نشعر بالإرهاق والقلق، ونُصاب بالكدمات دون أن نشعر أحياناً. نحتاج الهدوء! لكن ما هو الهدوء؟ لماذا نقاومه؟ وكيف يمكن الحصول على الهدوء والوصول إليه جسداً وروحاً بشكلٍ مستدام؟
- دعونا نستمع إلى رسائلنا التحذيرية
- عواطفنا هي الحل
- دعونا نتقبل الفوضى الخاصة بنا
نعيش في بيئةٍ مشحونة بالقلق والتوتر النفسي الدائمَين. الوقت يمر بسرعة، نشاط مكثّف في العمل، يجب أن تبقى متصلاً بالإنترنت طوال الوقت، تخاف من فقدان المعلومات، تخاف من تفويت الأخبار المهمة، تحدق في شاشتك المتوهجة طوال الوقت، لا تستطيع التوقف عن التصفّح... تشعر بأنك تدور في حلقةٍ مفرغة لا نهاية لها، على أرضٍ زلقة. العالم يتغير: الظلم يزداد، العنف، مستوى البحر يرتفع، أعداد المهاجرين تتزايد، العجز، التوتر الانتخابي، كل شيء يسير نحو الأسوأ، المؤسسات، المدنية، التفكير، صعوبة المتابعة والإدارة، الفعل، رد الفعل، الوضع التلقائي، حالات الطوارئ؛ عليك النجاة؛ لكنك لا تنسى أن تأمل، أن تكون أكثر إبداعاً وإيجابيةً، وأن تأكل طعاماً صحياً، تمارس الرياضة، اليوغا، وتريد أن تكون أكثر هدوءاً. دعنا نتوقف هنا. راقب جسدك، كيف حالك؟ متوتر؟ منزعج؟ تشعر بالظلم؟ حسناً، يمكننا البدء هنا.
دعونا نستمع إلى رسائلنا التحذيرية
شكراً لك على المشاركة في التجربة. كان الهدف هو وضعك في وضع يسمح لك بتجربة ما هو عكس الهدوء جسدياً؛ أي تجربة القلق، ولمعرفة مقدرتك على مقاومة الشعور الذي ينمو داخلك كمؤشرٍ على مدى صحتك، إنها رسالة تحذير. بالنسبة لكاثرين إيمليت بيريسول؛ الدكتورة والمعالجة النفسية، فإن القلق الذي نحاول إخفاءه كما لو كان نقطة ضعف في نظامنا العاطفي، هو دليل على أنه يعمل بشكل مثالي: "إنه يرسل إشارة تحذير إلينا عبر أجسامنا، ليقول لنا أن هناك خطباً ما في علاقتنا مع محيطنا الخارجي". وتصف كاثرين أثر القلق العاطفي بأنه أشبه بما يحدث في "جرة ماسون" عندما تقوم بتسخينها؛ تثور الجزيئات، تريد أن تهرب فقط. وبالمثل، فإن أجسامنا تتفاعل مع الموقف الذي يمر عبر مرشح الذاكرة، ويُنظر إليه على أنه خطر. إنه يغلي من الداخل (الشعور بعدم الراحة في الحلق، صعوبة التنفس، وتهيج المعدة)، العاطفة تدفعنا (التسرع، الرغبة في الفرار، في الهجوم)، مشاعر شديدة (غضب، كرب، ذعر)، اضطراب في تفكيرنا (اجترار، اتهامات).
عواطفنا هي الحل
هناك حلان: الحفاظ على هدوء ظاهري (أي إنكار ما نشعر به، والمخاطرة بالبقاء في وضع لا يناسبنا) أو تهيئة الظروف للعودة إلى الهدوء. أولاً: "الاعتراف بأن عواطفنا ليست هي المشكلة؛ بل هي الحل"، كما تقول كاثرين. لقد علمتنا ثقافتنا العقلانية ألا نثق بها، وأننا يجب أن نكون قادرين على السيطرة عليها وإيقاف تأثيرها. على العكس من ذلك؛ يجب علينا تعلّم الاستماع إليها، فنحن كائناتٌ حية قبل أن نكون كائنات عاقلةً. الخطوة التالية هي السعي لتحقيق توافق أفضل بين الجسم والعقل كما تقول كاثرين: "كونك هادئاً لا يعني عدم الشعور بأي شيء. الأمر هو أن تكون أكثر حضوراً لنفسك، والشعور بالرضا في عقلك وجسدك. يمكن العثور على الهدوء؛ وهو مرادف الاسترخاء والرضا، من خلال الجسد (تعديل وضعنا) أو من خلال العقل (القول، التصرف وفقاً لرغباتنا، قيمنا). إن ممارسة نشاط يمنحنا إحساساً عاماً بالرفاهية (المشي، قراءة الشعر، إلخ) بشكل منتظم، ولأنه يناسب تفضيلاتنا، وليس لأنه عصري، يساعد على إرساء هدوء في حياتنا مبني على الثقة والرضا.
