ملخص: يتناول هذا المقال التحديات الفريدة التي يواجهها الشريكان عن بعد في علاقتهما، والعوامل التي يمكن أن تسهم في نجاح العلاقات العاطفية عن بعد نظراً إلى الصعوبات التي يمكن أن تتعرّض إليها بسبب بعد المسافة وعدم القرب الجسدي بين الشريكين.
محتويات المقال
لقد مهّدت التكنولوجيا لعصر الارتباط العاطفي عن بعد، وأسّست لديناميكياته المتطوّرة القائمة على التواصل على الرغم من بعد المسافات؛ حيث يتمكّن الأشخاص من البقاء على اتصال ومشاركة حيواتهم اليومية من خلال الصور واتصال الفيديو والرسائل النصية؛ ما يساعد على سد الفجوة التي يخلقها البعد المكاني والزماني الكبيران في بعض الحالات؛ غير أن هذه الميزة قد تتلاشى بوجود صعوبات تفرضها طبيعة العلاقة.
توضّح المعالجة النفسية، يارا سنجب، إن العلاقة العاطفية عن بعد تنقسم إلى فئتين، فثمّة العلاقات التي بدأت بالتقاء الشريكين وجهاً لوجه ثمّ تباعدهما لأسباب متنوعة؛ ما يسمح بتكوين الثقة وتطوير التواصل ونوعٍ من التعوّد بين الطرفين. أما النوع الثاني فيشمل العلاقات التي تبدأ أونلاين وتستمرّ بهذه الطريقة؛ ما يجعل منها النوع الأصعب لأنها تكون معرّضة إلى الفشل أكثر إذا لم يلتزم الشريكان بالحفاظ عليها وتطويرها.
ما الأسباب المحتملة وراء صعوبة نجاح العلاقات العاطفية عن بعد؟
في عالمٍ أصبح فيه الجميع متصلاً بالإنترنت، تضاعفت فرص التعرّف إلى أشخاصٍ في مناطق جغرافية بعيدة والارتباط العاطفي بهم على نحو كبيرٍ مقارنةً بوقتٍ كان فيه هذا النوع من العلاقات نادراً، ويحدث عادةً في وقت لاحقٍ من الحياة الزوجية لأسبابٍ مثل التعليم أو العمل أو الخدمة العسكرية.
لكن الآن، وبفضل الإنترنت، يمكن للأشخاص أن يقعوا في الحب، ويقيموا علاقاتٍ عاطفية حتى قبل أن يلتقوا شخصياً. وعلى الرغم من الدور المهم الذي تؤديه التكنولوجيا ووسائل التواصل في تسهيل التواصل وتسريع وتيرة نشوء العلاقات، تتعرّض العلاقات العاطفية عن بعد إلى تحدياتٍ مثل أيّ نوعٍ آخر من العلاقات لكنّها قد تكون ذات طابعٍ خاصٍ بسبب بعد المسافة الجغرافية بين الشريكين. ويمكن تلخيص أبرز تلك الصعوبات كالآتي:
- الضغوط المالية: وتتعلّق في أغلبها بتكاليف السفر، والالتزامات المالية للسفر المتكرّر بالطائرة؛ إذ يحتاج الشركاء في العلاقات عن بعد إلى وضع ميزانيات خاصة بتكاليف السفر مثلما يفعلون مع أيّ تكاليف أساسية أخرى.
- مشاعر الغيرة: يمكن للأشخاص الذين تربطهم علاقات عاطفية عن بعد أن تتطوّر لديهم مشاعر الغيرة تجاه أصدقاء الشريك الموجودين معه في المدينة نفسها ويقضون معه الكثير من الوقت.
- احتمالية الخيانة: نظراً إلى حاجة الناس إلى التفاعلات الاجتماعية وجهاً لوجه؛ قد تزيد احتمالية تطوير أحد الشريكين علاقة حميمة أو الوقوع في حب شخص آخر خلال غياب شريكه.
- التوقعات غير الحقيقية: قد يعتقد الشركاء عن بعد أن وجودهم مع بعضهم بعد التقائهم سيكون سحرياً وغايةً في الرومانسية دائماً؛ بينما الحياة الواقعية بين أي شريكين تكون مختلفة عن ذلك؛ ما قد يُصيبهم بخيبة أمل واستياء لأن العلاقة لم تكن بالشكل الذي تخيّلوه.
- تجاهل المشكلات القائمة: يسهل تجاهل مشكلات العلاقة القائمة لأن الشريكين قد ينسبانها عادةً إلى بعد المسافة وافتقاد بعضهما لبعض، عوضاً عن إدراك الأسباب الفعلية وراءَها.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر بُعد المسافة في العلاقات العاطفية؟
كيف تتأثّر صحتك النفسية إن كنت في علاقة عاطفية عن بعد؟
يمكن أن تخلق العلاقة العاطفية عن بعد تحديّات أمام التواصل الصحّي بين الطرفين، فتؤثّر في صحتهما النفسية، ناهيك بأن عيشهما بعيداً عن بعضهما قد يؤدّي إلى رفع مستويات التوتّر لديهما وفقاً لنتائج دراسةٍ أشرف عليها باحثون من جامعة أدلر (Adler University) في شيكاغو الأميركية.
