كيف يمكن لممارسة التأمل أن تنمي التعاطف تجاه الذات والآخرين؟

قدرة التعاطف
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل تعاني من عدم قدرتك على تفهم الآخرين وتشعر أنهم لا يتفهمونك في المقابل؟ وهل يشوب علاقاتك العائلية والمهنية الكثير من الخلافات؟ نقدم لك فيما يلي بعض تمارين التأمل التي ستساعدك على تنمية قدرة التعاطف لديك لتتمكن من فهم نفسك ومن حولك فهماً أفضل.

المقال مأخوذ من كتاب “لا داعي لأن تكون من التبت لتمارس التأمل” (Pas besoin d’être tibétain pour méditer) وهو من تأليف الطبيبة النفسية الفرنسية المختصة في التوتر واضطرابات القلق والاكتئاب، ومدربة التأمل، كريستين باروا.

يُعرف التعاطف بأنه قدرة الشخص على إدراك مشاعر الآخر وفهمها ومشاركتها، ويرجع أصل كلمة التعاطف بالإنجليزية (Empathy) إلى الكلمة اليونانية (Empatheia) التي تعني “المعاناة الداخلية”. من الضروري أن نميز بين مصطلحيّ التعاطف (Empathy) والعطف (Sympathy)، فالفارق الرئيس هنا هو أن نشوء التعاطف تجاه الآخر يتطلب منا أن نشاركه مشاعره. من جهة أخرى فإن التعاطف يختلف أيضاً عن الشفقة (Compassion) التي تعني القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين. إذاً ما الذي يولّد التعاطف لدينا؟ ينشأ التعاطف عادةً نتيجة إدراك عواطف الآخر وما يمر به، وعلى الرغم من أنه قد يصعب عليك تصور مشاعر أحد أحبائك في موقف ما، فإن فطرتك تتيح لك تحديد أوجه التشابه بين مشاعرك ومشاعر مُحاورك من خلال الانتباه إلى حركات جسده وتعابير وجهه.

وتساعد ممارسة التأمل على تنمية هذه المقدرة الفطرية، لكن لمَ من الضروري تنميتها؟ ببساطة لأن وجود الفرد مرتبط بوجود الآخرين إذ لا يمكن لأي منا العيش دون تفاعل مع من حوله. وعلى الرغم من أن التفكر في علاقاتك يتيح لك الفرصة لتعزز انسجامك مع الآخرين، فإن ذلك يتطلب منك أولاً أن تكون أكثر انسجاماً مع نفسك، فالخطوة الأولى إذاً هي خلق حالة تعاطف مع الذات، وستتمكن بعد ذلك من التعاطف مع الآخرين. وعلى الرغم من أن التمرين الذي سنقدمه لك قد لا يكون سهلاً، فإن تطبيقه سيتيح لك الحصول على نتائج مثمرة.

تمرين تأمل الحب والمودة: المدة من 20 إلى 30 دقيقة

اتخذ وضعية التأمل جالساً واحرص على أن تكون وضعية جلوسك مستقيمةً وثابتة. تخيل الآن شخصاً يحبك أو كان يحبك حباً غير مشروط وحدّث نفسك عن مزايا الحب الذي يكنه لك هذا الشخص إلى أن تشعر وكأنك محاط بهالة من المحبة. تنفس بعمق خلال عيش هذه الأحاسيس، وانغمس في شعورك بأنك مقبول ومحبوب دون شروط، وحتى لو كنت تظن أنك لا تستحق هذا الحب فإن ما يهم هو أنك تحظى به الآن. لذا عش سعادة هذه الأحاسيس التي تغمرك واشعر بإيقاع قلب الشخص الذي يحبك، وإيقاع أنفاسك، ودع دفء هذا التوهج يعانق قلبك ويغلفه. إذا كان يصعب عليك تصور هذا الشخص وتذكره في تلك اللحظة فاستخدم مخيلتك، فهي طريقة فعالة أيضاً خلال هذه الممارسة. عندما تشعر بأنك مستعد، تخيل أن المشاعر ذاتها تصدر عنك بدلاً عن أن تكون موجهةً إليك وتقبل مشاعرك هذه بانسجام مع نبضات قلبك وتنفسك. تقبل نفسك واشعر بالمودة تجاهها وابتهج بهذا الحب تماماً كأم تعانق طفلها، وتخيل نفسك الأم والطفل في الوقت ذاته ودع هذا الشعور ينساب في نفسك بطريقة طبيعية فهو مضاد للمشاعر السلبية والرغبة في نقد الذات والشعور بالكراهية تجاهها.

