مثّل عام 2019 نقطة تحوّل جذرية في تاريخ البشرية، ليس فقط بسبب الرعب الذي تسببت به جائحة كوفيد-19، بل لأنه غيّر أيضاً من الطريقة التي نتواصل بها، حيث أصبحت منصات اجتماعات الفيديو مثل زووم (Zoom) أدوات أساسية للحفاظ على الروابط الاجتماعية والمهنية. وفي حين مكنتنا هذه المنصات من البقاء على تواصل في فترات العزلة، فإن دراسة حديثة تشير إلى أن المشاركة المنتظمة في اجتماعات زووم قد تؤدي إلى زيادة عدم الرضا عن المظهر. فكيف ذلك؟ وما هي الوسائل الممكن اتباعها لإجراء الاجتماعات دون تأثر صحتنا النفسية سلباً أو تراجع أدائنا المهني؟
محتويات المقال
كيف يؤثر زووم في الرضا عن المظهر؟
في محاولة للإجابة عن السؤال: "كيف تؤثر رؤيتك لوجهك خلال اجتماعات الفيديو في رضاك عن مظهرك؟" أجرى باحثون أميركيون استطلاع رأي لـ 2448 موظفاً أميركياً يشاركون في اجتماعات افتراضية عن بعد على نحو منتظم. سأل الباحثون المشاركين عن:
- مدى رضاهم عن مظهر وجوههم والتعبير عن ذلك باستخدام عبارات مثل "أنا مكتئب بشأن مظهر وجهي" و"إذا كان ذلك ممكناً، سأغير ملامح وجهي".
- مدى تكرار استخدامهم للفلاتر أو الصور الرمزية أو أدوات تحسين الصورة بالنسبة للمستخدمين الآخرين بأسلوب مماثل لأولئك الذين يحررون صورهم الشخصية قبل نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
- عدد المرات التي يوقفون فيها تشغيل القدرة على رؤية وجوههم في أثناء المكالمة.
نشر الباحثون نتائجهم في فبراير/شباط 2025 في دورية بلوس ون (PLOS One)، وتوصلوا إلى أن الأفراد الذين أبلغوا عن عدم رضاهم عن مظهر الوجه يعانون تعباً متزايداً بسبب الاجتماعات الافتراضية، ما يدفعهم بدوره إلى استخدام ميزات مختلفة لتحسين المظهر في أثناء مكالمات الفيديو. علاوة على ذلك، قال الأفراد الذين كرهوا مظهرهم إنهم لم يجدوا فائدة كبيرة في مكالمات الفيديو.
اقرأ أيضاً: ما أسباب الإصابة بفوبيا الاجتماعات؟ وكيف تتخلص منها؟
وفي دراسة أخرى أجراها باحثون في مركز جامعة بوسطن للتجميل والليزر (Boston University Cosmetic and Laser Center at Boston Medical Center)، ونشروا نتائجها في يناير/كانون الثاني 2025 في مجلة الأمراض الجلدية السريرية والتجميلية (Journal Of Clinical And Aesthetic Dermatology)، توصلوا إلى أن الاستخدام المتكرر لمكالمات الفيديو عموماً يجعل الناس أكثر وعياً بمظهرهم، ما يدفعهم إلى البحث عن علاجات تجميلية ليصبحوا أكثر شبهاً بصورهم المفلترة.
وبالمثل، وجدت دراسة نشرتها المجلة الدولية للأمراض الجلدية النسائية (International Journal of Women's Dermatology) أن 86% من جراحي التجميل أفادوا بأن مؤتمرات الفيديو كانت السبب الأكثر شيوعاً للمخاوف التجميلية بين مرضاهم.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: اجتماعات زووم تضر بعقلك وقلبك، فكيف تحد من تأثيرها؟
ما هي أسباب التأثيرات النفسية السلبية لاجتماعات زووم؟
غالباً ما يعاني الأفراد من تضارب بين كيفية إدراكهم لأنفسهم وكيف يظهرون في الصور بسبب عوامل مختلفة، بما في ذلك الإضاءة والزوايا وخصائص الكاميرا، فيصبحون مدركين على نحو مفرط لعيوبهم عند عرض الصور، ما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الحديث السلبي عن الذات وانخفاض احترام الذات.
