متلازمة الاحتراق النفسي لدى الآباء والأمهات: الأسباب والأعراض

3 دقائق
الاحتراق النفسي لدى الآباء والأمهات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

أصبح الاحتراق الوظيفي ظاهرةً معروفةً ومنتشرةً على نحو كبير في الوسط المهني لكن ليس الموظفون وحدهم المعنيون بحالة الإرهاق الشديد هذه؛ إذ ركزت أبحاث الصحة النفسية خلال السنوات الماضية على ما يسمى الاحتراق النفسي لدى الآباء والأمهات الذي يصيب 7% منهم. نعم، فبخلاف الاعتقاد السائد تصيب هذه الظاهرة كلا الوالدَين. ولنتعرف إلى تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، أجرينا المقابلة التالية مع أستاذة علم النفس المتخصصة في الاحتراق النفسي لدى الآباء والأمهات مويرا ميكولايتشاك (Moira Mikolajczak).

ما تعريف الاحتراق النفسي لدى الآباء والأمهات؟

مويرا ميكولايتشاك: هو حالة الإرهاق الشديد التي تصيب أحد الوالدين أو كليهما نتيجة التعرض المستمر لضغوط مسؤوليات الأبوة أو الأمومة دون وجود سبل كافية لإدارة هذا الإرهاق والتعافي منه. أما أبرز أعراض الاحتراق النفسي لدى الآباء والأمهات فهي:

  1. الإرهاق العاطفي (عدم القدرة على تحمل الضغوط)، والذهني (العجز عن التفكير على نحو سليم)؛ كما قد يترافق ذلك مع الإرهاق البدني المرتبط بمسؤوليات الأبوة أو الأمومة.
  2. شعور الأب أو الأم بالسأم من مسؤولياتهما وعدم الاستمتاع بدورهما كوالدَين.
  3. الحواجز العاطفية بين الوالد الذي يعاني الاحتراق النفسي والطفل؛ إذ يفتقر الأول إلى الطاقة اللازمة لتنمية علاقته بالثاني وتعزيزها ومن أبرز علامات ذلك عدم منحه الاهتمام والحب الكافيَين.
  4. شعور الوالد المصاب بالاحتراق النفسي بالذنب والخجل من نفسه بسبب تراجع اهتمامه بمسؤولياته تجاه ولده.

وعلى الرغم من أن الدراسات التي تتناول ظاهرة الاحتراق النفسي لدى الآباء والأمهات ما زالت حديثةً جداً فإنها قدرت نسبة المصابين بها منهم بـ 5-7%.

اقرأ أيضاً: متلازمة الاحتراق النفسي الوظيفي: عندما يجعلك الملل في العمل تشعر بالمرض.

ما عواقب الاحتراق النفسي لدى الآباء والأمهات على بنية الأسرة؟

مويرا ميكولايتشاك: أشارت الدراسات إلى أن الوالد المصاب بالاحتراق النفسي يعاني العواقب ذاتها التي يسببها الاحتراق الوظيفي ومنها اضطرابات النوم والمشكلات الصحية وكثرة استهلاك المهدئات وأحياناً الأفكار الانتحارية. أما بالنسبة إلى الطفل فإنه يعاني إهمال حاجاته العاطفية أولاً ثم الجسدية لاحقاً، إضافةً إلى تعرضه للعنف اللفظي وحتى الجسدي عندما تكون حالة الاحتراق النفسي لدى الوالد شديدة. أخيراً يتسم الوالد الذي يعاني هذه المتلازمة بشدة الانفعال وفي أغلب الأحيان يفرغ شعوره بالإرهاق والضغط في وجه الوالد الآخر؛ ما يؤدي إلى تكرار الخلافات الزوجية ويعزز احتمال وقوع الأخير ضحيةً للاحتراق النفسي أيضاً.

