ما هو القبول الجذري؟ وكيف يفيدك في تجاوز ما يؤلمك؟

5 دقيقة
القبول الجذري
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: تخيل أنك مررت بموقف صعب أو مؤلم، أو ربما فقدت أحد أفراد أسرتك، ماذا ستفعل حينها؟ هل سترغب في التخلص من مشاعرك المؤلمة؟ الحقيقة أن هذا الأمر غير صحي، فتلك المشاعر ضرورية للغاية، وحتى تتعامل مع الألم عليك تعلم ممارسة القبول الجذري، فما المقصود به؟ وكيف يفيدك في تجاوز ما يؤلمك؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

قد تكون الحياة أحياناً مليئة بالأوقات الصعبة والمواقف المؤلمة؛ تخيل أنك ذاهب إلى عملك في الصباح وعلِقت في زحمة المرور، وبعد أن وصلت إلى عملك بصعوبة، وفي أثناء تناول قهوتك، انسكب عليك الفنجان بالكامل، لتدخل بعدها في دوامة من مهام العمل التي لا تنتهي. ومع نهاية اليوم، اضطررت أن تقضي ليلتك إلى جوار طفلك المريض الذي يرفض النوم. إذا فكرت في تلك المواقف التي واجهتك على مدار اليوم، ستجد أنها جميعاً خارجة عن نطاق سيطرتك؛ ولذا عوضاً عن الشعور بالحزن أو القلق والتوتر، ربما عليك تعلم ممارسة القبول الجذري، وحتى تتمكن من ذلك اقرأ هذا المقال.

ما هو القبول الجذري؟

هو مهارة قبول المشاعر والمواقف والظروف غير القابلة للتغيير لأنها خارجة عن سيطرتك. ويوضح أستاذ علم النفس السريري، إرنستو ليرا دي لا روزا (Ernesto Lira de la Rosa)، إن مفهوم القبول الجذري يرتكز على منع آلامنا من التحول إلى معاناة؛ ما يعني قبول المواقف المؤلمة كما هي تماماً، بدلاً من تجاهلها أو تجنبها أو التمني لو كان الموقف مختلفاً.

وقد صيغ مصطلح القبول الجذري لأول مرة عام 1993 على يد أستاذة علم النفس مارشا لينهان (Marsha Linehan) التي طورت العلاج السلوكي الجدلي (Dialectical Behavior Therapy- DBT)؛ وهو أحد أساليب العلاج بالكلام، ويساعد هذا العلاج الأشخاص على تعلم استراتيجيات مختلفة مثل اليقظة الذهنية والتنظيم العاطفي، وأيضاً القبول الجذري، واستخدامها.

اقرأ أيضاً: من الإنكار إلى القبول: دليلك للتعامل مع ألم الفقد

5 أفكار أساسية للقبول الجذري 

يعتمد القبول الجذري على فكرة مفادها أن المعاناة لا تأتي مباشرة من الألم؛ بل من تعلق الإنسان بهذا الألم. ولهذا؛ فإن الخطوة الأولى نحو فكرة القبول الجذري هي عدم التعلق بالمواقف والأحداث المؤلمة، وعدم التعلق هنا لا يعني عدم الشعور بالعواطف لكن يُقصد به عدم السماح للألم بالتحكم فيك؛ وهذا يعني مراقبة أفكارك ومشاعرك حتى لا تحس بمشاعر سلبية أكثر مما هو ضروري. ويتكون القبول الجذري من 5 أفكار أساسية هي:

  1. تقبُّل نفسك وحياتك كما هي، وليس كما تريدها أن تكون.
  2. قبول الأحداث والمواقف التي تسبب الألم.
  3. التصالح مع فكرة أن الحياة تستحق أن تُعاش على الرغم من المواقف والأحداث المؤلمة.
  4. إدراك ما يمكنك وما لا يمكنك التحكم فيه.
  5. ممارسة اليقظة الذهنية والعيش في الوقت الحاضر.

ويمكن القول إن القبول الجذري لا يعني موافقتك على ما حدث لك؛ إذ تشرح أستاذة علم النفس، مارشا لينهان، إنه لا يعني أنك سعيد بالمواقف المؤلمة، ومع ذلك، إذا كنت تريد تجاوزها، فعليك قبولها، فعندما تتقبل ما حدث، أو يحدث، يمكنك العمل على إيجاد حلول أو طرائق للتعامل مع الألم.

