ما الذي يدفع المرء للرغبة في الشهرة؟

4 دقائق
الشهرة
الشهرة

يتخيل بعض الأشخاص أنفسهم وهم يحققون النجاح في برامج تلفاز الواقع، أو يتصدرون الصفحات الأولى للمجلات، فهل يرجع ذلك إلى صفات نفسية معينة لديهم؟ وما النقص الذي يحاولون تعويضه عبر تخيل أنفسهم مشهورين؟ في كل مرة تعلن فيها برامج تلفاز الواقع عن مسابقة لاختيار المشاركين، يتوافد الآلاف من الفتيان والفتيات ليجربوا حظهم رغبةً في الشهرة. 

وإضافةً إلى الشبان صغار السن نجد مشاركين في الثلاثينيات وحتى الأربعينيات من عمرهم، وضعوا لأنفسهم هدفاً واحداً وهو خوض هذه المنافسة في سبيل الوصول إلى الشهرة التي يحلمون بها؛ إذ إنها أصبحت رغبةً عارمة وسائدةً وذات أولوية اليوم أكثر من أي وقت مضى.

ما بين الأمس واليوم

ويوضح مختص علم الاجتماع ومؤلف كتاب "الطفولة والمراهقة" (Adonaissants)، فرانسوا دي سنغلي أن هذا الأمر لا يفاجئه ويقول: "إن رغبة المرء في أن يصبح مشهوراً هي تعبير عن أحلامه. عندما كنت مراهقاً تخيلت نفسي أغني على خشبة المسرح، وذلك على الرغم من أنه لم يكن بإمكاني الغناء. بالنسبة لهؤلاء الذين يحاولون الاشتراك ببرامج إعداد النجوم اليوم فإن رغبتهم في الشهرة أقوى بكثير من رغبتي عندما كنت مراهقاً؛ كما أنني لم أشارك رغبتي هذه مع أحد فلم أشعر آنذاك أنه كان بإمكاني الإفصاح عنها". 

ويتابع: "وهذا هو الفرق بين اليوم والأمس، فاليوم يملك المرء حرية أكبر في التعبير عن رغبته في أن يكون مشهوراً وتعد المدونات الإلكترونية خير دليل على ذلك. في ذلك الوقت كنت أحتفظ بدفتر ملاحظات مضحك مع تعليقات على أبطال سباق فرنسا للدراجات لكنني لم أعرضه على أحد، أما اليوم فيمكنني أن أنشئ مدونةً إلكترونيةً تضم آلاف المتابعين وأعرض من خلالها ما يحلو لي".

الرغبة في البحث عن الذات

هل يحلم جميع المراهقين بالشهرة؟ وفقاً لمختص العلاج والتحليل النفسي ومؤلف كتاب "جسدي وصورته" (Mon corps et ses images) خوان ديفيد نازيو، فإنها حلم للكثيرين منهم.

ويوضح قائلاً: "تظهر هذه الرغبة بوضوح أكبر في سن المراهقة لأنها المرحلة التي تقترن بالبحث عن الذات ؛ إذ يسعى المراهق إلى الحصول على اعتراف الآخرين به ليتمكن من تحديد هويته، بينما لا ينتظر الراشدون هذا الاعتراف ليشعروا بوجودهم. أما التساؤل هنا فهو عن المسار الذي سيتخذه المراهق في سبيل سعيه هذا". 

يقول فرانسوا دي سينغلي: "على الرغم من أنه لم يسبق لي أن صعدت إلى خشبة المسرح فقد أصبحت عالم اجتماع معروفاً؛ أي أنني حافظت على رغبتي في الشهرة لكنني اتخذت مساراً آخر غير الذي حلمت به في مراهقتي". 

ويتابع: "عندما يحلم المراهق ذو الـ 15 عاماً بالشهرة فهذا يعني أنه ستكون لديه فرصة لأن يصبح مشهوراً في مجال ما في سن الأربعين".

الرغبة في الشهرة والحاجة إلى الحب

وفقاً لخوان ديفيد نازيو لا يطمح الجميع إلى النجومية، فهي رغبة فردية تنبع من علاقة خاصة مع الأم. ويقول: "تشير رغبة المرء في الشهرة قبل كل شيء إلى رغبته في أن يحظى بحب يشبه حب أمه له؛ أي يجعله يشعر بأنه مميز ومفضل". 

ومن جهة أخرى فإن الرغبة في الشهرة قد تتولد أيضاً لدى أولئك الذين تعرضوا للإهمال في طفولتهم وشعروا بالرفض؛ إذ إن الشخص الذي عانى من ذلك يعبر من خلال رغبته هذه عن تحديه للأم التي قللت من شأنه. 

لكن الأمر لا يتمحور فقط حول حاجة المرء إلى أن يحظى باعتراف الآخرين وحبهم، ويوضح مختص التحليل النفسي: "قد يكمن خلف مسعاه نحو الشهرة تعبير غير واعٍ في بعض الأحيان عن شعوره بالازدراء تجاه الآخرين". 

إنها الحاجة إلى إقصاء المنافسين المحتملين وتدميرهم، والرغبة في التميز من بين الكثير من الأشخاص الذين يُعتبرون مجهولين بالنسبة للعالم. وتفسر هذه الرغبة الجزء العدواني القوي جداً من شخصية المرء الذي يختفي خلف صفات حميدة كالانفتاح والكرم والتعاطف؛ والتي تمثل صفات حقيقية لديه أيضاً.