لتوضيح السبب، شبّه الباحثون الأمر بمشاهدة ذاتك في المرآة على نحو متواصل، فكلما وقفت مدة أطول أمام المرآة ستدقق أكثر في تفاصيل انعكاسك على المرآة، وبأسلوب مماثل، تسبب مشاهدة ذاتك عبر الفيديو، إلى تدقيق أكبر في صورتك الشخصية. وهو ما أطلقت عليه المختصة الاجتماعية، عصمت حوسو، اسم مرض المرآة، إذ عندما يعاني الفرد عدم الثقة بنفسه فإنه يخاف رؤية ذاته كما في تطبيق زووم، حيث يركز خلال الاجتماع على تعابير وجهه وضرورة ظهوره بمظهر لائق على حساب المعلومة، ما يشير على عدم رضا الفرد عن ذاته. في المقابل، تتضمن الاجتماعات المباشرة وجهاً لوجه استخدام الحواس، ما يخفف الخوف أو الارتباك والتشتت.
بالإضافة إلى ذلك، ثمّة عامل مهم يسهم في عدم الرضا عن النفس في اجتماعات الزووم ومكالمات الفيديو، وهو المقارنة الاجتماعية. وفقاً لهذه الظاهرة، يقيّم الأفراد ذاتهم من خلال مقارنة أنفسهم بالآخرين. ومع سيطرة الأجهزة الذكية وعالم وسائل التواصل الاجتماعي والتفاعلات الرقمية على حياتنا اليومية، أصبحت هذه المقارنات أكثر تكراراً، ونتائجها أكثر سلبية. إذ عندما يرى الأفراد أقرانهم أو المؤثرين يقدمون أنفسهم بطريقة مثالية -والتي غالباً ما تكون من خلال استخدام المرشحات أو أدوات التحرير- قد يشعرون بعدم تحقيقهم للمعايير أو عدم الجاذبية، ما يؤثر سلباً في ثقتهم بأنفسهم. وفي سياق برامج المؤتمرات مثل زووم، قد يفحص المشاركون عن غير قصد مظهرهم ومظهر غيرهم، ما يؤدي إلى شعور متزايد بالمنافسة والقلق بشأن الحكم المحتمل من الآخرين.
لا كيف تؤثر الرسائل غير المقروءة في نفسيتك؟ وماذا تفعل لتجنب ضررها؟
6 طرق للتعامل مع عدم الرضا عن المظهر الذي يسببه الزووم
يتطلب تقليل التأثيرات النفسية لإرهاق زووم وعدم الرضا عن مظهر الوجه اتباع نهج متعدد الأوجه. إليك بعض الاستراتيجيات للمساعدة على إدارة مشاعرك خلال الاجتماعات بما يحافظ على تركيزك وإنتاجيتك:
- الحد من عرض الذات في أثناء الاجتماعات: تقدم العديد من منصات مؤتمرات الفيديو، مثل زووم، خيار إيقاف تشغيل الكاميرا. يمكن لهذه الميزة تقليل المراقبة الذاتية المستمرة والنقد الذاتي.
- عكس الفيديو: وفقاً للدراسة المنشورة في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology)، يفضل الناس صورهم المعكوسة في المرآة (Mirror Effect) على الصور الفوتوغرافية الحقيقية، لذا قد تكون الصور المعكوسة وسيلة لزيادة الرضا عن المظهر الشخصي في اجتماعات الزووم.
- عدل التركيز البصري: إذا لم يكن بمقدورك إيقاف تشغيل الكاميرا اجعل عرض الكاميرا الذاتية صغيراً قدر الإمكان، أو اختر خيار "عرض المتحدث"، وركز بصورة أساسية على المشاركين الآخرين.
- خذ فترات راحة منتظمة: حدد فترات راحة منتظمة بين الاجتماعات بعيداً عن الشاشة، بين 10-15 دقيقة لممارسة المشي أو التمدد، أو خلال الاجتماع بحيث لا تدوم أكثر من دقيقتين، لإراحة عينيك وتقليل التعب والتوتر وتحسين التركيز.
- مارس اليقظة الذهنية: ادمج تمارين اليقظة اليومية أو التأمل في روتينك اليومي، مثل المشي الواعي أو التنفس أو اليوغا، لتقليل التوتر.
- عزز شعورك بالانتماء في أثناء مكالمات الفيديو: وجدت الدراسة المنشورة في مجلة علم النفس التطبيقي (Journal of Applied Psychology) أن الشعور بالانتماء إلى المجموعة يقلل إرهاق مؤتمرات الفيديو. على سبيل المثال، التواصل مع الزملاء خارج الاجتماعات لتعزيز الشعور بالقبول والتقدير والاندماج داخل تلك المجموعة وكأنك جزء لا يتجزأ من الكل، ما قد يعزز الراحة والثقة بين الأعضاء.
- ادعم نفسك: انخرط في حديث إيجابي مع الذات، وذكّر ذاتك بنقاط قوتك وقدراتك، لتعزيز ثقتك بنفسك ورفع معنوياتك.