هل تَمضغ العلكة أم لا؟

4 دقائق
مضغ العلكة

تنبهر بألوانها وأشكالها المختلفة؛ قطعة صغيرة سحرية تنعش أنفاسك وتمنحك لحظات لا مثيل لها. قد يبدو هذا مقطعاً من دعاية تلفزية يدعو المشاهدين لشراء ومضغ العلكة واعداً إياهم بلحظة نشوة استثنائية وربما بعض الفوائد الصحيّة أيضاً. لذلك نجد ارتباطاً في أذهان العامة من الناس ما بين مضغ العلكة ومزاياه الصحيّة الكثيرة. ومن بين هذه الفوائد تنظيف الأسنان وتخفيف آلامها وتعزيز صحّة اللثة.

مضغ العلكة ليس جديداً، فقد مضغها سكان الإغريق والآزتك قديماً وسكان حضارات قديمة أخرى كذلك، تقريباً لنفس الأسباب التي يتمّ الترويج لها في الإعلانات الدعائية. ورغم أن علكة الآزتك ليست علكة القرن 21 المليئة بالمواد الحافظة، فهناك تاريخ جدلي مهم حول فوائدها وأضرارها المؤثّرة في الصحة الجسدية والنفسية.

العلم يؤيّد مضغ العلكة

توجد عشرات الدراسات والأبحاث التي ركّزت على إظهار وجود أي فوائد حقيقية وراء مضغ العلكة. وكما يقال؛ ما نبحث عنه نجده! بالفعل هناك منافع عديدة يمكن أن نقنع بها بعض الأشخاص بالمداومة على مضغ العلكة؛ بل واتخاذها كعادة صحيّة أيضاً.

من بين أكثر الأسباب المثيرة والمغرية كذلك المستخدَمة للترويج للعلكة مساعدتها على إنقاص الوزن. ذلك من خلال حرق بعض السعرات الحرارية إذا ما تمّ تناولها في أوقات الوجبات الخفيفة خلال منتصف النهار أو ليلاً. العلكة تخفّف من اشتهاء الطعام.

رغم أن هذه المعلومة غير مؤكّدة طبيّاً؛ إذ لا يمكن للعلكة أن تساعد بشكل مباشر في إنقاص الوزن، فقد صدرت دراسة تحليلية سنة 2015 بالتعاون بين باحثين وأكاديميين في علوم التغذية وعلم النفس من فرنسا وبريطانيا وأميركا، راجعت نتائج أكثر من 15 بحثاً حول تأثيرات المضغ في الشهية وتناول الطعام وهرمونات الأمعاء، وأشارت خلاصة المراجعة التحليلية إلى أن المضغ في حدّ ذاته قد يقلّل فعلاً من الجوع ويحدّ من الرغبة في تناول الطعام من خلال التغييرات في استجابات هرمون الأمعاء المرتبطة بالشبع.

قد يهمّك أيضاً: كيف يؤثر الضغط النفسي في زيادة الوزن

العلم يؤيد الخطط التسويقية أيضاً

بالتأكيد المساعدة على إنقاص الوزن غاية في الأهميّة، خاصة بسبب وجود ملايين الأشخاص الذين يعانون من مشاكل تخصّ الوزن. إن وجود عشرات الدراسات التي تتناقل المواقع الإخبارية والمقالات العلمية نتائجها له تأثير قوّي في المنحى الترويجي لهذا المنتج. فالمتسابقون في برنامج أميركي معروف؛ مثلاً "الخاسر الأكبر" (The Biggest Loser)، يستخدمون العلكة في السيطرة على الرغبة الشديدة في تناول الطعام وبالتالي المساعدة على فقدان الوزن.

تشكّل العلكة سوقاً مربحة ضخمة؛ إذ إن 40% من الأميركيين يستهلكون العلكة، وفقاً لمقال منشور في يناير/كانون الثاني عام 2010 في مجلة "ذي إيكولوجست" (The Ecologist). كما أضاف المقال أن ما يقرب من 50% من الأشخاص في جميع أنحاء دول أوروبا يستخدمون العلكة. وفي بريطانيا فقط، يتمّ إنفاق حوالي 325 مليون جنيه إسترليني سنوياً على العلكة. وتتحكّم في صناعة العلكة شركتان عالميتان تقدَّر قيمتهما بأكثر من 10 مليار جنيه إسترليني.

كما قد يؤدي الجانب النفسي دور المساعد في كبح الشهيّة؛ إذ إنّ مُجرّد وضع قطعة علكة سكّرية في الفم بعد تناول الوجبة قد يعطي إشارة للدماغ بأن وقت الأكل قد انتهى بالنسبة لبعض الأشخاص، وفقاً لمختصة التغذية ومؤلفة كتاب "نظام التغيير البسيط" (The Small Change Diet) كيري جانز (Keri Gans)؛ التي تقول أيضاً بأن هذا سيكون بمثابة حيلة نفسية للأشخاص الذين يحتاجون لتناول شيء حلو بعد نهاية كلّ وجبة إذ ستكون العلكة بديلاً جيّداً لمخروط الآيس كريم أو قطعة الكعكة.

