ملخص: وفقاً لدراسة منشورة في دورية نيتشر العلمية، فإن 30-60% من سمات الشخصية ناتجة عن الوراثة، وتعد الشخصية نمطاً فريداً ومستقراً من الأفكار والعواطف والسلوكيات التي تميز الفرد، وهي تنتج أساساً عن التفاعل ما بين الجينات والبيئة. وعلى الرغم من أن طبع الإنسان وبعض سماته الأساسية مثل الانفتاح والعصابية تكون موروثة بدرجة كبيرة، فإن العادات والسلوكيات والمعتقدات الذاتية والمواقف قابلة للتغيير. عموماً، لتغيير جوانب في شخصيتك عليك أن تتحلى بالوعي الذاتي، وتتحدى معتقداتك الذاتية؛ فلا تفترض أن سمات شخصيتك ثابتة يصعب تغييرها، وإنما تتبنى عقلية تسمح لك بالنمو، بالإضافة إلى تبني عادات جديدة من خلال إجراء تغييرات صغيرة تدريجياً مع التحلي بالصبر والرفق بالنفس، إضافة إلى أن التركيز على الجهد الذي تبذله وليس على قدرتك الفطرية يسهّل عليك التغيير، فضلاً عن طلب المساعدة من الأصدقاء والعائلة، أو من المختص النفسي عند الحاجة. وختاماً عليك أن تتقبل نفسك وتعترف بوجود سمات شخصية لا يمكنك تغييرها، وفي حال أردت تغيير بعضها فليكن ذلك بناءً على رغبتك الحقيقية في ذلك وليس من أجل إرضاء الآخرين.
محتويات المقال
وفقاً لدراسة منشورة في دورية نيتشر (Nature) العلمية، فإن الشخصية البشرية موروثة بنسبة 30-60%. فهل يعني هذا أن جزءاً كبيراً من سمات شخصياتنا متأصل في جيناتنا على نحو يصعب تغييره؟ في الواقع، استدعى ذلك إلى ذهني فكرة رائجة مفادها أن الإنسان يُولَد بطبع محدد وسمات محددة ولا يكون قادراً على تغييرها مع مرور الأيام، فهل هذا صحيح؟
حسناً، وقبل أن نتصالح مع عاداتنا السلبية ونعزف عن محاولة التحسُّن والتغيير، علينا أن نفرّق بين كلٍّ من السلوك والعادات والسمات الشخصية الرئيسية، كي نرى ما الحد الأقصى الذي يمكننا الوصول إليه في تغيير شخصياتنا، وكيف نبلغه؟
اقرأ أيضاً: اكتشف نفسك: 3 سمات تميز الشخصية الحكيمة
ماذا تعني الشخصية؟ وهل هي موروثة أم مكتسبة؟
يمكن تعريف الشخصية البشرية بأنها النمط الفريد والمستقر من الأفكار والعواطف والسلوكيات التي تحدِّد طريقة الفرد في التفاعل مع العالم. أما فيما يتعلق بأن الشخصية وراثية أم مكتسبة عن التنشئة، فيمكن القول إنها مزيج من الاثنين.
إذ تسهم كل من الجينات والبيئة في تكوينها، لكن مدى التأثير الجيني يختلف حسب السمة المحددة. على سبيل المثال، تتأثر السمات الخمسة الكبرى للشخصية بصورة كبيرة بالجينات؛ إذ ذكرت دراسة منشورة في دورية نيتشر (Nature) العلمية أن التباين في السمات الخمس الكبرى موروث بنسبة 40-60%.
وللعلم، فإن السمات الخمس الكبرى للشخصية تستخدم لوصف 5 أبعاد رئيسية للشخصية، بحيث يتمتع الشخص بدرجة عالية أو منخفضة أو في مكان ما بين الطرفين من كل سمة، وتشمل: الانفتاح والتوافق والانبساطية والعصابية ويقظة الضمير، إذ تتشكل شخصية الفرد المميزة عبر هذا المزيج من السمات الخمس.
