منظر الدم وهو يتدفق ليس لطيفاً أبداً؛ لكن بالنسبة للبعض فهو كابوس حقيقي قد يجعلهم يشعرون بالتوعك والقلق. لماذا هذا الخوف من منظر الدماء؟ وكيف نتخلص منه؟
الخوف من الموت
يقول باسل الذي يبلغ من العمر 37 عاماً: "أصاب بالدوار بمجرد رؤية الدم وترتجف ساقاي وأكاد أفقد وعيي". هل يمكن اعتبار هذا الشخص حساساً جداً؟ ليس ذلك وحسب. يقول الطبيب النفسي السلوكي في مركز الإجهاد والقلق والاكتئاب في باريس، إريك تانو عن حالة باسل: "يعاني باسل من الهيموفوبيا أو رهاب الدم". وفقاً لمنظمة الصحة العالمية تحتل هذه الحالة المرتبة الثالثة بين أكثر أنواع الرهاب شيوعاً بعد رهاب الحيوانات والخلاء. ويضيف تانو: "غالباً ما يرتبط هذا الرهاب بالمخاوف المتعلقة بالعالم الطبي مثل المستشفيات والحقن والولادة وغيرها".
القاسم المشترك بين حالات رهاب الدم هو آثارها الفيزيولوجية؛ إذ لا تتجلى آثارها بحالة من العصبية أو الرغبة في الهرب بل بتباطؤ الدورة الدموية وانخفاض معدل ضربات القلب، وقد تؤدي في بعض الحالات إلى الإغماء.
بالنسبة للمحلل النفسي سيرج فالون فإن الخوف من مشهد الدم قديم. إنه أحد المخاوف الأساسية القديمة مثل الخوف من الظلام والوحدة والظواهر الطبيعية (الرعد، كسوف الشمس وما إلى ذلك) التي تنذر بوجود الخطر في اللاوعي. من ناحية أخرى فالدم علامة على الحياة طالما أنه مخبأ داخل أجسامنا. بمجرد خروجه، يصبح مرئياً وبمثابة إشارة على أننا نفقد الحياة؛ إنه يوحي بالموت.
من المحرمات الاجتماعية
ويضيف سيرج فالون: "سيطر القدماء على الخوف من الدم من خلال الممارسات الثقافية لزمن طويل مثل التضحية والصيد والطقوس المحيطة بذبح الحيوانات. من خلال هذه الممارسات تمكّن الناس من السيطرة على خوفهم من الدم. أما اليوم فقد اختفت هذه الممارسات تقريباً. ربما نشاهد الكثير من المشاهد الدموية في وسائل الإعلام لكنها تبقى مجرد صور فقط".
يضيف سيرج فالون: "في الواقع نحن نفعل كل ما في وسعنا لتجنب التعرض لمشاهد الدم، فاللحوم تصل إلى أطباقنا جاهزة للطهو هذه الأيام، ويستعمل الناس القطن والشاش لإخفاء آثار الدماء والتخلص منها بسرعة. لقد حول مجتمعنا الذي يركز على النظافة كثيراً الدم إلى نجاسة وأصبح من المحرمات. قد يفسر هذا التطور ردود الفعل الرهابية تجاه الدم".
تبلور المخاوف المدفونة
لتفسير معاناتها من رهاب الدم؛ تستحضر أليس التي تبلغ من العمر 41 عاماً ذكرى عايشتها أيام الطفولة: "حدث خطأ ما عندما كان الطبيب يسحب الدم مني لإجراء اختبار ونزفت إلى درجة كدت أن يُغمى عليَّ". يمكن أن تؤدي مثل هذه الحوادث إلى تبلور الخوف من شيء ما، مشهد الدم في هذه الحالة؛ لكن بالنسبة للتحليل النفسي لا يمكن أن يكون هذا الحادث التفسير الوحيد للرهاب.
