لا شك في أن الإقناع فن. فيما يلي كشف الساحر الفرنسي جاك آش باجي الذي أصبح مدرباً عن أسراره مشيراً إلى اعتماده خمس تقنيات لممارسة فن الإقناع دون تلاعب.
في الحقيقة بدأ كل شيء باجتماع جمع جاك آش باجي ورئيس شركة مرموقة مختصّة في تكنولوجيا المعلومات. لاحظ الأخير من خلال لعبة الأرقام السحرية فعالية الساحر في مجاله بالإضافة إلى طريقته في الإقناع ثم طلب منه تدريب مندوبي المبيعات لديه، ولقد كان ذلك قبل خمسة عشر عاماً.
منذ ذلك الحين قدّم جاك آش باجي دورات للاستشارات والتدريب للعديد من رجال الأعمال وقام بتعليمهم المبادئ النفسية للتفاوض. بمناسبة إصدار كتابه كشف للجمهور عن بعض أساليب علم النفس العلائقي التي يستخدمها زملاؤه؛ والتي يمكن تطبيقها مباشرة في العديد من المواقف اليومية. إنه بالفعل علم نفس تطبيقي لا يمت للتلاعب بصلة، وفي هذا الخصوص يقول باجي: "في هذا العمل بالتحديد؛ الشخص الوحيد الذي يتم التلاعب به هو نفسه".
كيف تقنع محاورك؟ كيف تقنعه بالموافقة على طلبك؟ في غياب الصيغ السحرية فيما يلي استعرض الساحر جاك آش باجي خمسة مواقف أساسية لممارسة فن الإقناع:
أتقن الصمت
التزام الصمت؛ أول مبدأ أساسي واضح بالنسبة للساحر. على عكس الفكرة المقبولة عموماً فالسّلطة هنا لا تعود لمن يتكلم؛ بل على العكس من ذلك تماماً تكمن القوة في من يلتزم الصمت لأطول فترة ممكنة، فالتحدث على الفور يوقظ التفكير النقدي.
وعلى الرغم من هذه القاعدة فإننا غالباً نضطر إلى القيام بذلك. في هذه الحالة ابدأ المناقشة بقول "نعم" أو "حسنا" متبوعة بتوقف مؤقت. انتبه فكل التفاصيل مهمة. لا تصرخ وأنت تنطق الكلمة فليكن ذلك بهدوء. يضع وقت التوقف المُحاوِر في إطار ذهني إيجابي مسبقاً. وعلاوة على ذلك تشير كلمة "نعم" إلى أنه تم التفكير في الأشياء بطريقة إيجابية وأن هذا التفكير أدى إلى بناء حجة مقنعة.
قبل البدء في طلب أي شيء قل هذه الكلمات "السحرية" وسترى التأثير الذي ستحدثه في مُحاوِرك. في المواقف المتوترة للغاية مثل الجدال مع زوجتك أو طلب علاوة مادية من رئيسك في العمل يمكن أن يكون تطبيق هذا المبدأ مفيداً جداً لك".
أظهِر الهدوء
الساحرون ليسوا محظوظين؛ بل على العكس من ذلك تماماً. غالباً يعتقد المبتدئ أنه كلما نفّذ الساحر حركاته بشكل أسرع كان تأثير ألاعيبه السحرية فعالاً. بيد أنه يحدث العكس، فإذا تم تنفيذ الإيماءات بطريقة متوترة ومتسرعة، توقظ الروح الناقدة للمشاهد الذي سيتساءل بعد ذلك عن الخدعة السحرية التي قام بها الساحر للتو وينطبق الشيء نفسه عندما نواجه موقفاً صعباً.
غالباً تتسبب الإثارة التي يولدها الساحر في حالة من التساؤلات التي سيتطرّق إليها مُحاوِرك بالضرورة. هل تعتقد بسذاجة أنه سيتماهى مع أفكارك فقط لإرضائك؟ في الواقع سيُدرك لا شعورياً أنك لست متأكداً من نفسك، وإذا كان لديك أدنى شك بشأن النتيجة الإيجابية لطلبك فسيشكّ في ذلك أيضاً. من ناحية أخرى إذا حافظت على هدوئك فسيستنتج تلقائياً أن دوافع طلبك حقيقية وجادة. انتبه بشكل خاص لبطء إيماءاتك ودرجة علو صوتك فكلما كانت بطيئةً ومنخفضة كانت حجتك أكثر إقناعاً.
