متلازمة جوسكا: متى يتحول حديثك مع ذاتك إلى اضطراب نفسي؟

متلازمة جوسكا
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: جميعنا نتحدث إلى أنفسنا من وقت لآخر، حين نواجه المشكلات اليومية، وحين تغمرنا الأحاسيس العاطفية القوية؛ ولكن هل يمكن للحديث مع الذات أن يتحول إلى اضطراب نفسي؟ الإجابة موجودة في هذا المقال.

هل تحدثت إلى نفسك من قبل وظننت أن الأمر يبدو غريباً؟ في الحقيقة إن التحدث إلى النفس أمر طبيعي نتعرض له جميعاً في الكثير من المواقف اليومية، سواء حين نبحث عن المفاتيح صباحاً قبل الذهاب إلى العمل، أو حين تداهمنا زحمة السير ونخبر أنفسنا إننا سنصل في الوقت المحدد. 

لكن متى يتحول الحديث مع الذات إلى اضطراب نفسي؟ قد يحدث ذلك عند الإصابة بمتلازمة جوسكا، فما هي هذه المتلازمة؟ وما أعراضها؟ وكيف يمكن علاجها؟ إليكم الإجابة في هذا المقال.

ما هي متلازمة جوسكا؟

يشير الطبيب النفسي رونالد ريغيو (Ronald E. Riggio) في مقال له بعنوان “10 مشاعر غريبة ربما تكون قد مررت بها” إلى متلازمة جوسكا؛ حيث ذكر إنها محادثة افتراضية تحدث مراراً وتكراراً داخل عقل الإنسان؛ مثل أن يقوم الشخص بإعادة مناقشة أمر داخل رأسه ويفوز بالنقاش، أو يقوم بالتدرب على مطالبة رئيسه بزيادة مرتَّبه ويتخيل رد فعله ويرد عليه داخل رأسه.

أما الاختصاصي النفسي السعودي علي عبد الله التمار، فقد أكد إن متلازمة جوسكا هي نوع من أنواع الاضطرابات النفسية التي تؤثر في الإنسان، وهذه المتلازمة تجعل الفرد يتحدث إلى نفسه لمدة ساعات طويلة. أحياناً يكون هذا الحديث إيجابياً، وهذا نادر الحدوث، وغالباً ما يكون حديثاً سلبياً؛ ما يجعل الشخص المصاب بتلك المتلازمة ينعزل عن الناس ويشرد ذهنه طويلاً ويبتعد وكأنه غير موجود في هذه الحياة!

ما أعراض متلازمة جوسكا؟

يؤكد الطبيب النفسي المصري وليد هندي إن هناك عدة أعراض تصاحب متلازمة جوسكا؛ وأهمها:

  • الانطواء واعتزال العالم.
  • الاكتئاب. 
  • فقدان الشغف. 
  • شحوب البشرة.

اقرأ أيضاً: هل التحدث إلى النفس يثير القلق؟

هل الحديث مع الذات ممارسة صحية؟

لا يُعد الحديث مع النفس أمراً طبيعياً فحسب ولكنه صحي أيضاً؛ حيث تعتقد الطبيبة النفسية كارلا ماري مانلي (Carla Marie Manly) إن التحدث إلى النفس يسمح للأشخاص بتفنيد أفكارهم ويجعلهم أكثر وعياً بما يحدث داخل عقولهم. 

وتؤكد المتخصصة النفسية جيسيكا نيكولوسي (Jessica Nicolosi) إن التحدث إلى النفس يجبرنا على إبطاء تدفق أفكارنا ويجعلنا نعالجها على نحوٍ مختلف بسبب مشاركة مراكز اللغة في عملية التحدث.

وفي سياق متصل، ترى المتخصصة في العلاج الوظيفي جوليا هاربر (Julia Harper) أن الحديث مع الذات هو جزء طبيعي من تطور اللغة؛ كما أنه يحسن المهارات المعرفية على نحو كبير. وتضيف الطبيبة هاربر إن الحديث مع الذات يجب أن يكون إيجابياً لأن التحدث السلبي إليها سوف يؤدي إلى نتائج سيئة، ففي النهاية ما نقوله لأنفسنا ذو تأثير هائل في تقديرنا لذواتنا وشعورنا بالقيمة.