اقرأ أيضاً: ما سمات الشخص المتزن نفسياً؟
ما هو دور البيئة في تكوين الشخصية؟
على الرغم من تأثير الجينات في تكوين السمات الشخصية الأساسية، فإن التنشئة تؤدي دوراً حاسماً أيضاً؛ حيث تتفاعل البيئة مع الاستعدادات الوراثية للتأثير في تطور الشخصية بمرور الوقت. بكلمات أُخرى، يولد الطفل بطبع محدد، أو يمكن تسميته مزاجاً (Temperament)، والمقصود به السمات الرئيسية التي تؤثر في سلوكه وتفاعلاته الاجتماعية واستجابته للبيئة منذ ولادته.
وقد تبين، وفقاً لموقع ميدلاين بلس (MedlinePlus) التابع للمكتبة الوطنية الأميركية للطب (National Library of Medicine)، أن نحو 20-60% من هذا الطبع يتحدد بالوراثة، لكن ينبغي معرفة أنه لا يوجد جين واحد يحدد بصورة مباشرة طبع الإنسان وسماته الأساسية، بل ثمة العديد من الاختلافات الصغيرة في آلاف الجينات المختلفة التي تعمل معاً لتشكيل الخصائص الفردية للطبع. وبالإضافة إلى هذه الاختلافات الجينية، تؤدي التغيرات فوق الجينية، التي تعني قدرة الجسم على تشغيل جينات محددة أو إيقافها وفقاً للبيئة والتجارب، دوراً أيضاً في تكوين الطبع؛ ما يعني أن العوامل البيئية تؤثر في طريقة تعبير الجينات عن نفسها.
على سبيل المثال، إذا نشأ الطفل في بيئة يسودها العنف أو الإساءة، فقد يحدث تنشيط بعض الجينات المرتبطة بالسلوك الاندفاعي، ما يزيد احتمالية التمتع بطبع اندفاعي. من ناحية أخرى، قد يختبر الطفل نفسه في حال نشأ في بيئة آمنة نتائج مختلفة. ففي مثل هذه البيئة الإيجابية، قد يحدث تنشيط جينات مختلفة، ما يسهم في خلق مزاج أكثر هدوءاً واستقراراً. وهذا يعني أن الطفل نفسه قد يطور في بعض الأحيان، ولو بصورة جزئية، سمات مزاجية مختلفة بناء على التفاعل المعقد بين الجينات وتجارب الحياة.
خُلاصة ما سبق، تشير حقيقة أن الأطفال يولدون بطبع محدد إلى أن الوراثة تؤدي دوراً في الشخصية، لكن تشير التغيرات التي تصيب الشخصية بمرور الوقت إلى دور البيئة. إذاً، قد تظلّ بعض السمات العامة ثابتة طوال الحياة، لكن ثمة سمات أخرى يمكن وصفها "بالسمات الوسطية" قابلة للتغيير. وإليك ما المقصود بذلك.
اقرأ أيضاً: هل أنت ذكي؟ 10 سمات شخصية تكشف ذلك
ما الذي يمكنك تغييره في شخصيتك؟
تميل السمات الشخصية الأساسية إلى أن تكون طويلة الأمد ومستقرة ومستمرة، ومن غير المرجح أن تستطيع تغيير شخصيتك تغييراً جذرياً من شخص منفتح يحب الاختلاط والتحدث مع الناس إلى شخص انطوائي تماماً يفضّل العزلة، لكنك تستطيع تغيير سلوكك وعاداتك ومعتقداتك، وهو ما يغيّر جوانب كثيرة من شخصيتك أيضاً. عموماً إليك ما يمكنك تغييره في نفسك:
- المعتقدات والتصورات الذاتية: يقصد بها تصورات الشخص الذهنية عن نفسه وعلاقاته وعالمه. بكلمات أخرى، تمثّل المعتقدات جزءاً كبيراً من حياة الإنسان بدءاً من نظرته إلى نفسه والآخرين، وصولاً إلى كيفية أدائه في الحياة اليومية، وكيفية تعامله مع تحديات الحياة، وطريقة تكوين العلاقات مع الآخرين.
يطور الإنسان منذ الطفولة هذه المعتقدات والتصورات، وعلى الرغم من أنها جزء أساسي من الشخصية، مثلما يعتقد العديد من المختصين، فإن إمكانية إحداث تغيير حقيقي في هذه المعتقدات قد يكون له تأثير كبير في السلوك، وربما في جوانب معينة من الشخصية.