حافظ على وضعية رأسك مستقيمة
يخاطر الساحر دائماً في لعبة الأرقام السحرية باكتشافه في مرحلة ما. على سبيل المثال ربما يتفطن شخص ما إلى أن الكرة التي أخفاها موجودة في يده الأخرى، وكرد فعل يتحتم عليه بعد ذلك إمالة رأسه إلى الجانب الآخر. ولأنها حركة بسيطة غير ملحوظة سينتبه إليها المشاهد دون وعي. هذه البادرة الغريزية نقوم بها جميعاً عندما نخشى أن يتم اكتشَافنا وكأننا نتأسّف لمُحاوِرنا.
في أثناء مقابلة عمل أو دفاع عن أطروحة أو عند القيام بأي اختبار، تذكر دائماً أنه من الضروري إبقاء رأسك في وضعية مستقيمة حتى لا تثير انتباه محاورك؛ حيث يمكنه أن ينتهز الفرصة لتفكيك حجتك. من ناحية أخرى إذا ظهر لديك شعور بالاطمئنان فلن يشعر بالحاجة إلى استجوابك أكثر.
يمكنك أيضاً استخدام ما يسمى بتقنية "استهلاك الطاقة". تتكون الطريقة من الاستناد على حافة طاولة ومسند للذراعين ومكتب وحامل ميكروفون وأي شيء يمكن أن يضمن توازنك. كل هذه المواد توفر للمدرب طاقة غير مرئية تؤدي دور مهماً في حالة الشك من خلال إعادة التوازن إلى نفسيته. والنتيجة تكون فورية؛ حيث تصبح نبرة صوتك منخفضة ويُصبح لكلامك بعد، فضلاً عن أنه يكون جدياً ومقنعاً أكثر.
لا تقل "أنا" أبداً
يعرف الساحرون ذلك مسبقاً بحيث يحترم كل إنسان التفكير المنطقي المركب حتى لو لم يكن هناك تجاوب مع الآخر. فيمكن أن تنزلق الكرة من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى، بشرط أن يكون هذا الفعل مبرراً بالرغبة في السيطرة على شيء آخر أو التحكم في مشهد ما. ثم يبدو هذا التصرف دليلاً على التماسك، كما لا يفكر المراقب للحظة في التشكيك فيها.
إذا كنت تريد من محاورك أن يعترف بما هو غير مقبول بالنسبة له، فمن الضروري تبرير ذلك بخطاب يتسم بمنطق مثالي لا يمكن تجاوزه واستخدام نبرة محايدة والتمسك بالحقائق قدر الإمكان. لا تستخدم أبداً ضمير المتكلم "أنا"؛ فقط تقيّد بالعناصر الموضوعية.
تجرأ على أن تكون غير متعاطف
نحن نعلم في الأساس أن الساحر سيحاول خداع جمهوره، بيد أن المشاهد يرفض أن يتم خداعه ولذلك يتبنى موقف التحدي. لا أحد يستطيع أن يسمي نفسه متعاطفاً فالاقتراب من شخص غريب بابتسامة بدون سبب واضح سيؤدي إلى شعور عدم الثقة. ينبغي أن تسعى للحصول على أي نوع من التعاطف، فلا تأتي الابتسامة والمزاج الجيد إلا بعد ظهور المواقف الإيجابية المتبادلة.
إذا قرر الشخص أن يمنحك شيئاً ما فلأن موقفك تجاهه إيجابي منذ البداية وليس لديه سبب واحد مقنع لتغيير سلوكه تجاهك. أما في حال كان كل شيء على يسير على ما يرام فلماذا سيتغير أساساً؟ من ناحية أخرى إذا كان موقفك أكثر انغلاقاً وتحفظاً، فإن الوسيلة الوحيدة المتاحة له لوضعك في وضع جيد تجاهه (وهذا ما يرغب فيه كل إنسان دون وعي) سيكون منحك، على الأقل جزئياً، ما تطلبه منه. لكن حتى تحصل على الرضا ابقَ شخصاً جاداً وغير عاطفي.