مضغ العلكة عادة سيّئة تسبّب السرطان وتشتّت الانتباه

في مقابل الفوائد التي قد تبدو أنها عظمى لمضغ العلكة واستندت إليها عشرات الأبحاث، هناك عشرات أخرى منها ذهبت إلى إبراز الوجه القبيح من مضغ هذه القطع الصغيرة الملوّنة المصنوعة من المطاط الصناعي (Synthetic Rubber) والكثير من المواد الحافظة والمسرطنة.

وفقاً للتقرير الخامس عشر والأحدث عن المواد المسبّبة للسرطان الصادر عن برنامج وطني مموَّل من الحكومة الأميركية في ديسمبر/كانون الأول 2021، فالعلكة تحتوي على مكونات تمّ إثبات تَسبّبها في السرطان حسب أدلّة قائمة على تجارب شملت الفئران.

أضف إلى ذلك؛ عدد من المحليّات الصناعية من أبرزها؛ "الأسبارتام" (Aspartame) و"أسيسولفام كيه" (Acesulfame K). وقد ثبتَ أن هذا الأخير يُسبّب السرطان للحيوانات؛ ما يعني أنه قد يكون أيضاً عاملاً مسبّباً للإصابة بالسرطان لدى الإنسان. أما الأسبارتام، فتشير قائمة صادرة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) إلى أنّه يسبّب أو يزيد من سوء حالات صحيّة ونفسيّة تشمل نوبات الصرع، اضطراب نقص الانتباه (ADD)، داء السكري، مشاكل الغدة الدرقية، التعب المزمن والاكتئاب.

ومن عجائب القطعة المطاطية المثيرة للجدل كذلك أنها كانت إلى وقت قصير الوسيلة المفضّلة لدى لاعبي كرة القدم للسيطرة على أعصابهم وعواطفهم، وربما المحافظة على ابتسامة بيضاء جذّابة. لكن لا يبدو أن هذا ينطبق على الجميع.

تخبرنا بعض الدراسات العلمية أن هناك أمراً آخر يجب الانتباه له. إنّ مضغ العلكة على المدى الطويل يزيد من صعوبة التركيز ويشتّت الانتباه. وهو استنتاج خَلصت إليه الدراسة الآتي ذكرها بعد قليل؛ التي أجريت على 100 طالب اختيروا عشوائياً لمضغ العلكة قبل الامتحانات لمدة 19 يوماً.

يساهم مضغ العلكة في تحقيق النجاح الدراسي

والعجيب في الأمر أن نفس هذه الدراسة التي أجريت على عيّنة عشوائية لمائة طالب، والصادرة سنة 2014 عن كلية العلوم الصحية قسم التمريض بتركيا، خلصت من خلال التحليلات ما قبل وبعد للطلبة إلى أن درجات الاكتئاب والقلق والتوتّر قبل الاختبارات كانت أعلى بكثير من نتائج ما بعد الاختبارات. لذا نصح القائمون على الدراسة الطلاب بمضغ العلكة قبل الامتحانات لتجاوز التوتّر والتغلّب على إجهاد الامتحان.

لمَ لا إذاً! إن كان مضغ العلكة يساعد على النجاح الأكاديمي والحصول على درجات جيّدة في الاختبارات، فقد يختار أحدهم تحمّل احتمالية فقدان التركيز على المدى الطويل مقابل ضمان النجاح في الامتحانات. يعتمد ذلك على كيف يرى الأمر من زاويته!

فكثيرون اتخذوا من هذه القطعة المطّاطية بديلاً للسيجارة أو مساعداً على الإقلاع عنها. آخرون قرّروا أنها ربما تكون مصدراً بديلاًَ للحصول على الكافيين. كما أنّها قد تقلّل التوتّر وتقوّي الذاكرة وتبعث على شيء من البهجة والسرور خلال يومٍ مليء بالضغوط.

لكن هذا لا ينفي كونها في الأول والأخير منتجاً صناعياً يعتمد على المواد الكيميائية في تصنيعه. وقد يجد البعض أن إنقاص الوزن باستخدام العلكة أو تخفيف مستويات الاكتئاب والقلق والتوتّر مجرّد أسطورة. ربمّا قد نكتفي بتنظيف الأسنان كفائدة عامّة من مضغ العلكة إلى حين يخبرنا علماء النفس والتغذية بالمزيد من الحقائق المؤكّدة.

ماذا إذاً: هل ستشتري قطعة علكة اليوم؟

المحتوى محمي