ملخص: قد يعجز المرء مؤقتاً عن استرجاع كلمة معينة على الرغم من يقينه بمعرفتها. وهو ما يعرف بـظاهرة "طرف اللسان" أو "ليثولوجيكا" التي تشمل أسبابها المحتملة: خلل في القدرة على استرجاع المعلومات، أو التقدم في السن، أو التوتر والإرهاق، بالإضافة إلى العوامل العاطفية. لكن يمكن تجاوز هذه الحالة عن طريق اتباع استراتيجيات تتضمن ممارسة تقنيات الاسترخاء واليقظة الذهنية مثل التنفس العميق، وتذكر السياق الذي سمع الشخص فيه الكلمة أو قرأها، واستخدام الإيماءات الجسدية عن طريق محاولة التعبير عن الكلمة باليدين أو الجسد، واتباع نمط حياة صحي يشمل تحسين جودة النوم والتمارين الرياضية. مع ضرورة استشارة الطبيب في حال تكرار الظاهرة يومياً، إذ قد يكون علامة على مشكلات صحية تتطلب علاجاً طبياً، مثل أمراض الذاكرة أو التوتر المزمن.
محتويات المقال
كنت أتحدث إلى أحد الأشخاص ذات مرة وجاء ذكر زميلة قديمة أعرف أن أول حرف من اسمها "هاء"، لكن لا أستطيع تذكر بقية الاسم. ظل ذلك الموقف يثير فضولي وتساؤلي كلما تذكرته، فقد كان الاسم مثلما يقال على "طرف لساني".
في المواقع، تعد ظاهرة "طرف اللسان"، أو ما يُعرف بـ "ليثولوجيكا" (Lethologica)، تجربة معرفية شائعة ومُحيّرة؛ إذ يعجز الفرد عن تذكر كلمة مُحددة أو جزء منها، على الرغم من يقينه التام بأنه يعرفها وشعوره بقرب استرجاعها، حيث تعلق الكلمة على طرف اللسان، قريبة لكن بعيدة المنال.
تثير هذه الظاهرة الفضول والتساؤلات حول آليات عمل الذاكرة، وكيف يمكن لعقلنا أن يخفي عنا، ولو مؤقتاً، معلومات نعرفها جيداً. في هذا المقال، نتعرف إلى ظاهرة طرف اللسان، ونستكشف أسبابها وخصائصها، والاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتجاوزها.
ما هي علامات ظاهرة طرف اللسان؟
تعني هذه الظاهرة تذكر الشخص غالباً بعض جوانب الكلمة، مثل الحرف الأول، أو عدد المقاطع، أو كلمات مُشابهة في الصوت أو المعنى. تشير هذه المعلومات المتقطعة إلى أن الكلمة مُخزّنة في الذاكرة لكن يتعذر الوصول إليها مؤقتاً مدة تتراوح بين جزء من الثانية إلى دقائق أو حتى ساعات؛ لكن من النادر الفشل في استرجاع الكلمة كاملة.
يشعر الشخص الذي يعاني ظاهرة طرف اللسان غالباً بالإحباط والضيق والتوتر، بسبب شعوره بالفجوة بين المعرفة وعدم القدرة على التعبير عنها. في المقابل، يُصاحب استعادة الكلمة في النهاية شعور بالراحة والارتياح.
قد تكون بعض أنواع الكلمات أكثر عرضة إلى النسيان من غيرها؛ مثل أسماء الأشخاص والأماكن الجغرافية، والكلمات التي لا تُستخدم بكثرة، والمصطلحات المتخصصة في مجالات معينة، أو الكلمات التي تعبر عن أفكار أو مفاهيم معقدة، وكذلك الكلمات الأجنبية بلغة غير اللغة الأم، والكلمات المتشابهة صوتياً التي قد تسبب التباساً.
اقرأ أيضاً: ما العمل إذا كنت لا تتذكر أسماء من تقابلهم؟
6 أسباب قد تفسر ظاهرة طرف اللسان
قد ترجع ظاهرة طرف اللسان إلى عدة أسباب، سواء كانت عصبية أو نفسية أو سمات شخصية أو نمط الحياة، وتشمل:
- خلل في عملية الاسترجاع: تحدث ظاهرة طرف اللسان بسبب خلل في عملية الاسترجاع المعجمي (Lexical Retrieval Failure)، التي تتضمن البحث عن كلمة مُخزّنة في الذاكرة طويلة المدى والوصول إليها.