ومن أجل توضيح هذه الفكرة، فكر في موقف مؤلم يجعلك غاضباً أو منزعجاً أو حزيناً؛ يمكن أن يكون موقفاً في الماضي أو يحدث الآن، ثم اسأل نفسك: "هل تقبلتُ ما حدث حقاً؟"، وإذا وجدت نفسك تفكر قائلاً: "لم يكن من المفترض أن يكون الأمر هكذا"، فهذا يعني أنك لم تتقبل الموقف، وهنا يأتي دور القبول الجذري الذي سيساعدك على التأقلم والمعالجة والمضي قدماً؛ من ثَمّ العيش مع قدر أقل من التوتر والقلق والمشاعر المؤلمة.

كيف يمكن أن يساعدك القبول الجذري على تجاوز ألمك؟

استُخدم القبول الجذري لأول مرة بصفته أداة من أدوات العلاج السلوكي الجدلي، وذلك لمساعدة الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية الحدية، ويشرح أستاذ علم النفس السريري، إرنستو ليرا دي لا روزا، إن القبول الجذري يمكن أن يساعدك عندما تشعر بالإرهاق أو التوتر أو القلق أو الحزن أو الإحباط أو الانفعال، ويمكّنك من تجاوز الأوقات الصعبة، وذلك عبر الطرائق التالية: 

  • تقليل الشعور بالتوتر والقلق: يسمح لك القبول الجذري بتجاوز الأذى وإيجاد حل دون لوم نفسك على شيء خارج عن إرادتك، ويجعلك تحاول تقبل الموقف دون اجترار الألم؛ ومن ثَمّ يقل شعورك بالقلق والتوتر.
  • الحد من الكمالية: نرغب جميعاً في أداء المهام على أكمل وجه، علاوة على أننا نود لو تسير أمور الحياة كلها وفق خططنا؛ ولكن ذلك لا يحدث غالباً، والحقيقة أن القبول الجذري هو فرصة مناسبة للتخلي عن النضال من أجل جعل الأمور مثالية.
  • تعزيز التعاطف مع الذات: يساعد القبول الجذري على تحريرنا من عبء تغيير الأشياء الخارجة عن سيطرتنا، فهو يسمح لنا بالتركيز على إيجاد طرائق صحية للتعامل؛ ومن ثَمّ يجعلنا أكثر تعاطفاً مع ذواتنا وأكثر تقبلاً لها ولمحدوديتها. 
  • الشعور بالسلام النفسي: من خلال الحد من القلق والتوتر الذي يأتي غالباً من التوقعات المرتفعة، يمكنك تحقيق شعور أكبر بالسلام النفسي عبر القبول الجذري.
  • تحسين عملية صنع القرار وحل المشكلات: الإفراط في التفكير واجترار المواقف المؤلمة، يمكن أن يجعل القرارات الأسهل تبدو أكثر صعوبة؛ لكن مع ممارسة القبول الجذري سيصبح عقلك أكثر وضوحاً؛ ومن ثم يصبح من الأسهل اتخاذ قرارات أفضل وحل المشكلات بطريقة أكثر فعالية.
  • تعزيز المرونة: يمكن أن تساعد ممارسة القبول الجذري على بناء عقلية مرنة؛ ما يتيح لك التغلب على تحديات الحياة والقدرة على التعامل معها دون خوف.
  • تنظيم المشاعر: يشرح المختص النفسي، عبد الناصر علاء، إن ممارسة القبول الجذري تؤدي إلى تنظيم المشاعر الغامرة والفياضة والقوية التي تصاحب بعض المواقف المؤلمة. ويضيف علاء إن بعض الأشخاص يهدفون إلى التخلص من مشاعر الألم والحزن التي تأتي مع المواقف الصعبة ولكن ذلك غير صحيح؛ لأن وجود تلك المشاعر السلبية ضروري، فأنت حتماً تحتاج إلى الشعور في ذلك الوقت. تخيل أنك فقدت بعض الأموال؛ في هذه الحالة يجب أن تحس بالغضب لأن تلك المشاعر طبيعية وإنسانية تماماً.