الرغبة في الشهرة ودافع السيطرة

وفقاً للتحليل النفسي فإن الرغبة في الشهرة هي دافع فطري يرافقنا منذ المرحلة الجنينية. ويوضح خوان ديفيد نازيو قائلاً: "يتمحور هذا الدافع حول الميل إلى امتلاك الأشياء واحتلال المساحات، وهو ما نسميه أيضاً دافع السيطرة". 

إنه دافع مادي بحت يسعى المرء من خلاله إلى الحصول على كل ما يجعله يشعر بالرفاهة والقوة والازدهار. وقد تصبح هذه الحاجات مدمرةً بالنسبة لبعض الأشخاص حينما تدفعهم إلى ارتكاب جرائم السرقة والقتل، أو تقودهم إلى سلوكيات الانحراف الجنسي، بينما يعبر آخرون عنها من خلال السعي الدؤوب نحو هزيمة المنافسين. 

وبخلاف المساواة بين الجنسين فإن التعبير عن هذا الدافع لدى الرجل يختلف عن المرأة، ويوضح مختص التحليل النفسي ذلك بقوله: "يتجسد الدافع العدواني لدى الرجل في محاولته كسب إعجاب الآخرين عبر إظهار صبره وقوته، أما المرأة فهي تستخدم سحرها وأنوثتها".

الرغبة في الشهرة تعبيرٌ عن قلة الصبر

تسود مجتمعنا أفكار وهمية مفادها أنه يمكن للجميع الفوز في المنافسة، وأن هذا الفوز ضروري ليتمكن المرء من بدء حياته. جعل المراهقون المفعمون بالطاقة والذين لديهم أحلام كبيرة، من الرابحين في برامج تلفاز الواقع قدوات لهم، وأصبحت فكرة أن يراهم ويلاحظهم جميع الناس أولويةً بالنسبة إليهم. 

ومن ثم فهم يرغبون في أن يكونوا مشهورين قبل أن يفكروا ويعملوا؛ أي أن الشهرة أصبحت تمثل البداية بالنسبة إليهم لا النتيجة النهائية.

من جهته يرى فرانسوا دي سينغلي أن الفوضى التي نعيشها اليوم فيما يتعلق بإدارة الوقت هي المسؤولة عن عكس المفاهيم بهذه الطريقة: "لقد فقد الجيل الحالي منطق التعلّم فأصبح يسعى إلى إنهاء الدراسة بأسرع ما يمكن، وفي سن 30 إلى 35 عاماً يستقر الفرد مهنياً لتنتهي مسيرته المهنية في سن الخمسين". 

ويتابع: "بالنسبة لأولئك الذين لم يحصلوا على فرصة في الحياة المهنية فإنهم سيواجهون الكثير من الصعوبات لتحقيق التوازن في حياتهم. ولهذا السبب يطمح الشباب عبر أحلامهم هذه إلى تخطي مراحل الحياة بأسرع ما يمكن كطريقة لتعويض كل ذلك. ويمكن القول إن هذه الحالة تمثل تمرداً صامتاً وشخصياً سببه المجتمع الذي يفرض علينا أن نعبر عن ذواتنا ونؤكدها، وإلا فسيعتبرنا ومن ثم سنعتبر أنفسنا فاشلين".

ويؤكد عالم الاجتماع أن مجتمعاتنا الهرمية جعلت الجميع يظنون أنه من السهل الوصول إلى الشهرة ومن ثم فقد أصبحنا نجد الجميع يرغبون باستخدام "المصعد" للوصول إلى القمة، بينما لم يعد أحد يرغب باستخدام "السلالم". 

إن فرص الطفل ذي الـ 12 عاماً في الصعود إلى خشبة المسرح أو الدخول إلى "معهد الدراسات السياسية" بباريس يوماً ما متقاربة؛ لكن الطريق ليست ممهدةً أمامه تماماً في الواقع فالخطوة النهائية قد تكون صعبةً للغاية. وفي خِضمّ هذا التوتر يجد الشبان أنفسهم بحاجة أكبر إلى استخدام مخيلتهم؛ مخيلة المشاهير التي تعوضهم عن صعوبة الواقع.

الرغبة في الشهرة تحفز الإبداع

يقول مختص التحليل النفسي خوان ديفيد نازيو: "إن رغبة المرء في أن يكون مشهوراً لها عدة جوانب إيجابية فهي تكون مصحوبةً غالباً بتصميم كبير على العمل والتفوق وفي هذه الحالة تختلط هذه الرغبة بمتعة الإبداع، فينسى الكثيرون أن أساس حلمهم في سن المراهقة كان الوصول إلى الشهرة فقط". 

ويتابع المختص: "ومع ذلك فإن بذل الجهد وحده لا يكفي ليصبح الإنسان مشهوراً، فهو يحتاج إلى الموهبة أيضاً". فالموهبة هي التي تجعل المرء يتمتع بأسلوبه الخاص وتميزه عن الآخرين ممن يمارسون النشاط ذاته، وهي فطرية فإما أن تمتلكها وإما لا".

وكل ما يتبقى عليك بعد ذلك اغتنام الفرصة التي ستأتي إليك عاجلاً أم آجلاً. لذلك لا تبحث عنها؛ فقط كن يقِظاً لتلتقطها عندما تأتي".

اقرأ أيضاً: تحقيق أحلامك: هل هي فكرة مجنونة حقاً؟

المحتوى محمي