عندما سُئلت المحللة النفسية فابيان كريمر عن الهدوء، تذكرت منزل أجدادها، وغرفة الرهبان حيث أمضت ساعات في القراءة فيها، وصوت صنبور الماء الذي يملأ جدها منه إناء الري الوحيد. كان يسقي حديقته بالكامل منه كما تقول، ويمضي فترة الظهيرة بأكملها في القيام بذلك. يعلم كبار السن ما يعنيه البطء والصبر والتركيز. واليوم؛ تقول كريمر: "يعاني مرضاي من الفوضى في حياتهم؛ من عدم القدرة على تهدئة تدفق أفكارهم. إنهم يتوقون إلى الهدوء؛ لكنهم قلقون منه تماماً". عالقون في هذا السباق نحو "الشدّة" كما وصفها الكاتب والفيلسوف تريستان غارسيا، إنها تدفعنا للخلط بين الامتلاء والجنون. نملأ جدول أعمالنا بالأنشطة والنزهات، دون وقت للراحة مطلقاً. تتابع كريمر: "يبحث الكثير من الناس عن السعادة بالإكثار من التجارب، والهدف هو ملء الحياة حتى لا تواجه فراغاً داخلياً؛ لكن التشتت يولد التوتر والإحباط: لا نفعل ما يكفي أبداً، ولا نفعله جيداً بما فيه الكفاية. الهدوء من ناحية أخرى، يتغذى من التركيز والبطء والاعتدال. إنه ليس شيئاً يمكنك الحصول عليه في فترةٍ قصيرة من الوقت؛ ولكنه يتطلّب اتخاذ خياراتٍ جديدة والمثابرة عليها؛ مثل تجنّب العجلة والإفراط في الاستهلاك، إعطاء الأولوية للجودة على الكمية، أن توكل بعض مهامك لشخصٍ آخر إن أمكن ذلك. لهذا الغرض؛ توصي فابيان كريمر بمسارين: التحليل النفسي والتأمل؛ وهما مدرستان للقبول وتعميق معرفة الذات. ووفقاً لكريمر؛ كلاهما مجالٌ مثير للاهتمام لتجربة المسؤولية والاعتدال والاحترام والإرساء. الهدوء المُكتسب بمرور الوقت؛ والمبني على هذين المكونين، أشبه بالنعيم.
دعونا نتقبل الفوضى الخاصة بنا
بالطبع من الأسهل أن تجد الهدوء بالقرب من البحيرة؛ ولكن الشيء المهم هو أن تكون قادراً على الهدوء في الحياة كما هي، مع قيودها وضروراتها، عندما يكون الهدوء صعباً في العمل ومع الأسرة. تقول المعالجة الاجتماعية نيكول روثينبولر: "ومن أجل ذلك؛ يمكنك تعلم طريقة للتواصل مع نفسك، وتطبيقها في جميع الظروف. تتطلب مواجهة النقص في العالم. أولاً وقبل كل شيء؛ قبول الفوضى الخاصة بك، وليس التظاهر بأنك بطلٌ خارق. تقبل حقيقة أنك إنسان، ولست فوق البشر؛ وبالتالي ضعيف ويمكن أن تخطئ. نحن نبذل طاقاتنا في رعاية الآخرين؛ لكننا نادراً ما نخصص الوقت الكافي للاعتناء بأنفسنا. ومع ذلك، فمن الضروري أن نحظى بنفس الاستماع والعطاء والاهتمام للاعتناء بأنفسنا. كيف تشعر عندما تنظر إلى نفسك؛ بالاشمئزاز، خيبة الأمل، الحزن؟ آلامنا الحميمة الداخلية هي طموحات سرية كما تقول المعالجة، إنها إشارةٌ أو نداءٌ من معالجنا الداخلي. تقول المعالجة: "بدلاً عن أن يربكنا؛ يجب علينا "استخدام" الموضوع الذي ينشأ للتحدث مع معالجنا الداخلي؛ مع أنفسنا: ما أفكر فيه، هل هو صحيح؟ ما أشعر به، بماذا يذكرني؟ وبتواضع وشجاعة، يمكننا بعد ذلك اختيار عدم التخلي عن أنفسنا، لنمنح أنفسنا ما نستحقه". هذا الفعل؛ الذي يمكننا طلب المساعدة من طبيب نفسي أو الاعتماد على صديق للقيام به، يسمح لنا باستعادة الواقعية إلى تصورنا لأنفسنا والعالم؛ وبالتالي لا تعود مخاوفك أو نظرة الآخرين قادرتين على التلاعب بك والعودة بك إلى "قهر حب الذات". الحصول على الهدوء يساعدك عندما لا يكون هناك أي اضطراب بينك وبين نفسك؛ بين ذاتك وما تريد القيام به، عندما تشعر بطاقتك في المكان المناسب، في الوقت المناسب. الهدوء إذاً هو القوة".