفيز أثناء محاولتهم فهم العالم من حولهم؛ وهو أمر إيجابي حقاً، وإذا تعلمنا كيفية الاستجابة للملل بطريقة ذات مغزىً، فيمكن أن يشعل ذلك إبداعنا ويكون محفّزاً لنا. لكن في هذه الحالة؛ يجب أن يختلف منظورنا بعض الشيء، فيجب أن نسعى للأنشطة التي لا تعطي رضاً فورياً وقصيراً؛ ولكن تلك التي تترك أثراً يدوم على المدى الطويل.

إذاً؛ الملل ليس بالشيء السيء، فهذا الوقت قد يكون مليئاً بالإمكانيات الإبداعية التي تساعد في بناء المهارات الحياتية للطفل. تنصح مان الوالدين بعدم الشعور بالخوف من الملل، والقلق من أنهم قد لا يحفزون أطفالهم بشكل كافٍ، وأن عليهم السماح للأطفال بالتوقف عن العمل، والبحث الدائم عن إنجاز شيء ما، وتشجيعهم عوضاً عن ذلك لإيجاد طرق ملهمة ومختلفة لقضاء أوقاتهم.

فوائد الشعور بالملل للأطفال

1. الإبداع

تقول مان أن الفائدة الرئيسية من الشعور بالملل هي الإبداع؛ يتحقق ذلك بالسماح لعقول الأطفال أن تتجوّل، وتكون لديهم الحرية ليحلموا بأحلام اليقظة، ويستنطبوا منها أفكاراً مختلفةً، وكذلك تجربة أشياء جديدة قد تمكّنهم من حل المشكلات بطريقة أكثر إبداعاً. فكل ذلك يساعد على شحذ إبداعهم، وسيساعدهم مستقبلاً في تحسين قدرتهم على التعامل مع التحديات بشكل أفضل مع التقدم في العمر.

لكن من المهم عدم خلط الإبداع بالفن، فليس كل الإبداع فناً؛ في الحقيقة يتعلق الأمر بابتكار أفكار جديدة، وحل المشكلات بطرق مبتكرة. فلتنمية عضلاتهم الإبداعية؛ يحتاج الأطفال إلى الوقت للتفكير، والحافز لابتكار شيء جديد. يمكن أن يساعد ذلك الأطفال على التفكير خارج الصندوق في حل المشكلات التي تبدو صغيرةً بالنسبة للكبار؛ ولكنها ضخمة ومهمة بالنسبة لهم.

2. إدراك العالم بشكل أفضل

يمكن أن يساعد الملل الأطفال على أن يكونوا حاضرين في اللحظة الحالية، ومدركين للعالم من حولهم، فواحد من الأشياء الممتعة بالنسبة للأطفال هو فضولهم وانبهارهم بالأشياء الصغيرة التي يتخذها الكبار كأمر مسلَّم به؛ مثل ألوان فراشة على النافذة، وأصوات شاحنة عابرة، وطريقة تساقط الأمطار، فملاحظة الأطفال لتلك الأشياء وتأملها من إحدى طرق تعلّمهم.

لتحقيق ذلك؛ يحتاج الأطفال من والديهم توفير المساحة لهم حتى يجذبهم العالم من حولهم، فعدم السماح لهم بالشعور بالملل سيقلل من إمكانية اكتشافهم إلى أي مدىً العالمُ المحيط مثير وبه أشياء ممتعة للاستكشاف. فإذا كان الأطفال دائماً مشغولين بالشاشات أو الأنشطة أو الألعاب الجديدة، فلن تتاح لهم فرصة الاكتشاف التي تساعد على تحسين مهارات الانتباه وضبط النفس.

3. استراحة الدماغ

 على الرغم من أن أدمغة الأطفال تحتاج إلى تحفيز؛ لكنهم يحتاجون أيضاً إلى فترات نقاهة. يمكن تحقيق ذلك من خلال الأنشطة التي تساعد على تهدئة عقولهم، والشعور بالهدوء، وإتاحة المجال لأحلام اليقظة التي ترتبط بمهارات معرفية أفضل، والقدرة على التفكير خارج محيطهم المباشر.

