لا تدوم الصداقة بالضرورة إلى الأبد. فمثل الحب يمكن أن تضيع في متاهة النسيان أو تنتهي بعد عنف الانفصال. فيما يلي قدمت عالمة الاجتماع النفسي دومينيك بيكار، مراجعة عن الأسباب التي تؤدي إلى "نهاية علاقة الصداقة".
لماذا تنتهي الصداقة؟ لأنها تقوم بالأساس على المثالية وهذا ما يؤدي إلى إمكانية انهيار أو تلاشي العلاقة فجأة. إما أن تدرك أساسيات هذه العلاقة لحمايتها من الانهيار أو أن تقبل بسهولة أنه لم يعد لها مكان في حياتك. تبدأ العلاقة بانجذاب الطرفين لبعضهما البعض؛ حيث نجد الجمال والذكاء والرقي في الآخر. وباختصار يكون هو ذاك الصديق الرائع الذي طالما نبحث عنه، وهكذا نكون فخورين بقدرتنا على جذب انتباه شخصية مُبهرة.
كسر ميثاق عدم الاعتداء على الصديق
في الحقيقة تظهر العقبات بين الصديقين تدريجياً لأن صفاء المشاعر نادراً ما يتم إبرازه. وإذا كانت علاقة الصداقة وطيدة فسيتأثر كلاهما بذلك أيضاً. يسعدنا أن يكون لدينا أصدقاء جذابون على الرغم من أننا في ذات الوقت نحسدهم.
الرابطة الودية قائمة على ميثاق عدم الاعتداء على الآخر؛ لكنها تَضعف بسبب الغيرة والتنافس. وهما تصرّفان يُعتبران أيضاً جزء من العلاقة، فإذا كنا نتشارك نفس الميول من المحتمل أن نتنافس مع بعضنا البعض.
في هذا الشأن؛ تحذر عالمة الاجتماع النفسي دومينيك بيكار: "توجد في الصداقة كل أنواع العداء. أحياناً يكون كل ما يتطلبه الأمر هو مجرد ملاحظة بسيطة لتظهر العدوانية التي كانت في داخلنا".
لذلك ليس من السهل الاعتراف دائماً بالتناقض الطبيعي الذي يكمن وراء الارتباط. إن إدراك الأمر وربما التحدث مع الآخر عندما يجرح عاطفتنا، يمكن أن يساعد في نزع فتيل انفجار قاتل كان سيحدث.
نهاية الأوهام
الصداقة قائمة على الأساطير. تقول الأسطورة الأولى أنه من المفترض أن يتعامل الطرفان بالمثل في الصداقة". وفي الواقع؛ غالباً ما تكون المودة غير متوازنة. كما أنه بمرور الوقت يصبح هذا الخلل في التوازن أكثر وضوحاً.
تشير دومينيك بيكار دائماً إلى أن هناك صديقاً يستثمر في العلاقة بصفة أقل. وإذا لم ينتبه الشخص المقابل الذي يشعر بأنه مهجور أو لم يلاحظ أي تغيير في العلاقة، فإن التعب والشعور بالمرارة يلغي هذا الرابط تدريجياً.
بالإضافة إلى ذلك؛ هناك أسطورة أخرى وهي ما تسميها دومينيك بيكار افتراض التشابه. وهذا ما يجعلنا نعتبر أن الصديق يعكس صورتنا ويشبِهنا في كل شيء. تشرح عالمة الاجتماع النفسي: "في البداية نقدم صوراً جدية عن أنفسنا ونلعب مع بعضنا البعض دور المرآة التي تعكس تشَابهنا". لذلك لن يتوجّب على الآخر مشاركة عواطفنا ومعتقداتنا فحسب بل عداوتنا أيضاً.
