ملخص: تخيل حياةً نؤمن فيها أن هناك دائماً ما يكفي، وأننا قادرون على خلق المزيد مما نحتاج إليه. يمكن لهذا الخيال أن يصبح واقعاً عندما نتحول من عقلية الندرة إلى عقلية الوفرة، فكيف يحدث ذلك؟ إليك الإجابة في هذا المقال..
هل تشعر غالباً بأنك لا تملك ما يكفي من المال أو الوقت أو الفرص في حياتك؟ هل تقارن نفسك باستمرار بالآخرين ولا تشعر بالرضا عما لديك؟ هل تعتقد أن السعادة شيء لا يستطيع سوى عدد قليل من الأشخاص المحظوظين تحقيقه؟ إذا كانت إجابتك "نعم"، فأنت تعاني عقلية الندرة التي تركز على الافتقار والقيود والمشكلات في حياتك، وتُشعرك بالقلق والخوف والتشاؤم بشأن المستقبل.
لكن ماذا لو قلت لك إن ثمة طريقة أخرى للنظر إلى الأشياء؛ طريقة يمكن أن تجذب إليك المزيد من الوفرة والفرص في حياتك، وتعزز شعورك بالثقة والتفاؤل؟ إنها عقلية الوفرة. إذ تركز هذه العقلية على الحلول والإيجابيات في الحياة، وتمنحك شعوراً بالاطمئنان والحماس للمستقبل. إن كنتُ قد أثرت فضولك، فأنت في بداية الطريق نحو تعلم كيفية الانتقال من عقلية الندرة إلى عقلية الوفرة، تابع معي.
عقلية الندرة مقابل عقلية الوفرة
يُقال: "أفكارك هي ما يشكّل واقعك". في الواقع، إن قوة العقل هي عامل حيوي في تحقيق النجاح في مجالات مختلفة؛ بما فيها الأعمال والرياضة والدراسة وما إلى ذلك من جوانب مهمة في الحياة. هذا ما أثبتت التجارب والدراسات صحته أيضاً.
على سبيل المثال؛ أجرت عالمة النفس في جامعة ستانفورد، كارول دويك (Carol Dweck)، دراسة حول عقليات الطلاب، واكتشفت أن الطلاب الذين يعتقدون بأنه يمكن تطوير الذكاء، كانوا أكثر قدرة على التغلب على العقبات الأكاديمية مقارنة بأولئك الذين يعتقدون بأن الذكاء فطري.
وفي بحث آخر أُجري على البالغين في منتصف العمر، نُشر في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology)، وجد الباحثون أن الأفراد الذين لديهم نظرة أكثر تفاؤلاً بشأن الشيخوخة عاشوا نحو 7.5 سنوات أطول من أولئك الذين لديهم تصورات سلبية حول التقدم في السن. إذاً؛ يبدو أنه يمكن للعقلية أن تطيل العمر!
ووفقاً للكاتب ستيفن كوفي (Stephen Covey)؛ يمكن تقسيم الأفراد إلى أصحاب عقلية الوفرة أو عقلية الندرة. فقد قدّم كوفي هذين المصطلحين لأول مرة في كتابه الشهير "العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية" (The 7 Habits of Highly Effective People). وفيه، تشير عقلية الندرة إلى الاعتقاد بمحدودية موارد الحياة، وأنه إذا كسب شخص أكثر، فإنه يترك أقل للآخرين. في المقابل، تؤكد عقلية الوفرة أن الموارد المتاحة تكفي للجميع.
وغالباً ما يميل الأفراد ذوو عقلية الندرة إلى التركيز على ما لا يملكونه أكثر من التركيز على ما لديهم؛ مثل المواهب والمعارف التي يفتقرون إليها؛ ما يثير لديهم مشاعر الخوف والغيرة واليأس. وبحسب عالمة النفس الدكتورة لورين ألكساندر (Lauren Alexander)؛ تؤثر عقلية الندرة في الصحة النفسية، وقد تسبب:
- تدني احترام الذات.
- القلق أو الاكتئاب.
