هل نجاحك اليوم يضمن نجاحك غداً؟ احذر مغالطة اليد الساخنة!

3 دقيقة
مغالطة اليد الساخنة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

تخيّل أنك تشاهد مباراة كرة سلة، وأن أحد اللاعبين يسجل نقطتين متتاليتين خلال أول 5 دقائق. قد تفترض سريعاً أن هذا اللاعب سيستمر في تسجيل الأهداف طوال المباراة، ولكن هل هذا الافتراض صحيح؟ أليس من المحتمل أن يكون الأمر مجرد مصادفة؟ في الواقع، هذا مثال على مغالطة اليد الساخنة (Hot-hand fallacy)؛ وليس غريباً أن يطلق على ذلك اللاعب بأنه صاحب يد ساخنة، حيث نعتقد خطأً أن سلسلة من النجاحات العشوائية في الماضي تزيد احتمالات النجاح في المستقبل. فما أسباب هذه المغالطة؟ وكيف تؤثر في اتخاذ القرار؟ وهل من الممكن تفاديها؟ إليك التفاصيل.

اقرأ أيضاً: مغالطة الوصول: لماذا قد تشعر بالتعاسة عند تحقيق أهدافك؟

ما هي مغالطة اليد الساخنة؟

يشرح استشاري العلاج الأسري، محمد القرني، هذه المغالطة بأنها تحيز معرفي يقود الأفراد إلى الاعتقاد بأن الشخص الذي حقق النجاح في حدث عشوائي لديه فرصة أكبر لتحقيق المزيد من النجاح في المحاولات اللاحقة. ويستمر هذا الاعتقاد حتى عندما تكون النتائج مستقلة إحصائياً؛ أي حتى عندما لا تؤثّر النجاحات السابقة في النجاحات المستقبلية.

يكون لهذه المغالطة تأثير أقوى في المجالات التي يسهل فيها توقع النجاح والفشل، مثل الرياضة. على سبيل المثال، قد يعتقد الشخص الذي يفوز عدة مرات متتالية في لعبة حظ أنه سيحقق الفوز فيما يلي حتماً، ما يدفعه إلى اتخاذ رهانات أكثر خطورة. كما قد يعتقد بعض المستثمرين أن الأسهم الذي ارتفعت فجأة ستستمر في الارتفاع ببساطة بسبب أدائها الأخير، ما قد يدفعهم إلى اتخاذ قرارات استثمارية غير عقلانية.

اقرأ أيضاً: لا تدع أحداً يضللك، إليك 8 أشهر مغالطات منطقية وطريقة مواجهتها

لماذا نقع في فخ مغالطة اليد الساخنة؟

تنبع هذه المغالطة من ميل الدماغ الطبيعي إلى البحث عن الأنماط في الأماكن جميعها حتى غير الموجودة فيها، والتنبؤ بنتائج الأحداث العشوائية التي لا يمكن التنبؤ بها. فالبشر، من الناحية النفسية، يميلون نحو إيجاد معنىً ونظاماً في الفوضى، وهذا الميل إلى إيجاد الأنماط ومعالجتها متأصل في التاريخ التطوري للبشر؛ إذ ساعدهم على التنبؤ بالمخاطر المحتملة في البيئة المحيطة وسرعة الاستجابة لها.

كما أن البشر لا يحبون عدم اليقين، فإيجاد الأنماط يمنحنا شعوراً بالسيطرة، ويجعل العالم يبدو أكثر قابلية للتنبؤ والتحكم به. علاوة على أن الدماغ يعالج أساساً كميات هائلة من المعلومات يومياً، لذا قد يستخدم أساليب مختصرة لتبسيط عمليات اتخاذ القرار. ولهذا ربما نرى أشكالاً في السحب، ويؤمن البعض بأرقام الحظ، ويفترض آخرون أن الأحداث المستقلة تعتمد على بعضها بعضاً.

اقرأ أيضاً: 10 تشوهات معرفية تفاقم توترك: إليك خطوات التخلص منها!

كيف تؤثر مغالطة اليد الساخنة في عملية اتخاذ القرار؟

تؤثّر في اتخاذ القرارات الشخصية والمهنية؛ إذ قد تدفع الشخص إلى المبالغة في تقدير قدراته على تكرار النجاح بناءً على تجارب مستقلة سابقة. على سبيل المثال، قد تؤدي هذه المغالطة في قطاع الاستثمار إلى اتخاذ قرارات مالية غير محسوبة بناء على نجاحات قصيرة الأجل.