متى يكون القبول الجذري غير مناسب أو مناسباً؟

الحقيقة أن ثمة بعض المواقف التي لا تُمكن ممارسة القبول الجذري فيها؛ ومن أهم هذه المواقف:

  1. إذا كنت في علاقة مسيئة أو كان شخص ما يعاملك معاملة سيئة أو بعدم احترام.
  2. إذا كنت تتعرض إلى المضايقة أو الاستغلال أو لا تُعامَل بطريقة عادلة في العمل.
  3. إذا كنت تعاني الإرهاق أو الاحتراق الوظيفي أو نقص الحافز في وضعك الحالي.
  4. عندما تمارس القبول الجذري عوضاً عن تحسين وضعك فعلياً أو الدفاع عن نفسك.
  5. عندما لا تتخذ إجراء ما بسبب الخوف.

من الأمثلة السابقة، يمكن القول إن القبول الجذري ليس مناسباً في المواقف التي تكون فيها صحتك الجسدية أو العاطفية أو العقلية معرضة إلى الخطر، ففي مثل هذه الحالات، القبول قد يمنع التغييرات المطلوبة.

 على الجانب الآخر، هذه هي المواقف المناسبة لممارسة القبول الجذري: 

  1. مواجهة تغيير غير متوقع مثل فقدان الوظيفة أو انتهاء العلاقة.
  2. فقدان أحد أفراد الأسرة.
  3. التعرض إلى حادث مؤلم مثل الإهمال أو اساءة المعاملة في الطفولة.
  4. الشعور أنك عالق أو غير قادر على تجاوز حدث سلبي.

اقرأ أيضاَ: ما هو علاج القبول والالتزام؟ وكيف تمارسه لتجد معنىً لحياتك؟

4 نصائح عملية لممارسة القبول الجذري 

ثمة حقيقة واضحة يجب علينا جميعاً تقبلها؛ وهي أن الألم حتمي وجزء رئيس من هذه الحياة؛ ولهذا فلن يمكنك بأي حال من الأحوال منع حدوث الأشياء السيئة، ولا يمكن أن تكون محصناً ضد الشعور بالمشاعر السلبية؛ ولكن يمكنك تقليل مدى معاناتك، وهنا يأتي دور القبول الجذري. ويمكن القول إن القبول الجذري هو ممارسة يمكن تحسينها مع مرور الوقت، وهذه أهم طرائق ممارسته: 

  • حّدد مصدر الألم في حياتك: قبل أن تبدأ ممارسة القبول الجذري، حدد المواقف والأحداث التي تسبب لك الألم والضيق، وقبل أن يتحول هذا الألم إلى معاناة ابدأ تدريجياً في قبول تلك الأحداث جذرياً.
  • ركّز على اللحظة الحالية: من المهم لنجاح ممارسة القبول الجذري الاعتراف بما يحدث لك الآن. حاول أن تفعل ذلك دون إصدار الأحكام، وانظر إلى ما يحدث بطريقة واقعية وليس عاطفية. يمكنك استخدام النهج نفسه عند التفكير في التجارب السابقة أيضاً.
  • اسمح لنفسك أن تحس بالمشاعر السلبية: كما ذكرنا سابقاً؛ القبول الجذري لا يعني التظاهر بأن الأمور على ما يرام عندما لا تكون كذلك، أو محاولة جعل نفسك تشعر بالرضا تجاه موقف سيئ؛ ولهذا لا تتجاهل مشاعرك التي تحس بها، مهما كانت سلبية، ففي هذه الحالة لن يُحَل الكموقف، وتذكر دوماً أن بعض المشاعر لن تُحّل على الإطلاق، وسيتعين عليك أن تتعلم قبولها على ما هي عليه.
  • استخدم عبارات التعامل مع القبول الجذري: إحدى الطرائق التي يمكنك من خلالها البدء في دمج القبول الجذري في حياتك اليومية هي من خلال عبارات التكيف التي يمكنك استخدامها عندما تواجه موقفاً مرهقاً أو مخيباً للآمال أو صعباً، ومن أهم هذه العبارات:
  1. هذا الوضع مؤقت فقط.
  2. لقد تعاملت مع الكثير من الصعوبات من قبل، ويمكنني التعامل مع هذا الأمر.
  3. سينتهي هذا الشعور وسأكون بخير.
  4. لا أستطيع تغيير الموقف؛ لكن يمكنني التحكم في رد الفعل عليه.
  5. لا بأس من الشعور بالقلق أو الخوف أو الحزن، ما زال بإمكاني التعامل مع الموقف بفعالية.