كيف تفسِّر “معضلة القنفذ” ازدواجية مشاعرنا تجاه الآخرين؟

3 دقائق
معضلة القنفذ

لا يخلو حديثنا عن أصدقائنا وأحبائنا عن وصفهم بأنهم أقرب الناس لنا، فهم من يعرفون الكثير عنّا وطبائعنا وما نحب وما نكره، بالإضافة إلى أدق تفاصيل حياتنا.
ولما كان القرب أمراً أساسياً في الإحساس بالحميمية والترابط، إلا أن الابتعاد قليلاً وترك مسافة هو أمر أساسي للحفاظ على تلك العلاقات، ذلك ما تصفه "معضلة القنفذ" (Hedgehog's Dilemma) للفيلسوف الألماني "آرثر شوبنهاور" (Arthur Schopenhauer) في كتابه "التذييلات والإغفالات" (Parerga und Paralipomena)، والتي تصف التحديات التي يواجهها الأفراد في العلاقات، من السعي نحو الحميمية والتقارب، ثم الابتعاد.

ما هي معضلة القنفذ؟

تدور القصة التي كتبها شوبنهاور لوصف تلك المعضلة حول مجموعة من القنافذ الذين اجتمعوا بالقرب من بعضهم البعض في أحد ليالي الشتاء شديدة البرودة للاستفادة من دفئهم، وبالتالي إنقاذ أنفسهم من التجمُّد حتى الموت.

ولكن عندما بدأوا في وخز بعضهم البعض بالشوك الذي يغطي أجسامهم؛ اضطروا إلى التفرُّق. ومع ذلك، دفعهم البرد للاقتراب من بعضهم مرة أخرى، لكن حدث نفس الشيء وابتعدوا.

أخيراً، وبعد عدة محاولات من الاقتراب والابتعاد، اكتشفوا أنه سيكون من الأفضل لهم البقاء على مسافة قصيرة من بعضهم البعض، للحصول على بعض الدفء مع الحفاظ على أنفسهم من الوخز.

يضيف شوبنهاور في كتابه أن تلك المسافة المعتدلة المتروكة، والتي وجدوا أنها الحل الأفضل، هي أيضاً مثالية بين البشر حتى يمكنهم الحفاظ على علاقتهم، دون التأذي بصفات الآخر السيئة. فمن خلال هذا الحل، يتم إرضاء الحاجة المتبادلة للدفء والحميمية بشكل معتدل للغاية، ولكن من دون خداع الآخر.

تلك المعضلة تفسِّر كثيراُ من الحاجة الإنسانية المتبادلة للشعور بالحميمية والاقتراب من الآخرين، والتي قد يعوقها كل من القواعد الاجتماعية والطبيعة البشرية. وأن تلك المعضلة يُنظر إليها على أنها استعارة لعجز الإنسان عن تحطيم كل الجدران الداخلية بداخله تجاه الآخرين.

اقتبس فرويد حكاية شوبنهاور لاحقاً في مقاله عام 1921 بعنوان "علم النفس الجماعي وتحليل الأنا" (Group Psychology and the Analysis of the Ego)، لتوضيح ما أسماه فرويد بـ "رواسب مشاعر النفور والعداء" المتعلِّقة بأي علاقة إنسانية طويلة الأمد، والتي تصف ازدواجية الشعور لدى البشر، بالسعي للتقارب والحميمية وتبديدها في الوقت نفسه.

معضلة القنفذ قد تزيد الرغبة في التواصل!

في بحث منشور في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology) لدراسة إمكانية تحفيز الاستبعاد الاجتماعي لإعادة الاتصال بين الأشخاص، أشارت النتائج إلى أن الاستبعاد الاجتماعي من بعض الدوائر الاجتماعية يزيد الدافع لتكوين روابط اجتماعية مع مصادر جديدة للانتماء.

كما أن التهديد الناتج عن ذلك الاستبعاد قد دفع المشاركين في الدراسة إلى التعبير عن اهتمام أكبر بتكوين صداقات جديدة، وزيادة رغبتهم في العمل مع الآخرين، وتكوين انطباعات أكثر إيجابية عن أهداف اجتماعية جديدة، بالإضافة إلى تخصيص مكافآت أكبر لشركاء التفاعل الجدد.

تشير النتائج أيضاً إلى بعض الشروط لفرضية إعادة الاتصال الاجتماعي بعد الاستبعاد، فالأفراد المستبعَدين قد لا يسعون إلى إعادة الاتصال مع من قاموا بإقصائهم في المقام الأول.

وضع الحدود الصحية كحل لمعضلة القنفذ

إن وضع الحدود الصحية في العلاقات هو إحدى طرق العناية بالنفس خلال التواصل مع الآخرين. لوضع حدود صحية في العلاقات تساعدنا على الحفاظ على صلتنا بالآخرين مع عدم إحساسهم بالإحباط أو الجفاء من جانبنا، تنصح "بام ويلسي" (Pam Willsey)؛ المعالجة النفسية في مقالها لموقع سيكولوجي توداي بالآتي:

  • حدد مشاعرك: لاحظ كيف تشعر عندما تكون مع الشخص أو المجموعة، وكيف تشعر عندما لا تكون معهم. إذا شعرت أن شيئاً ما "خطأ"، ثق بمشاعرك. فمن المحتمل أن يكون الأمر فعلاً كذلك وعليك الحرص بعض الشئ خلال التعامل مع هؤلاء الأشخاص.
  • تعرّف على احتياجاتك: يساعد ذلك في تحديد المساحة التي تريد إنشاءها. لذلك يجب أن تتعرَّف أولاً على ما تحتاجه وما تريده وما لا تقبل به مطلقاً، وضع حدوداً بناءً على ذلك.
  • تواصل مع الآخرين بشأن حدودك: لا يتوقف الأمر عند وضع حدوداً دون التعبير عنها، فإعلام الآخرين بالطريقة التي تريد أن تُعامل بها، وما تتسامح معه وما لا تتحمله أمراً مهماً يجب التركيز عليه، والتعبير عنه بوضوح، وعدم ترك الموضوع للطرف الآخر لتخمين ذلك.
  • اطلب الدعم: إن كيفية قول ما تريد وما ترفض وإدارة ردود أفعالك هو سلوك مكتسَب يمكن تنميته. إذا لم يمكنك وضع الحدود التي ترغب فيها بنفسك، يمكنك التفكير في شخص تعرفه يضع حدوداً صحية وتتعلم من سلوكه. كذلك، فالعمل مع مدرب أو معالج لديه خبرة في هذا المجال يمكن أن يساعدك بدرجة كبيرة ويغيّر حياتك.

وأخيراً، إن ترك مسافة بينك وبين الآخرين ليس أمراً سلبياً في العلاقات، بل وسيلة وقائية لحماية النفس قد تحميك من مخاطر لاحقة. كذلك، فوضع حدود صحية في التعامل مع الآخرين لا تعتبر حواجز تؤثر سلباً على علاقاتك معهم، بل هو أمر جيد لحماية نفسك والبقاء على اتصال معهم في الوقت ذاته.

المحتوى محمي