- توتر العلاقات.
- ممارسة سلوكيات محفوفة بالمخاطر.
ويوضح استشاري العلاج النفسي، أحمد هارون، إن الأفراد ذوي عقلية الوفرة يعيشون بوفرة النعم، فينظرون إلى العالم كمكان مليء بإمكانات لا نهاية لها وخيارات لا محدودة، ولا يعتقدون بأنهم سيتعرضون إلى الخسارة بمشاركة هذه الخيارات مع الآخرين. لذا؛ حتى مع الخسارة، فإنهم يشعرون بالثقة والدافع إلى تحمل المخاطر واغتنام الفرص والسعي إلى تحقيق أهدافهم.
5 خطوات عملية تنقلك من عقلية الندرة إلى عقلية الوفرة
تُمكن تنمية عقلية الوفرة لدى الأفراد باتباع 5 خطوات وهي:
-
ابدأ العلاج بالقبول والالتزام
القبول والالتزام (Acceptance and Commitment Therapy. ACT)، هو نوع من أنواع العلاج المعرفي السلوكي الذي يعمل بموجب النظرية القائلة إن زيادة القبول يمكن أن تؤدي إلى زيادة المرونة النفسية.
وعلى عكس أنواع العلاج المعرفي السلوكي التي تركز على التخفيف من شدة التجارب أو تأثيرها، فإن العلاج بالقبول والالتزام يركز على قبول الأفكار السلبية والتجارب الداخلية الصعبة، مع الالتزام بالإجراءات القائمة على القيم؛ لأن تجنبها قد يؤدي إلى المزيد من المشكلات. بمعنىً آخر: هو تقليل صراعك الداخلي للسيطرة على هذه التجارب أو التخلص منها، مع زيادة المشاركة في أنشطة الحياة ذات المعنى؛ أي تلك التي تتوافق مع قيمك الشخصية.
إليك مثالاً للتوضيح: لنفترض أنك تشعر بأنك عالق في وظيفتك الحالية وتعتقد أنه لا توجد فرص أفضل لك؛ هذه هي عقلية الندرة. يشجعك العلاج بالقبول والالتزام على قبول هذه الأفكار والمشاعر السلبية دون إصدار أحكام، بدلاً من محاولة قمعها أو تغييرها، ويخلق هذا القبول مساحة لك لمراقبة هذه الأفكار دون السماح لها بإملاء تصرفاتك عليك.
اقرأ أيضاً: تنقية الذهن: 4 خطوات لتطهير العقل من الشوائب وتحريره من القيود
-
مارس الامتنان
تُعرّف جمعية علم النفس الأميركية (American Psychological Association) الامتنان بأنه شعور بالسعادة استجابةً إلى مصادفة محظوظة أو هدية ملموسة. إنه يساعد الناس على التركيز على الجوانب الإيجابية في حيواتهم. ومع ذلك، لسبب ما؛ تفرض القوى المجتمعية علينا غالباً النظر إلى الحياة على أنها صراع للحصول على نصيبنا العادل؛ ما يؤدي إلى عقلية الندرة.
لنكن واقعيين، إن إخبار نفسك إن الثروة وفيرة بينما تكافح لتسديد فواتيرك قد لا يبدو صحيحاً؛ إلا أنه يمكن تحقيق ذلك مع الامتنان. عندما ننظر إلى حياتنا من خلال عيون ممتنة، فإننا نصبح قادرين على رؤية ما لدينا؛ ما يؤدي إلى الأمل والرضا عن الحياة. بعبارة أخرى: قد يوصف الامتنان بالترياق لعقلية الندرة.
ويقترح الطبيب ديباك تشوبرا (Deepak Chopra)، أن تكتب الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها، أو التي حدثت معك، في مذكراتك اليومية. يمكن بهذا الجرد اليومي أن تصبح أكثر وعياً بخيرات الحياة، والطرق المتاحة لك بالفعل.