ما الأسباب الرئيسية للاحتراق النفسي لدى الوالدَين؟

مويرا ميكولايتشاك: لكل حالة ظروفها الخاصة لكن القاسم المشترك بين الحالات جميعها هو الإرهاق الشديد الذي قد يعانيه الأب أو الأم مع الشعور بالعجز عن إدارته. من جهة أخرى فإن مسببات هذا الإرهاق تختلف من شخص لآخر ونذكر منها القلق المفرط الناجم عن صعوبة التعامل مع الطفل أو الصعوبات المدرسية التي يواجهها؛ كما قد يصاب أحد الوالدَين بالإرهاق عندما لا يقدم له الوالد الآخر العون الكافي في تربية الطفل. من جهة أخرى ثمة الكثير من الآباء والأمهات لا يواجه المشكلات المذكورة لكنه يعاني قلقاً شديداً رغم ذلك لأنه يرفع سقف توقعاته من الطفل إلى حد مبالغ فيه، ووفقاً للدراسات فإن هذا السلوك أحد أهم العوامل المسببة للاحتراق النفسي لدى الوالدَين.

أليسَ للمجتمع والشبكات الاجتماعية دور في هذا الضغط الذي يشعر به الآباء والأمهات؟

مويرا ميكولايتشاك: لا شك في ذلك؛ إذ أكد علماء الاجتماع أنّ العبء الذي نتحمله اليوم كآباء وأمهات أكبر بكثير من ذلك الذي كان ملقىً على عاتق أجدادنا وجداتنا. يخضع الوالدان اليوم على نحو مستمر للتعليمات التي تنهال عليهما من هنا وهناك فيما يخص تربية الطفل والعناية به؛ ومنها مثلاً: "أطعم طفلك هذا ولا تطعمه ذاك"، أو "خذ الوقت الكافي لفهم مشاعر طفلك" أو "لا تسمح له باستخدام الشاشات قبل سن الثالثة، ولا تسمح له بلعب ألعاب الفيديو قبل سن السادسة"، وغيرها الكثير من التعليمات التي تسبب للوالدَين ضغطاً نفسياً. من جهة أخرى تسهم الشبكات الاجتماعية في زيادة هذا الضغط ولا سيما عندما يشاهد الوالدان اللحظات المثالية بين الآباء والأمهات وأطفالهم على هذه الشبكات، وينسيان أنّ هؤلاء تجنبوا مشاركة اللحظات العصيبة، ومن ثمّ يظنان أن لا أحد غيرهما يواجه صعوبات مع أطفاله.

نسمع عادةً عن الاحتراق النفسي لدى الأمهات، هل هذا يعني أنّ هذه الظاهرة لا تصيب الآباء؟

مويرا ميكولايتشاك: بخلاف الاعتقاد السائد، فلا تقتصر مشكلة الاحتراق النفسي على الأمهات فحسب؛ إذ وفقاً للدراسات يمثل الآباء ثلث حالات الاحتراق النفسي في حين تمثل الأمهات الثلثَين الباقيين. وإذا كانت الأم تتولى الجزء الأكبر من مسؤولية تربية الأبناء فهذا لا ينفي دور الأب الذي يتعاظم شيئاً فشيئاً ومن ثم فإنه سيعاني المشكلات ذاتها التي ستتعرض لها الأم. في الحقيقة قد يكون دور الأبوة أكثر إرهاقاً للرجل مقارنة بالأمومة بالنسبة إلى المرأة، فالقيم الاجتماعية عملت على ترسيخ هذا الدور لديها في مرحلة مبكرة من حياتها في حين أنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الرجل الذي نشأ على مفهوم أنّ الأم هي التي تربي والأب هو الذي يعمل ولم يتمكن حتى الآن من التآلف مع الدور التربوي المطلوب منه اليوم وفهمه كما يجب فذلك يستغرق وقتاً بالنسبة إليه. لا شك في أن هذه الفروقات ستختفي بمرور الأجيال لكن هذا يتطلب من أمهات وآباء اليوم أن يهيئوا أبناءَهم في سن مبكرة لدورهم كآباء غداً.

اقرأ أيضاً: لماذا تعاني الأمهات من الاحتراق النفسي؟

المحتوى محمي