اقرأ أيضاً: كيف تنجو من دوامة المشاعر السلبية؟

متى يتحول الحديث مع الذات إلى اضطراب نفسي؟

وفقاً لما ذكره الطبيب النفسي إيثان كروس (Ethan Kross) الذي يدير مختبر المشاعر والتحكم في النفس (Emotion and Self Control Lab) بجامعة ميشيغان الأميركية؛ فإن صوتك الداخلي قوي على نحو لا يمكن تصديقه، ويرتكز عمل الدكتور إيثان بصفة رئيسة على دراسة تأثير المحادثات الصامتة التي يجريها البشر في حيواتهم؛ أي كيف يكون لتلك المحادثات أثر إيجابي، وكيف يمكن أن تحول حياة أصحابها إلى جحيم يصعب التعايش معه.

ويشرح الطبيب كروس إن التحدث إلى النفس يأخذ العديد من المستويات؛ في المستوى الأول نستخدم الحديث مع النفس لمراجعة المعلومات الأساسية داخل عقولنا مثل رقم هاتف معين، وفي هذه الحالة يُعد الحديث مع النفس جزءاً من نظام الذاكرة اللفظية العاملة لدينا.

تأتي بعد ذلك المرحلة التالية حين نستخدم التحدث إلى النفس من أجل الإبداع والتخطيط، وفي هذه الحالة يدور مونولوغ طويل داخل رؤوسنا حتى نتمكن من فهم التجارب التي نمر بها، ونحاول أن نصل إلى المعنى الذي يشكل هويتنا.

ويوضح كروس إن الحديث مع النفس يدخل إلى دائرة الخطر حين نتحدث إلى أنفسنا بطريقة سلبيه، ونتعرض لذلك تحديداً في أثناء محاولة فهم المواقف السلبية أو من أجل حل المشكلات التي تواجهنا. وقتذاك، يأتي الحديث مع النفس بنتائج عكسية؛ لأن الأمر ينتهي إلى تضخيم السلبية وسرعان ما ننتقل إلى مرحلة اجترار الأفكار السلبية ونعلق هناك، وهذا ما أطلق عليه الدكتور كروس اسم “الجانب المظلم من أصواتنا الداخلية”.

وفي سياق متصل، حذّر الطبيب النفسي بمستشفى ووكهارت في مومباي، راؤول خيماني (Rahul Khimani)، من أن الحديث السلبي مع النفس يمكن أن يؤدي إلى القلق والاكتئاب والتفكير في الانتحار، والحقيقة أن هناك الكثير من المشاعر السلبية التي تصاحب التحدث السلبي إلى النفس مثل تجنُّب الناس والرغبة في إيذاء النفس والأكل العاطفي.

ما الفرق بين الحديث مع النفس ومتلازمة جوسكا؟

يؤكد الطبيب النفسي المصري وليد هندي إن هناك فرقاً بين الحديث مع النفس ومتلازمة جوسكا، وهذا الفرق الجوهري هو في الوقت الذي يستغرقه الشخص في التحدث إلى نفسه، فإذا كان ذلك الوقت قصيراً ولا يعزل الشخص عن حياته الاجتماعية فالأمر طبيعي؛ أما إذا استغرق الشخص في حديثه مع ذاته ساعات طويلة وخلق أحاديث افتراضية فإن هذا الشخص مصاب بمتلازمة جوسكا.

ويضيف هندي إن غالبية الأفكار التي تنتاب المصابين بمتلازمة جوسكا هي أفكار سوداوية وسلبية ينعزل بسببها هذا الشخص عن المجتمع ولا ينتبه إلى ما يدور حوله من أحداث لأنه سارح في خياله وشارد الذِّهن.

كيف يمكن علاج متلازمة جوسكا؟

هناك عدة طرائق تُمكن من خلالها معالجة متلازمة جوسكا؛ وأهمها:

  1. مشاركة المشاعر مع الآخرين وعدم كتمها.
  2. استخدام الكتابة من أجل التخلص من الأفكار السلبية.

ويرى المختص النفسي السعودي علي عبد الله التمار أن علاج متلازمة جوسكا يجب أن يكون عن طريق الذهاب إلى الطبيب النفسي المختص؛ لأن الشخص المصاب بالمتلازمة يخلق أشخاصاً افتراضيين وأحداثاً افتراضية، وهذه الحالة تستلزم التدخل الطبي، ومن أهم طرائق علاج تلك المتلازمة التي يلجأ إليها الاختصاصي النفسي هي جلسات السيكودراما.

وفي النهاية، إن التغلب على متلازمة جوسكا يتطلب القيام ببعض الخطوات؛ أولها التحدث إلى الآخرين، وأهمها طلب المساعدة من المتخصصين، المهم هو عدم فقدان الأمل والتأكد أنّ الحياة ليست سوداوية على الدوام؛ بل ثمة وجه آخر لها سوف يُرى عند التحرر من هذه المتلازمة.