يساعد هواء البحر العليل الذي ترتفع فيه نسبه الأكسجين على تنشيط الدماغ، كما أن التعرض لرذاذ مياهه يشعرنا بالاسترخاء، أما أمواجه اللطيفة التي تصطدم بنا فيمكن تشبيهها بالحصول على تدليك للجسم؛ إذ يقدم لنا البحر علاجاً حقيقياً يستحق التجربة.
يبلغ الضغط الجوي ذروة ارتفاعه عند مستوى سطح البحر ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأكسجين في الهواء، كما تنتج العوالق البحرية (الطحالب المجهرية) التي تعد رئةً حقيقيةً لكوكبنا، 70% من الأكسجين الذي نستنشقه؛ ما يهيئ جواً مثالياً لتنشيط عمل الرئتين.
من جهة أخرى يساعد الضغط الجوي المرتفع أجسادنا على امتصاص الشوارد السالبة الموجودة في هواء البحر التي تحد من الشعور بالألم والتوتر. ويعد اليود من أبرز هذه الشوارد وهو العنصر الذي تفقده أجسادنا بسهولة عادةً والمسؤول عن تحفيز إنتاج هرمونات الغدة الدرقية. أما مصادر هذه الشوارد فهي رذاذ مياه البحر والطحالب التي يحملها المد إلى الشاطئ، وأغصان الأشجار والصخور التي تضربها الرياح. ويتميز هواء البحر بشدة نقائه مقارنةً بهواء المدن، كما أنه يحتوي على 62 ضعفاً من الشوارد السالبة، وجراثيم أقل بـ 100 مرة، وحتى أن هواء البحار العليا قد يخلو من أي جراثيم. لذا فإن هذه الفوائد تستحق القيام برحلة بحرية ممتعة في قارب شراعي أو مركب صغير، أو حتى الاستمتاع بالتنزه على الأقدام على الشواطئ والجزر، تتنفس خلالها بأريحية تامة ودون جهد.
تكفي نزهة بسيطة على الأقدام لساعة واحدة في البر الرئيسي للاستفادة من ميزات مناخ السواحل البحرية الذي يمتد تأثيره إلى عمق 4 كيلومترات من الشاطئ، أما المناخ المحيطي فيمتد تأثيره حتى عمق خمسين كيلومتراً في البر الداخلي.
راقب البحر واستمع إلى صوته
يقول فرانسوا سوليم في كتابه "من الشاطئ" (D’un rivage): "تكفي رؤية البحر ليغط المرء بسرعة في نوم عميق، كما لو أن اتساعه وغموضه يجعلنا في حالة تنويم مغناطيسي". ويضيف الكاتب: "وكأن البحر يطلب من الروح أن تتجول بخفة فتمتثل له على الفور". أما الإصغاء إلى صوت البحر فهو يهدئ النفس؛ إذ يذكرنا إيقاع الأمواج المتلاطمة بإيقاع نبضات القلب فيمنحنا شعوراً بالراحة.
يقول المختص بالعلاجات البحرية وإدارة التوتر دومينيك هوارو (1): "تساعد الشوارد السالبة المنطلقة بفعل قوة الأمواج على الحد من مشكلة تسارع النبض والتنفس لدى معظم الأشخاص، كما أن أولئك الذين يعانون من العصبية واضطرابات النوم سيلمسون تحسناً بعد قضاء يوم إلى 3 أيام على البحر".
لذا ركز على الإيقاع البطيء للأمواج وحاول أن تتنفس بهدوء لتصل إلى حالة من السلام الداخلي.
استرخِ على سطح مياه البحر
إحدى طرق الاسترخاء الأخرى هي الاستلقاء على الأمواج تماماً كالأعشاب البحرية، ولتشعر بخفة أكبر حاول أن تترك جسدك ينسجم مع حركة المياه. تعد كثافة جسم الإنسان قريبةً من كثافة مياه البحر شديدة الملوحة، وهو ما يجعل الجسم يطفو، فتشعر بأن البحر يحيط بك ويهدهدك بلطف كالطفل ويحميك. يتميز البحر الميت بتركيز الملح العالي فيه الذي يبلغ قرابة 85 غراماً لكل لتر من الماء مقارنةً بقرابة 38 غراماً لكل لتر في البحر الأبيض المتوسط و35 غراماً لكل لتر في المحيط الأطلسي؛ ما يجعل الطفو على سطح مياهه أمراً هيناً جداً.
علاوةً على ذلك، كلما كانت درجة حرارة حمام الرمال قريبةً من حرارة الجسم (37 درجة مئوية)، كان امتصاص الجلد للشوارد المعدنية والعناصر النادرة الموجودة في الرمال أسهل. على سبيل المثال إذا كانت درجة حرارة الرمال 22 درجة مئوية فإن الجسم سيمتص الشوارد لمدة ساعة أو ساعتين فقط خلال حمام رمال ليوم كامل. لذا ينصح دومينيك هوارو بالاستحمام بالرمال لتقشير الجسم ثم الابتعاد عن الشمس والانتظار لـ 5 أو 6 ساعات قبل الاغتسال وهو الوقت اللازم للسماح البشرة لامتصاص المعادن والعناصر النادرة الموجودة في الرمال. وبخلاف الاعتقاد السائد، فليس الملح هو الذي يسبب الجفاف؛ بل أشعة الشمس وقلة شرب المياه.
