ما هو مفهوم عدم التعلق؟ وكيف تطبقه لتنجح في حياتك؟

5 دقيقة
مفهوم عدم التعلق
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: يُعد أسلوب "عدم التعلق" أداة تساعدك على عيش حياة أكثر سعادة ورضا. يُقدم المقال شرحاً لأنواع التعلق غير الآمن وأنماطه، بالإضافة إلى فوائد عدم التعلق. كما يُقدم نصائح عملية حول كيفية تطبيق مفهوم عدم التعلق في حياتنا اليومية.

هل شعرت بالقلق والتوتر بعد تقدمك إلى وظيفة وأنت تنتظر الرد بالقبول أو الرفض؟ هل عانيت تعباً نفسياً عندما تقدمت إلى ترقية بالعمل وطلبتها من مديرك أكثر من مرة ولم تحصل عليها؟ هل تعلقت بمرحلة من مراحل حياتك وتمنيتها ألا تنقضي لاعتقادك أنها الأفضل؟

تُعبر الحالات السابقة عن اضطراب التعلق. تعود نظرية التعلق إلى المحلل النفسي جون بولبي (John Bowlby)، وبحسب المختص النفسي عبد الله وليد المانع يعرّف اضطراب التعلق بأنه محاولتنا للسيطرة على حياتنا عن طريق التمسك بما نراه مرغوباً والنفور مما نراه غير مرغوب، وهو يُبنى في مرحلة الطفولة ويستمر مع مرور الزمن.

فخ التعلق: علامات تؤكد أن نمط تعلقك يضرك

يؤكد أستاذ علم النفس الإكلينيكي محمد سالم القرني أن اضطراب التعلق أحد الموضوعات النفسية المهمة؛ لأن كل أفعالنا تنبع من ارتباطنا بالآخرين. ووفقاً لنظرية التعلق ثمة ثلاثة أنماط للتعلّق غير الآمن، وهي التعلق المتجنب والتعلق المتناقض والتعلق غير المنظم. سنتعرف إلى كل نمط منها وعلاماته.

1. التعلق المتجنب (Avoidant Attachment): ينشأ لدى الأشخاص الذين يهربون من التقارب العاطفي ويواجهون صعوبات في اللجوء إلى الآخرين في أوقات الحاجة، ومن أهم علاماته:

  • تجنب الالتزام.
  • تجنب تكوين الصداقات الجديدة.
  • عدم تقبل النقد من الآخرين.
  • الشعور بالتوتر وتفضيل الوحدة.

2. التعلق المتناقض أو المشوش (Anxious/Ambivalent Attachment): يظهر لدى الأشخاص الذين يبحثون عن تأكيد أنهم جيدون أو ناجحون في مجال معين ويتشبّثون بأفكارهم لدرجة القلق حيالها، ومن أهم علاماته:

  • الرغبة في إقامة علاقات مع الآخرين لكن من دون منحهم الثقة.
  • عدم احترام الحدود مع الآخرين.
  • الشعور بالغيرة أو القلق من الآخرين.

3. التعلق غير المنظم (Disorganized Attachment): يظهر عند الأشخاص الذين تعرضوا لصدمة في مرحلة الطفولة، ويكون من يعانيه غير قادر على تطوير استراتيجيات تكيف حقيقية مع المواقف المختلفة ولا يستطيع التعامل مع العالم الخارجي بطريقة سليمة. ومن أهم علاماته:

  • الاكتئاب والقلق.
  • كراهية الذات.
  • اتخاذ القرارات الخاطئة بسبب عدم القدرة على رؤية العالم بوضوح وفهمه.

لا تتيح لنا تغيرات الحياة التحكم بما نتعرض إليه، إذاً حين نتحرر من الرغبة في امتلاك أي شيء أو السيطرة عليه ونسمح للأشياء أن تأتي وتذهب من دون الشعور بالحزن أو الغضب أو الخوف سوف نصل إلى السعادة المطلوبة؛ وهذا ما يعبّر عنه مفهوم عدم التعلق (Non-Attachment).

اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على التعلق القلق وتتجاوز شريك حياتك السابق؟

ما مفهوم عدم التعلق؟ وكيف يختلف عن مفهوم اللامبالاة؟

"إذا أردت شيئاً بشدة فأطلق سراحه؛ إن عاد إليك فهو ملك لك وإن لم يعد فهو لم يكن لك من البداية".

