لماذا نسخر من مآسينا؟ العلم يجيب

السخرية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هل أثارت انتباهك في إحدى المرات التي جلست فيها مع أحد أصدقائك، سخريتُه من موقف مرير تعرض له مثل فصله من وظيفة أو حادث مروري خسر فيه سيارته؟ ما قام به صديقك لم يكن فعلاً عشوائياً إنما له العديد من التفسيرات العلمية التي يستعرضها هذا المقال بالتفصيل.

"السخرية هي الشكل الوحيد الذي أعرفه لمحاربة المأساة"! (الكاتب السعودي معاذ الجهني)

هل وجدت نفسك في إحدى المرات التي واجهت فيها موقف مأساوياً مثل خسارتك لجزء كبير من أموالك أو انفصالك عن شريك حياتك أو تسريحك من العمل، تسخر مما حدث مع أحد أصدقائك، وتخلط الكوميديا بما حدث مع شيء من اللامبالاة وكأن ما حدث لا يعينك؟ لست وحدك الذي مر بهذه الحالة، فالكثير منا عندما يجد نفسه محاصراً بالضغوط من كل جانب، يُشهر في وجهها سلاحه الأخير وهو السخرية منها!

لكن يا تُرى ما الذي يدفعنا إلى السخرية في مواقف ربما كان الأكثر منطقية أن نأخذ فيها جانباً ونبكي على ما جرى معنا؟ وما التغيير الذي تُحدثه السخرية في مجريات هذه المواقف؟ ذلك ما سنعرفه معاً في مقالنا.

ما الذي يدفعنا إلى السخرية من مآسينا؟

ترى عالمة النفس ليندا بابادوبولوس (Linda Papadopoulos) أن الضحك على المأساة يجعلنا نتعامل مع القضايا الضخمة في حياتنا بطريقة تجعل حجمها يتضاءل في أعيننا، ويشاركها الرأي رئيس قسم الكوميديا بكلية الآداب في جامعة كينت (University of Kent)، أوليفر دبل (Oliver Double) الذي يؤكد إن السخرية من المآسي أحد أهم أساليب التغلب عليها وتجاوزها.

وحتى نفهم أكثر هذه القدرة الشفائية للسخرية من المآسي، نذهب إلى الممثل الكوميدي غايب بيرغادو (Gabe Bergado) الذي يخبرنا من وجهة نظره إن إلقاء النكات حول الموضوعات الثقيلة على أنفسنا يعطينا القوة على مواجهتها، فعندما نصطدم بها لأول مرة سنصرح بحدوثها؛ لكن الاستمرار في الحديث عن تفاصيل الأحداث الأليمة في حيواتنا يحمّلنا أعباءَ نفسية يمكننا تخفيفها بالمزاح، ويتابع قائلاً: "عندما لا يكون بمقدورك فعل أي شيء تجاه حادث مؤسف في حياتك فلماذا لا تضحك منه؟".

يتعمق عالم النفس في جامعة كولورادو الأميركية (University of Colorado)، بيتر ماكغرو (Peter McGraw) في فهم العلاقة بين المأساة والكوميديا، فيشير إلى أن الأحداث السلبية في حيواتنا يمكن أن تتحول إلى مادة جيدة للكوميديا، فتحويلها من مواقف تثير الحزن إلى شيء يستحق الضحك يدربنا على رؤية المواقف بأشكال مختلفة، ناهيك بأننا عندما نضحك عليها ونعيش مشاعرَ إيجابية، ينعكس ذلك على أدمغتنا فتنشط أنظمة المكافأة وتُطلق الهرمونات ذات الصلة بحالة الشعور بالرضا مثل الدوبامين والسيروتونين والإندروفين.

متى يكون من اللائق الضحك على المأساة؟

يمكن القول إنه لا بد من وجود مساحة آمنة فاصلة بين وقوع المأساة والسخرية منها، ففي بحث نشرته مجلة علم النفس الاجتماعي وعلوم الشخصية (Social Psychological and Personality Science Journal)، درس الباحثون ردود أفعال الأشخاص تجاه النكات المرتبطة بإعصار ساندي الذي ضرب المحيط الأطلسي عام 2012 وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أنه من الصعب المزاح حول حادث مأساوي فور وقوعه؛ لكن بمرور الوقت يكون ذلك متاحاً، وبلغ متوسط الوقت الذي ينبغي مروره 36 يوماً.

للتوضيح أكثر، ثمة دائرة زمنية تبدأ قبل الحدث في المرحلة التي يكون فيها متوقَّعاً، فالسخرية منه حينها تكون مستساغة لأن تفاصيله ما زالت افتراضية ومجهولة؛ لكن عندما يقع الحدث وتنتج منه وفيات وإصابات وأضرار مادية، يصبح من غير اللائق الضحك على النكات ذات الصلة به، ثم تتولد بمرور الوقت مسافة نفسية بين الأشخاص والحدث، وحينها يكون ممكناً إلقاء النكات مرة أخرى.

لكن توجد نقطة يجب ذكرها هي أنه كلما طالت المسافة الزمنية بين تاريخ وقوع الحادث المؤلم والسخرية منه، أصبحت الكوميديا باردة ولا قيمة لها، إلى جانب أنه كلما كان الموضوع أكثر حساسية تطلب ذلك مهارة أكثر في السخرية منه بذكاء حتى لا تسبب الفكاهة في إيذاء مشاعر الآخرين.

بالإضافة إلى عامل الوقت، هناك البعد أو القرب المكاني والاجتماعي؛ فمثلاً إذا كان الحدث المقصود السخرية منه وقع في المدينة التي تعيش فيها أو وقع لأحد أقربائك، فبكل تأكيد لن تتقبل السخرية منه بسهولة مقارنةً مع إذا ما كان قد وقع في دولة أخرى ولأشخاص لا تربطك بهم أي صلة.

أخيراً، يمكن أن نلخص ما سبق برأي الباحث في مجال الفكاهة بجامعة نيو مكسيكو (University of New Mexico)، جيل غرينغروس (Gil Greengross) الذي يشير إلى أن التوقيت هو كل شيء في الكوميديا، فمن غير اللائق أن يذهب شخص إلى منزل حدثت فيه حالة وفاة ثم يلقي نكتة حول الموت!

لكن من ناحية أخرى، يصبح الضحك بمرور الوقت أحد العناصر التي تساعد على تحسن الحالة المزاجية، ويضرب لنا غرينغروس مثلاً بالناجين من الهولوكوست الذين كانوا يمزحون أحياناً حول معسكرات الاعتقال وخاطفيهم من النازيين؛ لأن ذلك كان يمنحهم سيطرة نسبية على حالتهم النفسية.