ملخص: على الرغم من أن ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل قد شاعت من أجل تخفيف التوتر وتحسين الحالة النفسية عموماً، فإن بعض الأبحاث أشارت إلى وجود بعض الآثار السلبية الناتجة من هذه الممارسات، وخصوصاً تفاقم القلق والاكتئاب. فما الذي توصل إليه الباحثون على وجه التحديد؟ وما الأسباب الذي تجعل هذه الممارسات المصممة خصيصاً لتقليل القلق والتوتر تعطي نتائج عكسية؟
محتويات المقال
ازدادت في الآونة الأخيرة شعبية ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل للحد من التوتر وتحسين التركيز، وأُشيد بكل منهما على نطاق واسع في تحسين الصحة والمرونة النفسية وزيادة الإنتاجية، وهذا ما يؤكده الطبيب النفسي ناصر العامري.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الأبحاث الواعدة والنتائج الإيجابية، فثمة جانب مظلم لهما يظهر في بعض الأحيان؛ إذ وخلافاً للاعتقاد السائد، فإن اليقظة الذهنية والتأمل ليسا علاجين خاليين من الآثار السلبية! في الواقع، ثمة بعض الأدلة التي تشير إلى أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى تفاقم القلق والتوتر بدلاً من تخفيفهما بالنسبة إلى بعض الأفراد، وإليك التفاصيل.
اقرأ أيضاً: كيف توظف اليقظة الذهنية في علاج القلق والتوتر؟
هل تزيد اليقظة الذهنية والتأمل القلق والتوتر؟
بحثت مراجعة علمية منشورة في دورية أكتا للطب النفسي (Acta Psychiatrica Scandinavica) عام 2020، في 83 دراسة متعلقة باليقظة الذهنية والتأمل، وسلّطت الضوء على مدى انتشار الآثار السلبية المرتبطة بهذه الممارسات وأنواعها؛ حيث كشفت النتائج أن بعضاً من الأفراد ممن يمارسون هذه التقنيات قد يعانون آثاراً سلبية تتراوح من القلق المتزايد والاكتئاب إلى الاختلالات المعرفية والهلوسة.
وفي حين يبلغ معدل الانتشار الإجمالي للآثار السلبية 8.3% من الأفراد، تصبح الصورة أكثر إثارة للقلق عند مراجعة الدراسات الرصدية؛ حيث يرتفع معدل انتشار الآثار السلبية إلى 33.2% (الدراسة الرصدية هي نوع من الأبحاث يرصد فيه الباحثون الموضوعات في بيئتها الطبيعية دون التدخل أو التلاعب بأي متغيرات؛ ما يسمح لهم بجمع البيانات حول العوامل المختلفة وعلاقاتها المحتملة؛ لكنه لا يحدد العلاقة السببية).
وقد شملت الآثار السلبية الأكثر شيوعاً كلاً من القلق، والاكتئاب، والشذوذ المعرفي (عدم انتظام الأفكار)، والتوتر، والهلوسة السمعية أو البصرية أو كليهما. وقد حدث معظم الآثار السلبية في أثناء ممارسة التأمل أو اليقظة أو بعدهما مباشرة.
كما تشابهت هذه النتائج مع نتائج دراسة علمية أخرى نُشرت في دورية العلوم النفسية السريرية (Clinical Psychological Science) عام 2021؛ حيث وجد الباحثون أن 6% من الأشخاص المشاركين في الدراسة قد عانوا تأثيراً سلبياً واحداً على الأقل مرتبطاً بالتأمل.
ومن الآثار السلبية المُبلغ عنها: مشكلات الطاقة، اضطراب دورات النوم والاستيقاظ، القلق، الفتور العاطفي، مشكلات اتخاذ القرارات، بعض المشكلات البسيطة في الذاكرة، الضعف الإدراكي، الانسحاب الاجتماعي، فرط الحساسية الإدراكية. هذا ما يطرح السؤال التالي: كيف تؤدي الممارسات المصممة لتعزيز الهدوء والاسترخاء إلى إثارة الضيق لدى العديد من الممارسين؟
اقرأ أيضاً: 3 من تمارين التأمل لمساعدتك على تجاوز الاكتئاب
لماذا قد تؤدي الممارسات التي ينبغي أن تخفف القلق إلى مزيد من القلق والاكتئاب؟
إليك بعض التفسيرات المحتملة لذلك:
- عدم ممارسة التأمل على نحو صحيح: يشير أحد النصوص التاريخية في تقنيات التأمل من القرن الخامس الميلادي إلى أنه في حال لم يُنفَّذ التأمل على نحو صحيح، فقد يصبح العقل غير مستقر أو مضطرباً أو مشوَّشاً، وقد يشعر المتأمِّل بالملل والارتباك والقلق؛ ما يشير إلى أن هذه الجوانب السلبية قد اعتُرف بها منذ قرون.
- الممارسة المكثفة: قد تؤدي الممارسة المكثفة التي تستمر ساعات عديدة متواصلة إلى الإرهاق والإجهاد العقلي وحتى الانزعاج الجسدي؛ ما يؤثر سلباً في التجربة.