4. تعزيز الاستقلال

إن حشو جداول الأطفال المليئة بالأنشطة قد يؤدي إلى حدوث أزمة تبعية؛ وهي اتجاه يتمثل بعد ذلك في عدم قدرتهم على إدارة وقتهم أو تحمل المسؤولية عن أنفسهم.

على الرغم أن الأنشطة المنظمة جيدة بالنسبة لهم لتعلم مهارات وتكوين صداقات جديدة؛ لكن اللعب غير المنظم يساعدهم على تطوير مجموعة مختلفة من المهارات والعلاقات المهمة، فذلك الملل الذي قد ينبع من تلك الأوقات غير المنظمة يساعدهم على تعلُّم الاكتفاء الذاتي والمشاركة والوعي بالعالم من حولهم. الهدف هو تعليم الأطفال كيفية إدارة مللهم حتى يتمكنوا من تطوير استقلاليتهم.

5. التسامح مع التجارب الأقل مثاليةً

يساعد الملل أيضاً الأطفال على تطوير استراتيجيات التخطيط، ومهارات حل المشكلات والمرونة، والمهارات التنظيمية؛ تلك القدرات الأساسية التي قد يفتقر إليها الأطفال الذين عادةً ما تكون حياتهم منظمةً بشكل كبير.

يساعد تطوير هذه المهارات الأطفال على إدارة مجموعة متنوعة من المهام الأكاديمية بشكل أفضل؛ مثل التخطيط لمهام طويلة الأجل، والمرونة عند العمل في مشاريع جماعية والمهارات الاجتماعية.

امنح طفلك الوقت ليشعر بالملل

إن تبنّي الملل بصورة إيجابية لا يتطلّب الكثير، فلا تقلق بشأن الأنشطة المنظمة أو الألعاب المتطورة. في البداية؛ امنح طفلك الصغير الوقت ليشعر بالملل، ودعه يتعلم كيف يتعامل معه ويحرر نفسه؛ حيث يساعد ذلك على إطلاق العنان لمخيلته لتبحر في عالم من الإبداع.

كذلك؛ عليك بتوفير بعض الأشياء الأساسية – أشياء لإعادة التدوير؛ مثل الصناديق، وأدوات تزيين الملابس، والأواني وغيرها، ودعه يأخذ زمام المبادرة في صناعة أشياء منها وابتكار حلول.

أيضاً؛ حاول أن تقترح أنشطةً مفتوحةً بحيث لا تكون لها نتيجة ثابتة؛ كالبقاء في الهواء الطلق واكتشاف الطبيعة ومكوناتها، ودع طفلك يأخذ زمام المبادرة.

بالإضافة إلى ذلك؛ رحِّب بالملل في حياتك أيضاً، وكن نموذجاً يُحتذى به، فإذا رآك طفلك تستجيب للملل بطريقة إبداعية؛ سيتعلم الترحيب به أيضاً.

احتضان الشعور بالملل بدلاً عن النفور منه

إن الهدف من ذلك الملل هو حصد عدد من الفوائد قد يغفل عنها الآباء، موجهين نظرهم صوب الإنجاز الدائم وشغل الوقت لأبعد الحدود. إن الملل ليس بالشيء السيئ لتجنبه، فقط يجب التعامل معه بطريقة أفضل لحصد فوائده.

وأخيراً؛ ليس الملل بحد ذاته هو الذي يساعد الأطفال على اكتساب هذه المهارات؛ إنه ما يفعلونه مع الملل، فملء جداولهم وأدمغتهم باستمرار لن يجعلهم في حاجة إلى التخيل، أو التساؤل عن كيفية عمل الأشياء، أو خلق شيء من لا شيء.

 

المحتوى محمي !!