ملخص: إن فعل الأشياء ذاتها كل يوم يمكن أن يعزز صحتك النفسية والجسدية؛ وذلك لأن اتباع روتين يومي لا يُبقيك منظماً فحسب؛ لكنه يساعدك مساعدة كبرى على إنجاز مهامك اليومية وإدارة وقتك بكفاءة وفعالية، وإليك في هذا المقال المزيد عن فوائد الروتين اليومي وكيف تستثمره لصالحك.
محتويات المقال
فور أن أفتح عينيّ في الصباح، يبدأ عقلي التفكير باتخاذ بعض القرارات؛ هل أضغط على زر الغفوة وأسرق لحظات قصيرة من النوم أم أستيقظ على الفور؟ هل القهوة أولاً أم الاستحمام؟ ماذا يجب أن أتناول على الفطور؟ والحقيقة أن هذه القرارات، على الرغم من بساطتها، يمكنها أن تجعلني أشعر بالقلق والتوتر، خاصة وأن هناك الكثير من المهام التي تنتظرني على مدار اليوم مثل العمل والتنظيف والطهو ورعاية أفراد الأسرة، وأصدقكم القول إنني كنت أعدّ الروتين أمراً مملاً وخانقاً وينم عن عدم الإبداع؛ لكنني كنت مخطئة للغاية، وسأخبركم من خلال هذا المقال لماذا قد يفيدكم الروتين اليومي وكيف تستثمرونه لصالحكم.
ما الروتين اليومي؟
هو مجموعة من السلوكيات المتكررة التي تفعلها يومياً؛ مثل الاستيقاظ من النوم وتناول طعام الإفطار والذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية. ويهدف الروتين إلى تنظيم المهام اليومية في نمط يبدو أسهل في الإنجاز، والحقيقة أن أنشطة الروتين اليومي لا تقتصر على السلوكيات الإيجابية، فأحياناً قد نتبع روتيناً يشمل الكثير من الأمور السلبية؛ مثل السهر حتى وقت متأخر من الليل وتناول الوجبات السريعة الغنية بالدهون وشرب الكثير من الكافيين.
وفي هذا السياق، تؤكد أستاذة علم النفس، جودي فان رالت (Judy Van Raalte)، إن الروتين اليومي الإيجابي يعزز العادات الصحية ويخفف حدة القلق والتوتر. وعلى الجانب الآخر، يعتقد المعالج النفسي، أحمد هارون، إن الروتين اليومي لا يقتصر على السلوكيات المتكررة فحسب؛ ولكنه يمتد ليشمل الأفكار التي تراودنا يومياً والمشاعر التي نحس بها.
اقرأ أيضاً: كيف تجعل روتينك الصباحي معززاً لثقتك بنفسك؟
كيف يحسّن الروتين اليومي جودة حياتك ويعزّز صحتك النفسية؟
توضح المعالجة النفسية، لورين بيرد (Lauren Baird)، إن الروتين يساعد على تحقيق التوازن في الحياة؛ ما يخلق مزيجاً مثالياً من العمل والراحة والنوم والاسترخاء الذي نحتاج إليه للشعور بالرضا والسعادة. وتضيف بيرد إن صخب الحياة العصرية وضجيجها يرفعان مستويات التوتر؛ لهذا من المهم الالتزام بالروتين اليومي الذي يحسّن جودة حياتك من خلال:
- تعزيز الإنتاجية: يساعدك الروتين اليومي المنظم على تحديد أولويات المهام وتخصيص وقتك بكفاءة، ومن خلال معرفة ما يجب إنجازه، يمكنك ترتيب مهامك بفعالية؛ ما يؤدي إلى أيام أكثر إنتاجية وإحساس أكبر بالإنجاز.
- ترسيخ العادات الصحية: يعد الروتين اليومي إطاراً لتنمية العادات الصحية؛ بما يشمل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، أو تخصيص الوقت من أجل اليقظة الذهنية، أو ضمان اتباع نظام غذائي متوازن؛ حيث إن الروتين يوفر البنية اللازمة لترسيخ العادات الإيجابية والحفاظ عليها. علاوة على ذلك، يعزز الروتين الذي يتضمن النوم الكافي والوجبات المنتظمة وفترات الراحة للاسترخاء عملية الحفاظ على مستويات الطاقة طوال اليوم.