اقرأ أيضاً: ما أهمية الشعور بالامتنان في حياتنا؟
-
ابحث عن الفرص وليس القيود
غالباً ما تركز عقلية الندرة على القيود بدلاً من الفرص؛ ما قد يعوق تطلعاتك ويقودك إلى القبول بالأقل، اعتقاداً منك بأن رغباتك لا يمكن تحقيقها. في المقابل، مع عقلية الوفرة، ستدرك كمّ الخيارات والموارد في حياتك؛ ما يجعل كل شيء يبدو قابلاً للتحقيق.
إن أدمغتنا مصممة بطريقة تجعلنا عندما نركز على شيء معين على نحو مكثف، فقد نغفل عن الاحتمالات الأخرى حتى لو كانت أمام أعيننا مباشرة؛ بمعنى أنك إذا كنت مقتنعاً بأنك غير قادر على إنجاز مهمة ما، فمن المرجح أن يرفض عقلك أي أفكار تتعارض مع هذه القناعة.
إذاً عليك بتدريب عقلك على توسيع نطاق تركيزه ووعيه المتزايد الذي يسمح لك بالحلم الكبير. على سبيل المثال؛ فكر فيما بإمكانك تحقيقه لو كان لديك مورد غير محدود من المال، وعرفت أنك لن تفشل أبداً! الآن لديك بحر من الخيارات والإمكانيات؛ وكذلك الأمر حين تفكر فيما تملكه الآن. يمكن لتمرين التفكير هذا فتح عقلك على ما هو ممكن ومساعدتك على رؤية الصورة الأكبر.
-
جرّب تخصيص وقت لليقظة الذهنية
تميل أدمغتنا بصفة طبيعية إلى التخطيط المستمر إلى البقاء على قيد الحياة؛ الأمر الذي غالباً ما يُخرجنا من اللحظة الحالية ويمكن أن يقودنا نحو عقلية الندرة. إن تخصيص وقت لليقظة الذهنية والتأمل يمكن أن يمنحنا القدرة على الرؤية من زوايا مختلفة، وذلك من خلال:
- التعرّف إلى قوة أفكارك لتصبح أكثر وعياً وتحكماً بها، وتستشعر متى تكون في حالة عقلية الندرة أو الوفرة.
- تحسين انتباهك وتركيزك؛ ما يسمح لك بمراقبة الأشياء بعمق أكبر وتقدير المتع الصغيرة في الحياة التي غالباً ما تمر دون أن يلاحظها أحد.
اقرأ أيضاً: كيف يحوّل التأمل العقل الاستبدادي إلى عقل سعيد؟
-
أخفض سقف توقعاتك
عندما تدخل في مشروع أو علاقة جديدة، قد تبني توقعات وتصورات لما قد يحدث أو تؤول إليه الظروف؛ ولكن قد تنتهي الأمور على نحو مختلف عما تخيلته أو خططت له. على سبيل المثال؛ قد تكون ثمة ظروف غير متوقعة تؤخر ترقيتك، أو قد لا يكون أداء الأسهم التي استثمرت فيها جيداً كما هو متوقع، أو لا يرقى الشريك إلى مستوى الأفلام الرومانسية.
يمكن للتوقعات العالية أن تقلل امتنانك وتقديرك لما لديك. بالإضافة إلى ذلك، تسبب التوقعات غير الواقعية الإصابة بالإحباط وخيبة الأمل، فتتحول تدريجياً إلى عقلية الندرة. لذا؛ حاول إدارة التوقعات، بتوقع ما هو واقعي، والبحث عن إيجابياتك للتغلب على خيبة الأمل؛ إذ بمجرد أن تتجاوز فخ التوقعات العالية ستكون أكثر تقديراً وامتناناً لما لديك.
اقرأ أيضاً: 8 عادات عليك أن تتبناها وترسخها في 2022
خلاصة القول: إن التحول من عقلية الندرة إلى عقلية الوفرة يشبه تغيير العدسة التي ننظر من خلالها إلى العالم. إنه يتعلق بإدراك أننا لسنا مقيدين بالقيود بل مدعومون بالإمكانيات؛ ما قد يُحدث تغييراً كبيراً في حياة كلٍ منا.