وبالطبع، قد لا يكون تغيير المعتقدات سهلاً بالضرورة؛ لكنه ممكن وليس مستحيلاً. على سبيل المثال، إذا كنت تعتقد أن سمة الذكاء موروثة وثابتة، فمن المرجح أن تتخذ خطوات لتعميق معتقداتك، أما إذا كنت تراها قابلة للتغيير، فمن المحتمل، أن تبذل جهداً أكبر لتحدي نفسك وزيادة ذكائك.
اقرأ أيضاً: ماذا يعني أن يكون الشخص ذكياً؟
- مواقفك أو مفاهيمك أو وجهات نظرك (Attitude): يقصد بها التقييم العام والطويل الأمد لشيء أو شخص أو مجموعة أو قضية أو مفهوم، بحيث يكون هذا التقييم إيجابياً أو سلبياً. يتشكل الموقف من المعتقدات والعواطف والتجارب والسلوكيات السابقة، ومن الممكن تغييره في حال فهِم الشخص كيف تكوَّن موقفه تجاه نفسه ومحيطه والآخرين، وكيف يؤثر في حياته.
- العادات: الإنسان حصيلة عاداته مثلما يقال، وبالطبع يمكن تغيير العادات؛ سواء كانت إيجابية أم سلبية. فقد تميل العادات إلى التغيُّر بغية التكيف مع الظروف الجديدة كلما تقدم الشخص في العمر وواجه تحديات جديدة وانخرط في روتين جديد.
وهنا ينبغي التفريق بين العادات والسلوك؛ فالسلوك عموماً هو فعلٌ يمكن ملاحظته، ويأتي استجابة لتأثيرات داخلية أو خارجية، أما العادة فهي سلوكيات تكررت كثيراً إلى أن أصبحت تلقائية؛ أي بات الشخص ينفّذها دون أن يتطلب تنفيذُها نية أو تفكيراً واعياً.
- السلوك: إن كانت بعض السمات موروثة، فإن السلوك مكتسب، وهذا يعني أن تغيير السلوكيات المؤذية، سواء للنفس أم للآخرين، ممكن ومحتمل. ويؤكد استشاري العلاقات الأسرية، جاسم المطوع، على ذلك، إذ يقول إنه ينبغي التفريق بين تغيير الطبع وتغيير السلوك، خصوصاً عند تربية الأطفال، فقول الصدق هو سلوك، ويمكن للطفل تعلمه بسرعة، أما البطء في تناول الطعام واللباس والحركة عموماً هو طبع، وصعب جداً أن يتغير.
عموماً، حتى يستطيع الشخص تغيير سلوكه فعليه تحمُّل المسؤولية عنه في البداية، وأن يقتنع أن عليه تغييره، أو أن يرغب في ذلك أساساً. فالكذب أو التسلط أو جلد الذات هي سلوكيات تكررت إلى أن أصبحت عادات أو أنماطاً سلوكية ضارة، وقد ترتبط هذه السلوكيات ببعض حالات الصحة النفسية ما يجعل التغيير أكثر صعوبة، وقد يحتاج الأمر إلى طلب المساعدة المتخصصة.
اقرأ أيضاً: إرشادات نفسية تساعدك على فهم شخصيات الآخرين بعمق
7 نصائح تساعدك على تغيير شخصيتك
متى يجب عليك أن تتغيّر؟ تقول المختصة النفسية، ميستي سميث (Misty Smith)، إن الشخص يشعر بالحافز للتغيير عندما تتوقف سلوكياته عن خدمة الغرض منها؛ أي أن المواقف أو العادات التي كانت تلبي حاجة ما أو تساعد الفرد على التكيف لم تعد فعّالة الآن، أو باتت تشكل ضرراً أو تؤثّر سلباً في حياته، مثل علاقاته أو أدائه في العمل.