- تخفيف الشعور بالقلق والتوتر: إذا كنت تعاني التوتر أو القلق، فمن المهم أن تلتقط أنفاسك وتجلس لتحدد ما يُقلقك وتعالج هذه المخاوف. وبصفة عامة، يمكن أن يسهم الروتين اليومي في تقليل الشعور بالقلق والتوتر؛ لأن تخطيطك الأنشطة والمهام التي ستنجزها سوف يساعدك على تخفيف القلق بشأن المجهول؛ حيث إن خط سير يومك عبارة عن سيناريوهات يمكن التنبؤ بها؛ ما يسمح لعقلك بالهدوء والاسترخاء قليلاً.
- تعزيز الإبداع: كنت أظن، لفترة طويلة من الزمن، أن الروتين اليومي يقتل الإبداع، وأن الفوضى من سمات المبدعين؛ ولكني كنت مخطئة للغاية، فالروتين يحافظ على الطاقة المعرفية اللازمة لعملية الإبداع. وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب الروائي الياباني الشهير، هاروكي موراكامي (Haruki Murakami)، إنه يستيقظ كل يوم في الرابعة صباحاً، ثم ينخرط في العمل الإبداعي مدة 5-6 ساعات، ثم ينخرط في ممارسة الرياضة وبعدها القراءة والاستماع إلى الموسيقا. ويوضح موراكامي إنه يحافظ على هذا الروتين دون أي تغيير؛ وهو الأمر الذي ساعده على الوصول إلى حالة ذهنية أعمق.
- الاستمتاع بوقتك الخاص: يتيح لك الروتين اليومي الاستمتاع بوقتك الخاص ومتابعة شغفك يوماً بعد يوم، ففي البداية، سوف تخصص الوقت من أجل الرسم أو الكتابة أو تعلم الموسيقا، وبمجرد أن يصبح الأمر روتينياً سوف يتدفق إبداعك في مواهبك الخاصة؛ وذلك لأن الممارسة اليومية ستؤدي إلى الإتقان.
- إدارة الوقت بفعالية وكفاءة: عندما يكون لديك روتين يومي، يقل الوقت الذي تقضيه في اتخاذ بعض القرارات. على سبيل المثال؛ حين أستيقظ في الصباح لن أفكر في الطعام الذي سأتناوله على الفطور لأني أعرف الإجابة مسبقاً! علاوة على ذلك، يساعد الروتين على التنقل بسلاسة بين المهام، فحين أنتهى من واحدة سأتنقل إلى الأخرى دون الكثير من التفكير؛ وهو ما يعني إدارة وقتي بفعالية وكفاءة.
- تحديد الأولويات: يساعد الروتين اليومي على تحديد الأولويات، وبدلاً من اتخاذ القرارات عشوائياً كل يوم، نحن نعرف بالفعل المهام التي يتعين علينا إنهاؤها وبأي ترتيب لأننا خططنا لها بعناية. على سبيل المثال؛ من يرغب في ممارسة الرياضة أو التأمل، سوف يخصص وقتاً في روتينه اليومي لدمج الرياضة أو التأمل لأنه أضحى واعياً بأهدافه وأولوياته.
- تقليل الحاجة إلى العزيمة وقوة الإرادة: عندما نُنظّف أسناننا في الصباح، لا يتطلب الأمر الكثير من التصميم أو قوة الإرادة لأنه من الطقوس اليومية، فنحن لا نفكر في ضرورة تنظيف أسناننا؛ نحن نفعل ذلك ببساطة، ويمكن أن ينطبق ذلك على باقي المهام عندما نتبع روتيناً يومياً.
اقرأ أيضاً: روتين بسيط وفعال للقضاء على حالة الأرق والنوم بسرعة
5 نصائح فعالة لوضع روتينك اليومي واستثماره لصالحك
ترى أستاذة علم النفس بكلية الطب في جامعة نيويورك (The NYU School of Medicine)، راشيل غولدمان (Rachel Goldman)، إن الافتقار إلى التنظيم والروتين يؤدي إلى تفاقم مشاعر الضيق ويجعلك تولي اهتماماً أكبر إلى مشكلاتك، وإحدى أهم طرائق الخروج من دائرة اجترار مشاعر الحزن والضيق والتوتر هي وضع روتين يومي، وذلك من خلال اتباع النصائح التالية:
- اكتشف سبب رغبتك في وضع الروتين: وفقاً لما ذكرته أستاذة علم النفس السريري، صوفي مورت (Sophie Mort)؛ فإن أحد الأسباب الرئيسة التي تمنع بعض الأشخاص من الاستمرار في الروتين هي أنهم غير متأكدين من رغبتهم في وضعه من الأساس، ولا يستطيعون رؤية فوائده على المدى الطويل، فعلى سبيل المثال؛ لقد سبق أن قررت في إحدى السنوات الماضية أن أستيقظ مبكراً كل يوم؛ ولكني لم أحدد ماذا سأفعل في هذا الوقت من الصباح، فعدت بعد مدة قصيرة إلى النوم حتى وقت متأخر. ولهذا؛ عليك أن تكتشف في البداية سبب رغبتك في الروتين، وماذا ومَن ستكون في المستقبل إذا تمكنت من الالتزام به، وما الإيجابيات والسلبيات الحقيقية لبدء هذا الروتين من عدمه.