وفي مجالات أخرى مثل العمل أو الدراسة، فقد تزيد رضا الشخص عن أداءه الجيد الحالي معتقداً أنه سيؤدي بصورة طبيعية إلى النجاح في المستقبل؛ من ثُم تراه يهمل التعلم المستمر أو تحسين المهارات أو التمعن في الأخطاء، الأمر الذي يعوق في النهاية النمو الشخصي ويؤدي إلى اتخاذ قرارات غير موفقة.

علاوة على ذلك، وبمجرد أن يعتقد الشخص أنه في خضم سلسلة من الانتصارات، فقد يقع ضحية للعديد من التحيّزات المعرفية الأُخرى التي ستزيد الطين بلّة، مثل:

  • تحيّز الثقة المفرطة: أي يثق الشخص الذي حقق سلسلة من الانتصارات بأن قدراته على التنبؤ بالنتائج المستقبلية لا يُشقّ لها  غبار، ما قد يدفعه إلى الإفراط في المخاطرة.
  • التحيز التأكيدي: بمجرد أن يعتقد الشخص أنه "محظوظ"، فقد يميل إلى البحث عن المعلومات التي تدعم وتؤكد معتقداته وتحيّزاته السابقة، مع تجاهل الأدلة التي تثبت العكس.
  • وهم السيطرة: المبالغة في تقدير مدى سيطرة الشخص على نتائج الأحداث التي لا يمكن السيطرة عليها. أي قد يعتقد الشخص أن استراتيجيته أو طقوسه تزيد فرصه في الفوز، حتى عندما تكون النتائج معتمدة على الصدفة البحتة.
  • انحياز الإدراك المتأخر: الاعتقاد بإمكانية التنبؤ بالنتائج الماضية ولكن بعد وقوعها بالفعل؛ أي قد ينظر الشخص إلى انتصاراته ويقنع نفسه بأنه "كان يعلم أنها ستحدث"، ما يعزز ثقته الزائفة.

اقرأ أيضاً: هل ينال الطيبون والأشرار ما يستحقونه؟ تعرف إلى مغالطة العالم العادل

5 نصائح لتجنب مغالطة اليد الساخنة

على الرغم أنه من الطبيعي أن نسعى إلى إيجاد الأنماط أينما حللنا، وأن نتنبأ في المواقف غير المؤكدة؛ لكن لا بُد أيضاً من إدراك أن الأحداث العشوائية غالباً ما تكون مجرد أحداث عشوائية، وفهم طبيعتها العشوائية من شأنه أن يساعد على التخفيف من تأثير هذا التحيز. عموماً، إليك بعض النصائح لتجنب الوقوع في هذه المغالطة:

  1. تعرف إلى المغالطة وانشر الوعي: من المهم أن تكون على دراية بالتحيزات المعرفية، بدءاً مغالطة اليد الساخنة وليس انتهاءً بانحياز الإدراك المتأخر، وتأثيرها في تفكيرك وقراراتك.
  2. اعتمد على البيانات والأدلة: لا بد من الاعتماد على أكبر قدر ممكن من البيانات والأدلة وليس على الأنماط المتصورة، كما يجب إجراء تحليلات شاملة قبل اتخاذ القرارات المهمة وليس الاعتماد فقط على النجاحات السابقة كمؤشر على النجاح.
  3. فرِّق بين العشوائية والمهارات: وهذا يعني أن تميّز بين النجاح العشوائي وبين الأداء المستدام القائم على المهارات الفعلية والتدريب.
  4. اطلب النصيحة الموضوعية: تحدث إلى الخبراء أو أجرِ دراسات معمقة قبل اتخاذ قرارات ذات مخاطر عالية.
  5. مارس اليقظة والوعي الذاتي: انتبه إلى كيفية تأثير المشاعر الإيجابية (الحماسة والثقة المفرطة) في إدراكك للفرص والمخاطر، واعلم أن اليقظة الذهنية ستساعدك على أن تكون أكثر انتباهاً، وتقلِّل احتمالية اتخاذ قرارات غير عقلانية أو اندفاعية.

المحتوى محمي