تتكون هذه العملية من عدة مراحل، ويُمكن أن يحدث الخلل في أي منها، لكنه يحدث في المرحلة المتوسطة غالباً حيث يصل الدماغ إلى معلومات جزئية عن الكلمة؛ ما قد يؤدي إلى فشل مؤقت في استرجاعها عندما تكون هذه المعلومات غير كافية أو مضللة؛ فتحدث ظاهرة طرف اللسان.
- التفكير ﻓﻭﻕ ﺍﻟﻣﻌﺭﻓﻲ (Metacognition): أي الوعي بعمليات التفكير الخاصة بالفرد، إذ يدرك الشخص أنه يعرف الكلمة، وأنها مخزّنة في ذاكرته، لكنه لا يستطيع الوصول إليها في تلك اللحظة. على الجانب الآخر، يمكن اعتبار الفشل في استرجاع الكلمة دليلاً على وجود فجوة بين معاني المفاهيم والكلمات التي تدل عليها في الذاكرة طويلة المدى، وهو يعد صورة من صور المراقبة المعرفية، حيث يسجل الدماغ هذه الفجوة بين المعرفة والاسترجاع.
- التغيرات المرتبطة بالسن: يزداد تكرار ظاهرة طرف اللسان مع التقدم في السن، قد يرجع ذلك إلى الكم الهائل من المعلومات المُخزّنة في الذاكرة طويلة المدى، أو التغيرات العصبية في مناطق الدماغ المُرتبطة باللغة والذاكرة؛ ما يزيد صعوبة استرجاع المعلومات المحددة.
- العوامل العاطفية: يُمكن للروابط العاطفية المتعلقة بالكلمة، أو السياق الذي تُستخدم فيه، أن يؤثر في مدة ظاهرة طرف اللسان وشدتها. إذ قد تزيد الروابط العاطفية القوية صعوبة الاسترجاع، حيث يركز الدماغ على الجانب العاطفي بدلاً من المعلومات المعجمية.
- السمات الشخصية: يشير المعالج النفسي، أحمد دبور، إلى أن صعوبة تذكر الكلمات ترتبط أحياناً بالقدرات الفردية التي قد تختلف من شخص إلى آخر. إلى جانب السمات الشخصية، فالأشخاص المُعرّضون للتوتر والقلق الدائمين يرتبكون عند نسيان كلمة، وبدلاً من التروي والتفكير بهدوء يصابون بالتوتر والانفعال؛ ما يزيد النسيان.
- التعب والإرهاق: إذ يعاني بعض الأشخاص رداءة النوم، وحتى لو ناموا نحو 6-7 ساعات فنومهم لا يكون عميقاً بدرجة كافية، يفسر دبور إنه إذا ذهب الشخص إلى الفراش الساعة 2 أو 3 صباحاً فلن يحصل على النوم العميق الكافي؛ فالجسم يفرز الميلاتونين المسؤول عن النوم العميق بين الساعة 11 مساءاً و4 صباحاً؛ ما يُسبب ضعف التركيز والإرهاق، ويؤدي استمرار هذه الحالة عدة أشهر إلى تفاقم النسيان والعصبية ومشكلات التركيز.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل إذا كنت لا تتذكر الرد المناسب إلا بعد انتهاء الموقف؟
كيف يمكن تخفيف ظاهرة طرف اللسان؟
قد تسبب ظاهرة طرف اللسان الانزعاج والقلق، لكن هناك مجموعة من الاستراتيجيات التي يُمكنك استخدامها لتسهيل استرجاع الكلمات المراوغة، وتقليل الإحباط المصاحب لهذه الظاهرة:
- مارس تقنيات الاسترخاء واليقظة: عندما تشعر بالإحباط بسبب عدم قدرتك على تذكر كلمة ما، خذ بضعة أنفاس عميقة وبطيئة. يساعد التنفس العميق على تهدئة الجهاز العصبي وتقليل التوتر ما يُمكن أن يُحسّن أداء الذاكرة.