أما الآن فاهمس إلى نفسك بلطف بهذه الكلمات واشعر بها وأكدها: “أتمنى أن أكون آمناً ومحمياً من كل الشرور الداخلية والخارجية وأن أكون سعيداً وراضياً وسالماً وأن أنعم بالراحة النفسية”.

كرر هذه الجملة مرتين أو ثلاث، حتى يتملكك الشعور بالاكتمال والرضا والفرح. إن قبولك حقيقة أنك تستحق الحب والمودة مثل أي شخص آخر هو الخطوة الأولى نحو حب الآخرين؛ إذ لا يمكنك أن تحبهم حباً صادقاً خيّراً إن لم تكن لديك المشاعر ذاتها تجاه نفسك، وعندما تحيط نفسك بهذا الحب ستتمكن من تنمية مشاعرك ووعيك في علاقاتك مع جميع من حولك.

وينطبق ذلك على جميع الذين تعرفهم سواء كنا نتحدث عن المقربين أو المعارف كالجيران وزملاء العمل أو حتى الأشخاص الذين سبق لك أن اختلفت معهم، لذا حاول أن تستدعي صورة أحد هؤلاء الأشخاص وقدم له الحب والمودة ثم تمنَ له التوفيق قائلاً: “أتمنى أن يكون فلان بخير وأمان ومحمياً من كل الشرور الداخلية والخارجية وأن ينعم بالسعادة والرضا والصحة والسلامة والراحة النفسية”، فقدرتك على الحب لا حدود لها.

تمرين تعزيز الحوار التعاطفي

حافظ على التواصل الإيجابي في المواقف التي تتسم بالعدائية، واستخدم الأسلوب التالي عندما توجه لأحدهم طلباً أو نقداً أو تريد الرد على عتابه لك: ابدأ كل عباراتك بكلمة أنا، وقل له بدايةً: “أنا لا أعرف كيف أعبر عن ذلك”، ثم اتبع الخطوات التالية:

  • صِف الحقائق.
  • عبر عن مشاعرك.
  • وأخيراً عبر عن رغباتك.

يتطلب الحوار التعاطفي أن تركز كل حواسك مع كلام محاورك بعد أن تعبر له عن رغباتك، كما يلي:

  • انظر في عينيه.
  • استمع إليه وانتظر حتى ينهي كلامه.
  • خذ الوقت الكافي لتشعر بعواطفه في أثناء ذلك.
  • أعطِه دلالات على أنك تصغي إليه كالإيماءات والهمهمة.
  • أعد صياغة ما يقوله لتتأكد من فهمك له.
  • وفي جميع الأحوال اتخذ موقفاً متوازناً؛ أي لا تكن عدائياً ولا خاضعاً.

تذكر دائماً أن هدفك الرئيس من هذا الحوار هو تحقيق مصلحة الطرفين فالعلاقة السليمة يجب ألا تتضمن خاسراً أو رابحاً .

وأخيراً انتبه إلى طريقتك في الكلام وتجنب الألفاظ العدائية اللاإرادية التي قد تبدأ بها حديثك مثل “لا” أو “أنت فعلت كذا”، وهي كلمات يستخدمها الكثير منا في حديثه عادةً.

المحتوى محمي !!