يقول سيرج فالون موضحاً: "التجربة المؤلمة هي بمثابة فرصةٍ لتظهير الخوف المدفون فينا". ووفقاً لفالون، فإن الرهاب متأصل في بنيتنا النفسية التي تقوم على كبح الدوافع العدوانية التي تسكن داخلنا: "يخشى الشخص الرهابي من إظهار مخاوفه النفسية الداخلية فينقل أو يزيح تأثيرها في باطنه الجسدي: الدم رمزٌ للحياة أو الموت".
شهادة
آن صوفي ذات الـ 31 عاماً، معلمة.
"لقد تعلمت السيطرة على خوفي".
"كان مشهد الدم يزعجني دائماً لكني تمكنت من السيطرة عليه لفترة طويلة من خلال تجنب النظر إليه. ولكن منذ ثلاث سنوات كنت في رحلة ميدانية مع طلاب صفي عندما سقط أحد الطلاب ونزفت ركبته. شعرت بالخوف الشديد ولم أستطع مساعدته مطلقاً. لقد جعلني هذا الحادث أدرك أن خوفي يمكن أن تكون له عواقب وخيمة".
نصحني أحد الأطباء بالعلاج السلوكي المعرفي. وفي غضون ثلاثة أشهر تعلمت السيطرة على خوفي من خلال التدريبات الظرفية - النظر إلى صور الدم ثم التعرض لدمٍ حقيقي. هل شفيت الآن؟ لن أتعافى تماماًَ حتى أعرف السبب الجذري لهذا الخوف، لذلك أفكر في إجراء تحليل نفسي، ليس من أجل ذلك فحسب؛ بل لتجنب أن يتطور رهابي هذا إلى رهاب من نوعٍ آخر كالرهاب من لدغات الحشرات التي تخيفني مثلاً".
في غضون ذلك جعل هذا العلاج حياتي أسهل؛ إذ لم تعد فكرة التعرض للدم ترعبني.
ما العمل؟
حرّك عضلاتك
يتجلى الخوف من مشهد الدم في انخفاض ضغط الدم لذلك انسَ تمارين الاسترخاء. بدلاً من ذلك؛ عندما تشعر بالخوف من مشهد الدم قم بشد عضلاتك مع الحرص على الحفاظ على ضربات قلب منتظمة، وحرك ذراعيك ورجليك كي يتدفق الدم أكثر.
عرّض نفسك للـ "خطر"
انتبه للمواقف التي تثير مخاوفك مثل مشهد الدم على نفسك وعلى الآخرين، على شاشة التلفاز. دوّن هذه المواقف ورتبها حسب قدرتك على تحملها من المواقف البسيطة إلى المواقف التي لا تطاق. ووفقاً لهذا الترتيب قم بتعريض نفسك لهذه المواقف. على سبيل المثال هل تخافُ سماع كلمة "دم"؟ اكتبها وكررها بصوتٍ عالٍ. بمجرد التقليل من هذا الخوف، انتقل إلى الخوف التالي. الهدف من تعريضك لمخاوفك هو تدجين الخوف بجعله مألوفاً لك.
تعرف إلى رهاب الدم
مثل كل الرهابيين؛ قد تميل إلى تهويل بعض المواقف. قد تسمع عن أخذ عينات الدم وتتخيل نفسك بالفعل مستنزفاً من الدم. من خلال سؤال الأطباء والأحباء حول ذلك ستتخلص من هذه الأفكار التي لا أساس لها من الصحة.
اعتنِ بمن حولك
كن مراعياً: عندما يتعرض طفلك أو أحد أحبائك ممن يعاني من رهاب الدم لرؤيته، أجلسه وحرك ذراعيه وساقيه. يمكنك مساعدته أيضاً على التغلب على خوفه من خلال بقائك معه أثناء زيارة الطبيب أو المستشفى أو أثناء إجراء اختبار الدم، واحرص دائماً على إبلاغ الفريق الطبي بحالته.