وبالطبع، التغيير صعب وغالباً ما يتطلب 6 عوامل، هي: الدافع، والدعم، والتصميم، والاستمرارية، والوعي الذاتي، والتعاطف مع الذات. فمن المرجح أن يغيّر الإنسان معتقداته وسلوكياته أو مواقفه أو عاداته أو بعضاً من سماته في حال امتلك بعضاً من هذه العوامل الستة أو جميعها. عموماً، إليك أهم النصائح التي ستساعدك على تغيير نفسك:
- طوِّر وعيك الذاتي: لأن التعرف إلى أفكارك وعواطفك ومعتقداتك وسلوكياتك يساعدك على فهمها وفهم محفزاتها، وإدراك ما تحتاج فعلاً إلى تغييره، فإن هذا سيساعدك في المحصلة على إدارة سلوكياتك والتكيف مع المواقف وفقاً لما يتطلبه الأمر. يمكن لخطوات مثل التأمل وتدوين اليوميات وتطوير الذكاء العاطفي أن تساعدك على تطوير وعيك بذاتك.
- تحدَّ معتقدات الذاتية: إذا كنت تعتقد أن سمات شخصيتك ثابتة، فسيكون من الصعب تغييرها. وعليك بدلاً من ذلك أن تتبنى عقلية تسمح لك بالنمو. على سبيل المثال، إذا كنت ترى نفسك انطوائياً وتريد أن تكون أكثر انفتاحاً، فابدأ بالاعتراف بأن شخصيتك قابلة للتكيف، ثم اتخذ خطوات تدريجية للتصرف بصورة أكثر انفتاحاً في مواقف معينة، وليس بالضرورة في الأوقات جميعها.
- تبنَّ عادات جديدة: تصبح الأفعال المتكررة عادات تلقائية، ويتطلب التخلص منها جهوداً مستمرة ومتعمدة، إضافة إلى أن تبني عادات جديدة يتطلب التكرار والممارسة. عموماً، لبناء عادات أفضل، ينبغي إجراء تغييرات صغيرة تدريجياً، لكن باتساق واستمرار، مع التحلي بالصبر والرفق بالنفس ومكافأتها على ما تنجزه طوال الطريق. في الواقع، ستجد في كتاب "العادات الذرية" لجيمس كلير (James Clear)، الكثير من النصائح المفيدة من أجل تغيير العادات.
- ركِّز على الجهود وليس القدرات: وجدت عالمة النفس، كارول دويك (Carol Dweck) أن ثناء الأطفال على ذكائهم وليس على جهودهم يؤدي إلى تقويض دوافعهم وأدائهم، في حين أن الثناء على الجهد وليس على الذكاء يدفع الطفل إلى إظهار قدر أكبر من المثابرة والاستمتاع بالمهمة.
وبالمثل، يمكنك عند التركيز على جهودك بدلاً من قدراتك الفطرية أن تكون أكثر عرضة للتغيير. على سبيل المثال، بدلاً من التفكير "أنا لست جيداً في التفاعل الاجتماعي"، حاول التركيز على حقيقة أنه يمكنك من خلال الجهد والمثابرة أن تتحسن وتنمو.
- اطلب الدعم: من العائلة أو الأصدقاء المقربين، فالدعم الاجتماعي أحد أهم العناصر الأساسية التي تساعد على التغيير.
- اطلب المساعدة المتخصصة: يكون تغيير العادات والسلوكيات السلبية في بعض الأحيان صعباً جداً، خصوصاً في حال ارتبطت بصدمات سابقة أو بحالات معينة من حالات الصحة النفسية، لذا ينصح باستشارة مختص نفسي، إذ سيساعدك على تحديد أنماط تفكيرك وسلوكياتك وتغييرها.
- تقبّل نفسك: نعم من المهم أن تحسَّن نفسك وتتطور وتغيِّر ما تعده غير مناسب في جانب ما من جوانب شخصيتك؛ لكن عليك الاعتراف أن ثمة سمات لا يمكنك تغييرها، فهي تحدد هويتك وشخصيتك المميزة، ولا ينبغي أساساً أن تغير سماتك أو معتقداتك فقط من أجل إرضاء الآخرين، إنما عليك أن تقبل طبيعتك البشرية، بما فيها من نقاط قوة وضعف، لأن ذلك سيجعلك أكثر سعادة ورفاهية.