اختر الأجواء البحرية المفضلة لديك
سواحل المحيط الأطلسي ذات الأجواء المنشطة: تتميز سواحل المحيط الأطلسي برياحها الغربية المنعشة وهوائها المحمل بالعناصر النادرة كما أن ارتفاع المد يحمل معه عنصر اليود من الأعشاب البحرية. يعد مناخ سواحل الأطلسي ملائماً لأولئك الذين يعانون من التهاب الجيوب الأنفية والمصابين بالروماتيزم؛ لكن رياحه العنيفة لن تلائم الأشخاص الذين يعانون من الأرق وأمراض القلب.
سواحل بحر المانش ذات الأجواء المنعشة: تساعد حرارة الهواء المنخفضة في سواحل بحر المانش على الشعور بالانتعاش ومن جهة أخرى يساعد تيار الخليج، وهو تيار محيطي دافئ، الجسم على استعادة توازنه. وتعد أجواء بحر المانش مثاليةً للحصول على اليود، بسبب ارتفاع المد.
سواحل البحر الأبيض المتوسط ذات الأجواء المهدئة: تساعد أجواء سواحل البحر الأبيض المتوسط المشمسة على تخفيف الشعور بالإرهاق وتعزز تصنيع فيتامين د في الجلد، وهو ضروري لزيادة امتصاص الكالسيوم في الجسم؛ ما يمثل مناخاً مثالياً لحالات آلام المفاصل والعضلات. كما يحتوي رذاذ مياه المتوسط على مضاد حيوي طبيعي ملائم لحالات الإصابة بالتهاب القصبات الهوائية، كما تعد أجواء سواحل المتوسط مثاليةً لمن يعانون من القلق والاكتئاب. وتجدر الإشارة إلى أن رياح البحر الأبيض المتوسط هي رياح شمالية باردة، ومياهه أقل غنى بعنصر اليود مقارنةً بباقي البحار والمحيطات.
ما لا نعرفه عن فوائد مياه البحر
عندما نفهم ماهية مياه البحر سندرك أنها مثالية لأجسادنا؛ إذ يمكن لشربها أن يجدد خلايا الجسم ولكننا لا نتحدث بالتأكيد عن شرب كؤوس من مياه البحر مباشرة بل عن شرب أمبولات مياه البحر معدّلة الملوحة.
يمكن تشبيه أجسادنا بالأحواض المائية، فهي تحتوي على نسبة الماء المالح ذاتها التي يحتوي عليها كوكبنا (70%)، وبفضل تركيبة الأملاح المعدنية والعناصر النادرة المشابهة لتلك الموجودة في مياه البحر، تتمكن خلايا الجسم من تأدية وظائفها. أما الاختلاف الوحيد فهو أن تركيز الملح قد ازداد في مياه البحر عبر آلاف السنين، بينما احتفظت سوائلنا (الدم، والبول، والدموع، وما إلى ذلك) بملوحتها الأصلية.
ابتكر عالم الأحياء الفرنسي رينيه كوينتون، الذي درس هذه الظاهرة في عام 1904، "بلازما متعادلة التركيز" من مياه البحر التي عمل على تقليل ملوحتها لتصبح مساوية لتلك الموجودة في جسم الإنسان، وتمكن من الحفاظ على صفاتها كبيئة حية من خلال عملية تعقيم خاصة. وتمثل هذه المياه "نسخةً طبق الأصل" من بلازما الدم لدينا ما يجعلها مثاليةً لتجديد خلايا الجسم بصورة طبيعية.
ويوضح الطبيب المتخصص في العلاجات البحرية وإدارة التوتر، دومينيك هوارو أن مياه البحر أفضل من المياه المعدنية المستخرجة من الصخور البركانية فهي أغنى بالعناصر وأكثر ملائمةً لجسم الإنسان؛ إذ تتعرف خلايا الجسم إلى العناصر المعدنية الموجودة فيها وتنسجم معها تماماً. كما أنه لا آثار جانبية لشرب هذا النوع من مياه البحر، ولا حتى فيما يتعلق بارتفاع ضغط الدم لأن كميات الصوديوم الموجودة فيها ضئيلة جداً، ولن يكون لها تأثير سام إلا إذا شربنا منها لتراً على الأقل.
يمكن بدء العلاج بشرب أمبولات مياه البحر بتناول 1 إلى 6 أمبولات يومياً في حالة الإجهاد البدني أو النفسي أو الإجهاد بسبب المرض أو ممارسة الرياضات العنيفة وتشنج العضلات. ويمكن خلال أول أسبوع أو أسبوعين شرب ماء البحر العادي عالي التركيز الذي يبلغ تركيز الملح فيه 33 غراماً لكل لتر من الماء، ثم شرب ماء البحر متعادل التركيز لمدة أسبوعين إلى ستة أسابيع.
أخيراً يؤكد دومينيك هوارو أن العلاج بمياه البحر يحسن الحالة العامة للجسم على المدى الطويل، وعلى الرغم من ذلك فإننا نهمل أهميته للأسف، ويقول: "على عكس العلاج بتناول المغنيزيوم، لا تسبب مياه البحر خللاً في شوارد الجسم، فهي توفر الكالسيوم والبوتاسيوم والفوسفور وجميع المعادن الأخرى الموجودة بصورة طبيعية في أجسامنا في الوقت ذاته".