حيث أظهرت الدراسة أن عدم القرب الجسدي، والفكري، والعاطفي من الشريك، قد لا يولّد ما يكفي من هرمون الدوبامين الذي يُشعر الشريكين بالسعادة في العلاقة العادية؛ ما يؤثّر في صحة الأمعاء.
ولكن الدراسة نفسها أظهرت أن الأزواج في العلاقة عن بعد قد يشعرون بقلقٍ واكتئاب وتعب أقل، وقد يميلون إلى سلوكيات أفضل في النظام الغذائي، وممارسة التمارين الرياضية. ويؤكّد الباحثون إنه على الرغم من الصعوبات المحتملة، فمن الممكن أن تزدهر هذه العلاقات لأنها قد تعزّز التقارب العاطفي.
كيف يمكن أن تنجح العلاقة العاطفية بين الشريكين عن بعد؟
تضع المختصة النفسية، يارا سنجب، بعض المقومات لنجاح العلاقة العاطفية عن بعد؛ حيث توضّح إن أحدها هو الاتفاق حول شكل العلاقة بوصفها علاقة عن بعد لمدة زمنية محدّدة، ثمّ الاتفاق حول أسسٍ معينة يختارها الطرفان؛ مثل مشاركة التفاصيل والأنشطة والروتين اليومي كلما أمكن.
أما الاختصاصية النفسية والاجتماعية، عليا شماط، فتؤكّد ضرورة معرفة السمات النفسية والشخصية الحقيقية للطرف الآخر، ومدى قدرته على خلق مساحات مشتركة وبدائل مُرضية عن النواقص التي تخلقها الفروقات في المكان والزمان، وتطويرها. وتُضيف إلى تلك المقومات ضرورة تنويع أشكال التواصل من الصوتي إلى المرئي والكتابي بهدف معرفة الحالة النفسية والعاطفية للشريك.
وفي رأيٍ آخر، ترى الكاتبة ويندي باتريك (Wendy Patrick)، إن النجاح في العلاقات عن بعد يعتمد على اختيار شريك متشابه في التفكير ومرن عاطفياً؛ حيث يضمن التواصل المفتوح حول التوقعات أن يستمتع الطرفان بوقتهما منفصلين، ويتطلّعا إلى لمّ شملهما بتفاؤل.
ما الذي يجب الحذر منه في العلاقة العاطفية عن بعد؟
على الرغم من التواصل المستمرّ بين الشريكين الذين تجمعهما علاقة عاطفية عن بعد، تبقى هناك فراغات أو نواقص في العلاقة؛ إذ تشدّد المختصة النفسية، يارا سنجب، على تجنّب ملء تلك الفراغات بالأوهام والتخيّلات غير الحقيقية من مشاعر وتوقّعات عن الطرف الآخر وشكل العلاقة. لذلك؛ ينبغي الالتزام بالواقعية ودلائلها من الواقع، والعمل على الالتقاء وجهاً لوجه في مدة زمنية أقلّ من 6 أشهر.
وتشير الاختصاصية النفسية، عليا شماط، إلى أهمية الابتعاد عن النمطية من خلال المشاركة في أنشطة مختلفة لكسر الملل مثل مشاهدة فيلم سينمائي معاً في نهاية الأسبوع. ويحذّر خبراء الصحة النفسية الشركاء عن بعد من سلوكيات أخرى متمثّلة في التالي:
- كبح مشاعرك وعدم مشاركة ما تشعر به حقّاً، فذلك يُفاقم حجم التحديات ويساعد على ظهورها.
- توجيه الاتهامات للشريك بناءً على تخمينات غير حقيقية أو دلائل ملموسة.
- عدم تقدير اللفتات الصغيرة التي يقوم بها شريكك والاستمتاع بها.
السؤال الأهم: هل يمكن أن تنجح العلاقة العاطفية عن بعد؟
على الرغم من التحديات والصعوبات الفريدة، قد يبدو العثور على السعادة في العلاقات عن بعد أمراً غاية في الصعوبة؛ لكنه ليس مستحيلاً. فقد أظهرت نتائج دراسةٍ أجراها باحثون من جامعة كوينز (Queen's University) في أونتاريو الكندية، أن الأشخاص الذين يعيشون في علاقات عاطفية عن بعد لديهم مستويات متساوية أو أعلى من الرضا والتواصل القوّي والحميمية مقارنة بالعلاقات العاطفية التي يعيش فيها الطرفان على مقربةٍ من بعضهما بعضاً.
حيث تؤدّي الإيجابية دوراً حاسماً؛ إذ يميل أولئك الذين لديهم توقّعات متفائلة بخصوص العلاقة إلى التواصل على نحو أفضل، والشعور بالرضا بصفة عامة؛ ما يزيد احتمالية نجاح العلاقة.
اقرأ أيضاً: ما هو قلق العلاقات العاطفية؟ وكيف تتعامل معه؟
وأخيراً، لا يمكن إنكار وجود صعوبات من نوع خاص تُصاحب العلاقات العاطفية عن بعد، ولا سيّما في بدايتها، فالضغوط المالية ومشكلات الثقة قد تُثقل كاهلَي الشريكين وتدفعهما إلى إنهاء علاقةٍ محكومةٍ بالفشل؛ غير أن الدراسات وآراء الخبراء تثبت أن بعد المسافة ليس عاملاً حاسماً في نجاح هذه العلاقات أو فشلها كما هو متوقّع؛ بل القدرة على المشاركة، والتشابه في التفكير، والمرونة العاطفية.