انطلاقاً من هذه المقولة التي تعبر عن مفهوم عدم التعلق مباشرة، يمكن تعريف عدم التعلق ببساطة بأنه القدرة على فصل نفسك عن الأشياء التي تتحكم بك أو تؤثر فيك بطريقة تضر بسعادتك.

لا يُمثل عدم التعلق حالة من الانفصال عن الحياة، بل يُعبر عن الحالة التي تكون فيها حاضراً في اللحظة الحالية ولا تنشغل بالتركيز على أن تكون الأمور أفضل أو أسوأ مما هي عليه. ويتفق عدم التعلق مع النضج النفسي والفهم العميق لطبيعة الحياة المتغيرة مع تغير التجربة وعدم جدوى محاولة السيطرة على المواقف المختلفة.

كما أن عدم التعلق ليس صفة سلبية على الإطلاق، فهو بعيد عن مفهوم اللامبالاة؛ يقول الكاتب في مجال التنمية الذاتية فيليب موفيت (Phillip Moffitt): "ثمة اختلاف بين اللامبالاة وعدم التعلق ومن الضروري فهمه إذا ما كنت ترغب في الحصول على السعادة الحقيقية في حياتك". فاللامبالاة تعني الإهمال وعدم الاهتمام، وهذا ليس المقصود بعدم التعلق، إذ يمكنك أن تمارس عدم التعلق وتحافظ على الاهتمام والشغف والحماسة في آن معاً.

باختصار يمكن القول إن عدم التعلق ينطوي على فعل أي شيء دون التفكير المفرط والقلق بشأن تحقيق كل شيء على النحو الصحيح، ودون الالتزام بأي توقعات مفروضة عليك حول شكل حياتك.

اقرأ أيضاً: 5 علامات تدل على أنك تعاني الاعتماد العاطفي، فكيف تتخلص منه؟

ما الفوائد التي ستجنيها من أسلوب عدم التعلق؟

عندما تمارس عدم التعلق، يمكنك التكيف على نحو أفضل مع التغيرات غير المتوقعة، وبناء علاقات أعمق، والشعور بتقدير أكبر لذاتك. يمكن أن يساعدك عدم التعلق أيضاً على تحقيق نجاح أكبر فيما تفعله، إذ يمكنك التعامل مع تحديات الحياة والاتصال بهدفك الذي تصبو إليه وتطوير نفسك من خلال تقبل ملاحظات الآخرين. كما يسمح لك عدم التعلق بأن تتطور وتتغير باستمرار وتبني روابط متبادلة مع العالم من حولك.

يعود علينا تطبيق هذا المفهوم في حياتنا اليومية بعدة فوائد تتلخص فيما يلي:

  • تصفية ذهنك: عندما تُبعد تفكيرك وتعلّقك بتفاصيل في الحياة لا يد لك فيها، وتركز فقط على الأمور التي يمكنك تحقيقها يصبح ذهنك أكثر هدوءاً وتركيزاً.
  • تحسّن الحالة المزاجية: يساعدك عدم التعلق على تخفيف مشاعر القلق والتوتر، ما يؤدي إلى تحسن حالتك المزاجية.
  • توسيع المساحة الذهنية للتفكير في الأمور المهمة: عندما لا تركز على الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها، تتوفر لديك مساحة ذهنية أكبر للتفكير في الأشياء التي يمكنك العمل عليها.
  • تقليل الخوف من فقدان السيطرة: حيث تزداد قدرتك على تقبل التغيرات حولك.
  • تقليل الخوف من التغيير: تطبيق أسلوب عدم التعلق يكسر ارتباطك بالظروف الحالية، وبالتالي يقل خوفك من حدوث التغييرات المفاجئة.
  • بناء علاقات صحية: يُسهم عدم التعلق في تجنب العلاقات غير الصحية أو القائمة على الاعتمادية المفرطة.
  • تحسين الصحة البدنية والعاطفية: نظراً لأن عدم التعلق يقلل مستويات التوتر، فقد تلاحظ تحسناً في صحتك البدنية والعاطفية عموماً.