بمرور الوقت يمكن اعتبار الاختلافات في الآراء بمثابة خيانة. لا يمكن أن تدوم العلاقة إلا بشرط قبول الآخر وعدم إنكاره. أخيراً كما في الحب؛ نشعر في الصداقة أن الآخر يميزنا وهذا ما يجعلنا مثاليين. تلخص دومينيك بيكار: "إنه يمنحنا الشعور بالوجود والأهمية، فأنت تعتبرني أفضل من الآخرين مثلما أرى نفسي تماماً".
إذا أصبحت نظرة الصديق انتقادية، فإننا نفقد الإحساس بقيمتنا. الحل الوحيد حتى لا تتضرر صورة الذات التي أصبحت محط أنظار الآخر هي المعاملة بالمثل. وبالتالي تثبت هذه المعادلة صحة ما قاله الكاتب الفرنسي الشهير فرانسوا دي لاروشفوكولد الذي يعتبر الصداقة "علاقة تبادلية ودية مثمرة".
اختلال في الأدوار
تعتمد الصداقات على السياق والوضع الذي تتشكل فيه. فعلى سبيل المثال؛ تقربت صديقتان تبلغان من العمر 20 عاماً من بعضهما البعض بشدة في بداية حياتهما المهنية، وحَاربتا الشدائد متّحديتين العقبات لتحقيق النجاح.
لقد نجَحتا بالفعل وقرّرتا العمل معاً في مشروع مشترك. ولكن عندما تعلق الأمر بتوزيع المهام فإن استبداد إحداهما -والذي قَبِلت به الصديقة الأخرى منذ فترة طويلة لأنها شعرت بالحماية- أصبح أمراً لا يطاق. لقد شعرَت بالقمع من خلال تصرفات الطرف الآخر.
لقد اكتشفت هذه الصفة في صديقتها لكنها كانت تتوافق معها في ذلك الوقت. الآن تأبى أن تؤدي دور المفعول بها مرة أخرى. "فإذا كان المهيمن يفرض اختياراته على المُسَيطَر عليه؛ تتلاشى القدرة على تحمل الملاحظات المؤذية وبالتالي سيبحث عن حياة جديدة، ثم ينتهي به الأمر برفض الشخص الذي يحزنه". وبحسب دومينيك بيكار: "لقد تغيرت مبادئ العلاقة". وهكذا يختفي كل من الصداقة ووتد الارتباط بين الأصدقاء. وأحياناً يكون هذا هو الثمن الذي ندفعه مقابل الحرية.
هؤلاء الأصدقاء الذين لا يتمنون لك التوفيق
فيما يلي عَرْض للشخصيات السامة التي يجب تجنبها، مقتبس مما أوردته الفيلسوفة وعالمة النفس أريان بيلهيران في كتابها: "كن مشمساً" (Soyez Solaire):
● مصدر الطاقة السلبية:
يسبب وجوده شعوراً فورياً بعدم الراحة الجسدية والقلق. يغذّي فراغه الداخلي على الألم الذي يسببه للآخرين. علاوة على ذلك؛ يدمر طاقة الآخرين ليشعر بالكمال، فكلما شعرت بالسوء زاد إشعاعه.
● المجترّ:
لست أنت من تجتر الأفكار بل هو نفسه. إنه يفكر ملياً في مخاوفه ويبدو أن هذه الوتيرة الداخلية تخلق مخاوف جديدة. إن نظرته المتشائمة للوجود تؤثر في نظرتك إلى الحياة، وإذا اقتربت منه أكثر من اللازم فإنك ستتعرض لبعض العقبات مثله تماماً.
● المحقق:
يقضي كل وقته في الحكم عليك. إنه ذلك الشخص الذي تشعر دائماً بأنه يتبع خطواتك بعينه الناقدة. سلوكه فظّ معك ولكنه لطيف مع نفسه ويمجد حضوره". تشعر بأنك محدود الطاقة معه؛ محكوم عليك ومحل انتقاده اللاذع دائماً، وهذا لأنك تركت له مساحة شاسعة ليتحكم في سلوكك وأفكارك وعواطفك. لذلك ينبغي عليك أن تتشجّع وتقطع هذه العلاقة لأنها سامة.