- زيادة الوعي بالمشاعر غير السارّة: يولي الشخص عند التأمل اهتماماً أكبر لأفكاره ومشاعره دون إصدار الأحكام. قد يؤدي هذا الوعي المتزايد أحياناً إلى الكشف عن المشاعر السلبية المكبوتة أو المتجاهَلة؛ مثل القلق والاكتئاب والتوتر. على الرغم من أن تجربة هذه المشاعر قد تكون مزعجة، فإنها غالباً ما تكون الخطوة الأولى نحو معالجتها؛ ما يؤدي إلى فوائد طويلة المدى. ومع ذلك، قد يجد بعض الأفراد هذه الزيادة الأولية في المشاعر غير السارّة تجربة سلبية جداً.
اقرأ أيضاً: كيف تميز بين التوتر والخوف والقلق والهلع؟
- الفروق الفردية ونقاط الضعف الشخصية: يمكن لعوامل مثل صدمات الماضي غير المُعالجة، والحرمان من النوم، والسمات الشخصية، والاستعداد الوراثي، وبعض الاضطرابات النفسية السابقة، أن تؤثر كثيراً في قابلية الفرد للإصابة بالآثار السلبية. على سبيل المثال؛ قد يجد الأفراد الذين لديهم تاريخ من الصدمات النفسية أن بعض ممارسات اليقظة الذهنية تثير ذكريات أو أحاسيس مؤلمة؛ ما يؤدي إلى زيادة الضيق. بالإضافة إلى ذلك، قد يجد بعض الأفراد المعرضين إلى الاجترار أو الأفكار المتطفلة، أو غير المستعدين لتقبُّل زيادة الوعي بالأفكار والأحاسيس، أن مراقبة المشهد العقلي الخاص بهم دون إصدار أحكام يكون أشبه بفتح صندوق من السلبية المخبأة، وإطلاق العنان لطوفان من الأفكار والعواطف المثيرة للقلق.
- التوقعات غير الواقعية: كثيراً ما يصوَّر التأمل واليقظة الذهنية بوصفهما حلولاً سريعة للمشكلات كافةً؛ ما قد يُنتج توقعات غير واقعية عند الناس، على نحو يؤدي إلى الشعور بخيبة الأمل والإحباط عندما لا تتحقق النتائج الفورية. ينبغي تذكر أن تحسن الحالة بوساطة التأمل يستغرق وقتاً وجهداً مستمراً، وأنه ليس من الضروري أن يستجيب الجميع إلى التأمل واليقظة على نحو متساوٍ، فمن الممكن أن هذا النوع من الممارسة ببساطة لا يناسب الجميع، ولا بأس في ذلك. قد يكون استكشاف تقنيات أخرى لإدارة التوتر والوعي الذاتي أكثر فائدة.
اقرأ أيضاً: 3 تقنيات تنفس أثبتت جدواها في الحد من التوتر
متى تكون اليقظة الذهنية مناسبة لك؟ وكيف تُمكنك معرفة ذلك؟
يمكن أن تكون اليقظة الذهنية مفيدة لكثير من الأشخاص؛ لكنها ليست حلاً واحداً يناسب الجميع. فيما يلي بعض الاعتبارات التي قد تساعدك على تحديد فيما إذا كانت اليقظة الذهنية مناسبة لاحتياجاتك:
- السلامة البدنية: حدِّد إذا كانت التمارين آمنة بالنسبة إليك، خصوصاً إذا كنت تعاني مشكلات في الحركة أو التنفس. استشر الطبيب إذا لزم الأمر.
- الاستعداد العاطفي: فكِّر فيما إذا كنت مستعداً لمواجهة الأفكار والمشاعر الصعبة التي قد تنشأ في أثناء ممارسة اليقظة الذهنية.
- الحالة النفسية الحالية: قيِّم إذا ما كنت تتمتع بصحة عاطفية كافية للشروع في ممارسة جديدة مع أخذ الصحة النفسية العامة في الاعتبار.
- تفضيلات التعلم: فكِّر في الطريقة التي تريد تعلم اليقظة الذهنية بها، واستكشف الخيارات المتاحة المختلفة.
- التكلفة: على الرغم من أن العديد من تمارين اليقظة الذهنية اليومية مجانية، فإن الدورات المخصصة لتعلمها قد تكون مكلفة بعض الشيء.
- إمكانية إدماجها في نمط الحياة: حدد إذا كان بإمكانك دمج ممارسة اليقظة الذهنية في حياتك أو لا؛ لأنها تتطلب ممارسة منتظمة وقد تتضمن حضور جلسات أسبوعية.
اقرأ أيضاً: 3 طرق للمسّاج تخلّصك من التوتر والقلق
تذكر أنك إذا كنت قلقاً بشأن ما سيحدث في المستقبل أو لا تستطيع التوقف عن التفكير فيما حدث في الماضي، فقد تؤدي اليقظة الذهنية إلى تضخيم القلق أو الارتباك أو المعاناة. وعندما يكون الأمر كذلك، فثمة طرائق أخرى لتهدئة النفس إلى جانب اليقظة الذهنية؛ إذ إنه مع المزيج الصحيح بين العلاجات والرعاية الذاتية والدعم، من الممكن أن يشعر الكثير من الأشخاص بالتحسن.
خلاصة الكلام: تنبغي معرفة أن التعرض إلى الآثار السلبية في أثناء التأمل أو اليقظة الذهنية أمر ممكن، فلا تلم نفسك، وحاول الحد من هذه الممارسات، واستشر متخصصاً في الصحة النفسية لمساعدتك في التغلب على هذه التحديات.