كيف تطبق مفهوم عدم التعلق في حياتك؟

كيف يمكنك ممارسة عدم التعلق في عالم مليء بالأشياء والأماكن والأشخاص الذين تريدهم في حياتك؟ تشير الطبيبة النفسية ديانا هيل (Diana Hill) في بحث نشرته في موقع سايكولوجي توداي (Psychology Today) إلى أن حالة الارتباط المفرط بالمكان أو الصفة الاعتبارية هيعائق نفسي أمام تطور الفرد واستقرار حياته، مؤكدة أنها حالة عامة تتجلى في مختلف المواقف الحياتية. وللتخلّص من هذه الحالة عليك إتقان تطبيق مفهوم عدم التعلق، وإليك الطريقة:

1. تعلّم التمسك بالحاضر والتخلي عن الماضي: تخلّص من أي شيء لم يعد يخدمك في وقتك الحاضر. مثلاً، إذا كان لديك ملفات ذات مساحة كبيرة على كمبيوتر العمل تتعلق بعملك السابق ولا تستخدمها أبداً، فلا داعي لوجودها لديك والأفضل التخلص منها لتفريغ مساحة تسّرع أداء جهازك في العمل.

2. لا تدع الظروف تتحكم بك: نعم، قد تشعر بالحزن عند رفض مديرك منحك ترقية تستحقها أو تشعر بالأسى إن رفضك شخص تحبه، لكن لا يمكنك السماح لهذه الخسائر بأن تحدد شخصيتك. اسمح لنفسك أن تشعر بالحزن الذي يأتي في البداية، ولكن لا تدعه يسيطر عليك إلى الأبد. آمن بأن الخير قادم، وحين يُفتح لك باب جديد ادخل بإيجابية وثقة.

3. تقبّل فكرة التغيير الدائم: لا شيء في الحياة معفي من التغيير، وبذل الجهد الواعي للتعايش مع هذه الفكرة يمكن أن يساعدك على الشعور براحة أكبر.

4. اعثر على المكان الذي يلائمك: مع استمرارك في الانخراط بالأشياء والأنشطة التي تستمتع بها والتفاعل مع الأشخاص الذين يسعدونك، ستجد مكانك المناسب ضمن المخطط الكبير للأشياء. قد يتغير مكانك باستمرار، ولكن في كل لحظة يمكنك التوجه نحو ما يعبر عنك.

5. مارس التأمل الذاتي: خصص بعض الوقت كل يوم لتكون بمفردك في مكان هادئ. حاول التأمل مدة 10 دقائق على الأقل في البداية، ومدد هذه الفترة يومياً. ركز على تنفسك وجسمك وتجنب الأفكار الخارجية كي تتمكن من تجاوز أفكار الماضي والتفكير في الحاضر.

6. تحد أفكارك: اسمح لنفسك أن تشعر بعواطفك من دون حكم مسبق. هذا تمرين شائع يُمارس في جلسات الاستشارة الفردية والجماعية. اعمل على إدراك أفكارك وكيف تؤثر في أفعالك، وعندما تلاحظ فكرة مرتبطة بتعلقٍ لا يخدمك، مثل "لقد استمر مدراء التوظيف في رفضي ولن أحصل على وظيفة أبداً" (وهو ما يرتبط بفكرة أنك لن تحصل على وظيفة وأن تجاربك السابقة بالرفض تحددك)، يمكنك أن تقول: "لا يمكنني إثبات أنني لن أحصل على وظيفة، ومن المحتمل أن أحصل على وظيفة في المستقبل".

7. ركز على ما تستمتع به: ربما حدث أمر جعل يوم إجازتك مختلفاً بطريقة سلبية، لا تدع ذلك يؤثر في يومك بأكمله وتجاوز الأمر وفكر في الأمور الإيجابية التي تجعل يوم إجازتك سعيداً. مثلاً، إن كان يوماً ماطراً ولم تتمكن من الذهاب في نزهة، ففكر في أخذ قسط من الراحة ومشاهدة التلفاز والاستمتاع بيومك.

8. تحمّل مسؤولية سعادتك الشخصية: يؤدي عدم التعلق إلى تقبل مسؤولية سعادتك الشخصية. عندما تتخلى عن محاولة السيطرة على الآخرين تدرك أخيراً أنه لا يمكن لأحد أن يسعدك سواك أنت.

أخيراً، تذكر أن ممارسة عدم التعلق ليست مهمة سهلة، لكنّها جديرة بالعناء. من خلال التخلّص من التعلقات غير الصحية ستتمكن منعيش حياة أكثر سعادة. اعلم أنك لست وحدك في هذه الرحلة، وثمة الكثير من الموارد المتاحة لمساعدتك على طول الطريق؛ إذ يمكنك ممارسة الامتنان الذي سيساعدك على التركيز على الإيجابيات وتقدير ما لديك. كن لطيفاً مع نفسك ولا تنس أن الجميع يخطئون، لكن المهم هو التعلم من أخطائك والمضي قدماً.