- ادمج أنشطة الرعاية الذاتية: تعد الرعاية الذاتية جانباً أساسياً في أي روتين، وهي أمر حيوي للحفاظ على صحتك النفسية والجسدية، ويُقصد بالرعاية الذاتية تخصيص الوقت للتركيز على نفسك وإعادة شحن طاقتك وتجديد نشاطك حتى تتمكن من التعامل مع اليوم بالطاقة والعقلية الإيجابية. وينبغي ألا يكون دمج أنشطة الرعاية الذاتية في روتينك مستهلكاً للوقت أو مكلفاً. لهذا؛ ابحث عن لحظات طوال يومك للممارسات التي تجعلك تشعر بالسعادة وتحافظ على توازنك، وفيما يلي بعض أنشطة الرعاية الذاتية التي تجب مراعاتها:
- التأمل واليقظة الذهنية: اقضِ بضع دقائق كل يوم في التأمل أو ممارسة تمارين اليقظة لتقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية والوضوح الذهني.
- ممارسة التمارين الرياضية: انخرط في النشاط البدني الذي تستمتع به، سواء كان الركض في الصباح، أو جلسة يوغا، أو المشي السريع في أثناء استراحة الغداء.
- الهوايات: خصص وقتاً للهوايات أو الاهتمامات التي تجعلك سعيداً وتساعدك على الاسترخاء؛ مثل القراءة أو الرسم أو الرقص على أنغام الموسيقا.
- تناول الأكل الصحي: ابذل جهداً لدمج الأطعمة المغذية في نظامك الغذائي، فذلك يحسّن مزاجك ويرفع مستويات الطاقة لديك.
- التخلص من السموم الرقمية: خصص وقتاً للانفصال عن الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لتقليل التوتر وتحسين جودة النوم.
- قضاء الوقت بصحبة العائلة والأصدقاء: اقضِ وقتاً ممتعاً مع عائلتك أو أصدقائك المقربين أو حيواناتك الأليفة، لتقوية العلاقات وتعزيز الشعور بالرضا.
- ممارسة الامتنان: احتفظ بمذكرة امتنان للتفكير في الأمور الإيجابية التي تشعر بها يومياً؛ وذلك من أجل خفض مستويات التوتر وتنمية المشاعر الإيجابية.
- حدد أولوياتك: قبل أن تضع روتينك اليومي، يجب أن تفهم بوضوح ما الأكثر أهمية بالنسبة إليك؛ ولذلك خذ بعض الوقت للتفكير في قيمك وأهدافك، سواء على المدى القصير أو الطويل، فذلك سيساعدك على تحديد أولويات المهام والأنشطة التي تتوافق مع قيمك وتقربك من أهدافك. أدرِج أهم أولوياتك، واحتفظ بها في مكان مرئي لتكون تذكيرات لك عند التخطيط لروتينك.
- لا تضع الكثير من المهام وكن واقعياً: حين تخطط لروتينك اليومي، لا تدمج الكثير جداً من الأنشطة؛ لكن حاول تقسيم يومك إلى فترات زمنية ثم حدد المهام لكل فترة، وكن واقعياً بشأن الوقت المطلوب لكل مهمة، ولا تنسَ تضمين فترات الراحة ووقت التوقف عن العمل لتجنب الإرهاق.
- راجع روتينك كل فترة: وذلك من أجل تقييم فعاليته، ومن وقت إلى آخر، اسأل نفسك: "هل أحقق أهدافي؟ هل هناك مجال للتحسين؟". وبعد إجابة هذه الأسئلة، كن منفتحاً لتعديل روتينك بناءً على الأولويات والظروف المتغيرة.