يمكنك تجربة أخذ نفس عميق من خلال أنفك، وحبسه ثوانٍ معدودة، ثم إخراجه ببطء من فمك. كذلك يمكنك ممارسة اليقظة، عن طريق تكثيف الوعي باللحظة الحالية دون إصدار أحكام، والتركيز على أنفاسك أو أحاسيس جسدك، ما يقلل التشتت الذهني ويحسّن التركيز، ويسهّل الوصول إلى الكلمة المنسية.
- ابدأ بالحرف الأول أو الصوت: إذا كنت تتذكر الحرف الأول أو الصوت الأول من الكلمة، ففكر في كلمات أخرى تبدأ بالحرف أو الصوت نفسه؛ إذ يُمكن أن يُحفز ذلك ذاكرتك ويساعدك على تذكر الكلمة الكاملة. على سبيل المثال، إذا كنت تحاول تذكر كلمة "متكلم" وتتذكر أن أول حرف هو "م"، فكر في كلمات أخرى تبدأ بـ "م" مثل "معلم"، "مدرس"، "مذيع"، وهكذا حتى تصل إلى الكلمة المطلوبة.
أو فكر في كلمات لها معنى مُشابه أو مرتبط بالكلمة التي تحاول تذكرها. فمثلاً، إذا كنت تحاول تذكر كلمة "متكلم"، فكر في كلمات مثل "خطيب"، "محاضر"، "إلقاء خطاب"، وهكذا. أو حاول وصف الكلمة التي تحاول تذكرها بأكبر قدر ممكن من التفاصيل. وفكّر في معناها واستخداماتها والمفاهيم المرتبطة بها؛ فذلك قد يساعدك على الوصول إليها.
- تذكر السياق: حاول تذكر السياق الذي سمعت فيه الكلمة أو قرأتها آخر مرة. فكر في الموقف والأشخاص المشاركين فيه وموضوع المحادثة؛ وقد يساعدك ذلك على استرجاع الكلمة.
- خذ استراحة: في بعض الأحيان، كلما بذلت جهداً أكبر لتذكر الكلمة ازدادت صعوبة استرجاعها. لذا؛ خذ استراحة قصيرة ومارس نشاطاً آخر مختلفاً تماماً، وعندما ترجع إلى المهمة الأصلية قد تجد أنك استرجعت الكلمة المنسية بسهولة.
- شجع نفسك: تجنب لوم نفسك على عجزك عن تذكر الكلمة، وذكّر نفسك بأن هذه الظاهرة شائعة وتُصيب الجميع، وتقبل حقيقة أن كل إنسان يُمكن أن ينسى. وابتعد عن التوتر، وحافظ على هدوئك وثقتك بنفسك، وركز على تذكّر المعنى بدلاً من الكلمة، حتى لو استخدمت كلمة أخرى بدلاً منها.
- استخدم حركات جسدك: يُمكن أن تساعدك الإيماءات الجسدية على تنشيط المسارات العصبية المرتبطة بالكلمة المنسية. لذا؛ حاول التعبير عن الكلمة بحركات يديك أو جسدك، كما لو كنت تحاول شرحها لشخص آخر. فقد تُفاجئك فعالية هذه الطريقة في استرجاع الكلمة.
علاوة على ذلك، أظهرت دراسة نشرتها دورية "بلوس ون" (PLOS ONE) العلمية أن قبض اليد اليمنى في أثناء محاولة حفظ المعلومات، وقبض اليد اليسرى في أثناء محاولة تذكرها، يمكن أن يُحسّن استرجاع الذاكرة. إذ قد تُنشط هذه الطريقة مناطق محددة في الدماغ مرتبطة بعملها.
- غير نمط حياتك: تقل معدلات تكرار الإخفاق في استرجاع الكلمات عند الحفاظ على النشاط الجسدي. لذا؛ جرب ممارسة التمارين الرياضية الهوائية مثل المشي السريع أو الجري أو السباحة أو ركوب الدراجات.
ختاماً، لا يعد الفشل في استرجاع الكلمات مؤشراً على تدهور الذاكرة؛ لكن إذا لاحظت أن هذه الحالة تكررت أو صاحبتها علامات أخرى مثل نسيان التفاصيل اليومية والأغراض والأشخاص والأماكن، وليس مجرد نسيان كلمات بسيطة، فمن الأفضل استشارة مقدم الرعاية الصحية.
اقرأ أيضاً: ما أسباب النسيان المتكرر؟ إليك 7 نصائح عملية لتقوية ذاكرتك