الكسل والخمول والتقاعس ... هناك الكثير من الكلمات التي تصف السلوك نفسه؛ والذي غالباً ما يكون مستهجناً في مجتمع يقدّر التفاعل والسرعة. كيف نفهم هذا السلوك ونتغلب عليها؟
لا تزال لينا البالغة من العمر 37 عاماً، تواجه صعوبةً في بدء نشاطاتها اليومية. "أنا كسولة قليلاً في كل شيء، سواء تعلق الأمر بالتسوق أو العمل أو حمام الأطفال أو حتى طهي العشاء ... ولا أتكاسل تسويفاً، ففي النهاية أقوم بما يجب القيام به؛ ولكن غالباً ما تأتي تلك اللحظة التي أفكر عندها في تجنب إنجازه أو تأجيله". من أين يأتي إذاً هذا التراخي اللطيف؟
أولاً: هناك سببان بسيطان للغاية. يوضح سافيريو توماسيلا؛ المحلل النفسي ومؤلف كتاب "الأنا الأعلى، يتعيّن ويجب عليّ"، أنّ: "السبب الأول يمكن أن يكون ثقافياً، ففي بعض البلدان المتوسطية -على سبيل المثال- يختلف إيقاع الحياة حسب الطقس، ومن المحبذ فيها أن تأخذ وقتك الكافي، كما يُعتبر الصبر فضيلةً". وتحدد ميشيل فرويد؛ أخصائية العلاج النفسي والسيوفولوجيا ومؤلفة كتاب "مصالحة الروح والجسد"، السببَ الثاني قائلةً: "يمكن أن تؤدي العوامل الفيزيولوجية أيضاً إلى شكل من أشكال اللامبالاة. فالمراهقون مثلاً لديهم علاقة متقلبة مع النوم والنشاط بسبب تأثير الهرمونات، كما نجد هذا الاختلال الهرموني لدى بعض البالغين". ماذا عن الجانب النفسي إذاً؟
لا أحب أن أفعل شيئاً
الكسل هو أولاً وقبل كل شيء إحساس جسدي. وتُبرز ميشيل فرويد "أنه شكل من أشكال الفتور؛ حيث نشعر بصعوبة في الحركة، وبلا شك أن طعم المجهود يصبح غريباً علينا، ويجب أن يكون المرء قد تلقّى التشجيع حتى يتجرّأ على التحرك". وتتابع ميشيل قائلةً: "في بعض العائلات، لا يولّد العمل متعةً، ولا يشعر الطفل بسعادة التصرف بمفرده ولذاته، وبالتالي فإن الآباء والأمهات المفرطين في حماية أبنائهم، يتصرّفون بدلاً عنهم، ولا ينقلون إليهم طعم النجاح". وفي المقابل؛ تؤكد ميشيل "أن الوالدِين الذين يطلبون الكثير من أبنائهم، أو لا يدعمونهم كثيراً، سيقودون الطفل إلى الاعتقاد بأن العمل ليس كافياً أبداً أو صعب للغاية". ومن أجل تحديد بعض الأهداف ثم تذوّق فوائد الجهود التي يبذلها الناس؛ يجب أن يكونوا قد تلقوا جميعاً الدعم الكافي، ثم يُتركوا أيضاً أحراراً ومستقلين.
أخشى أن أفعل شيئاً
يقف الخوف أيضاً وراء حالات خمولنا اليومي. ويوضح سافيريو توماسيلا بهذا الخصوص أن "الخوف من الفشل، والخوف من التغيير، والخوف من ألا يكون المرء في المستوى المطلوب، يمكن أن يكون وراء الكسل"؛ ولكن يحدث أيضاً أن تكون هذه المخاوف عميقةً وغير واعية، ومرتبطةً بتجاربَ مؤلمة، و"بعضها ناتج عن صدمة منسية منذ زمن بعيد، لذلك يمكن مثلاً أن نتردد في أخذ دروس في القيادة، لأن ذكرى حادث سيارة ما تزال تؤرقنا". إن الكسل يضمن إذاً أمننا النفسي والتثبيط يحمينا.
لا أستطيع أن أتصرف بعد الآن
ثم هناك مخاوف لا نعترف بها. تتساءل ميشيل فرويد: "هل نتكاسل حقّاً عن قراءة كتاب معقد مثلاً؟ أو هل نحن حبيسو أزمة الولاء تجاه والدينا -على سبيل المثال- ونخشى أن نتجاوزهم؟" إن الصراع النفسي يمثل سبب بارزاً آخرَ للبقاء في حالة الخمول. ويبين سافيريو توماسيلا هذا الجانب قائلاً: "هذه هي المعركة التي تخوضها رغباتنا ومحرّماتنا. عندما تتعارض الرغبة – التي تجعل المرء يتحرك - مع ما تم استيعابه على أنه غير لائق أو مستحيل، فإن الجمود يكون هو الحل الوحيد، ثم تتبع ذلك حالة من التردد والشلل، والتعبير عمّا يسمى دافع الموت". وإذا لم يتم الاعتراف برغباتنا وقبولها وتقديرها، فإن دوافع الحياة تنطفئ، ويتوقف مسارنا تماماً، ولا نستطيع المُضي قدماً.
ما العمل؟
-
قدّر كسلك
يلاحظ المحلل النفسي سافيريو توماسيلا أننا "نعيش تحت ضغط مسألة اجتماعية، و "يجب" أن يكون المرء مفعماً بالطاقة! أعطِ قيمةً لكسلك، فعدم القيام بأي شيء يتيح لك فرصة اكتشاف نفسك"، فنحن جميعاً نحتاج إلى فترات راحة وإلى غرف تخفيف الضغط، وخاصةً الأطفال، "فأوقات الكُمون ضرورية لتنمية الإبداع"، تضيف ميشيل فرويد؛ أخصائية العلاج النفسي والسيوفولوجيا.
-
حرّك جسمك
لأن الكسل جسدي؛ تنصح ميشيل فرويد بالاشتغال على الجسد قائلة: "ابدأ التحرك مرةً أخرى؛ ولكن ببطء. وضع لنفسك أهدافاً صغيرةً؛ مثل المشي والغناء. ستساعدك العودة إلى الحركة على تغيير مزاجك، فالنشاط الرياضي يؤدي إلى إفراز الأندورفين ويمنح الطاقة، واعتنِ أيضاً بنومك ونظامك الغذائي".
-
راجع ماضيك
يقترح سافيريو توماسيلا "استحضار الماضي ومراجعته. هل تم احتقار بعض رغباتك أو حرمانك منها؟ هل تشعر أن حادثةً ما قد قصّت جناحيك؟ الكسل ليس مرضاً؛ ولكن يمكن أن يصبح مشكلةً عندما يتسلل إلى كل مجالات الحياة؛ عندما تصبح سلوكيات المماطلة نابعةً من رُهاب ما. فوراء الكسل تختفي أحياناً الكآبة؛ بل الاكتئاب، ومن ثمة يُنصح بالبحث على المساعدة ومعرفة السبب".
أنطون صاحب المطعم يهتدي إلى حل ...
"لطالما اعتبرني الناس رجلاً كسولاً بامتياز. كان والداي يائسين مني وهما يرياني مستلقياً على الأريكة، أنتظر باستمرار حتى اللحظة الأخيرة للتحرك، إلى أن وجدتُ طريقي. والمضحك في الأمر أنني اخترت مهنةً صعبةً تتطلب مني الكثير من الوقت والطاقة والجهد؛ لكن - كما يقول المثل: عندما تحب فإنك لا تحسب. أعتقد أن الطريقة الوحيدة للتحرّك هي ببساطة الاستمتاع بالقيام بذلك. عليك فقط أن تسأل نفسك: "ما الذي أحب أن أفعله؟"".