تتعرض النساء إلى آلاف الإشعارات اليومية التي تذكرهن أن جمالهن وحده لا يكفي؛ إذ تصدّر أغلب إعلانات مستحضرات التجميل نموذجاً موحداً للجمال يختزل صورة المرأة الجميلة في معايير شكلية محددة، قد يكون بعضها مستحيلاً؛ الأمر الذي يتلاعب بنفسيتهن وصورتهن الذهنية عن مظهرهن.
على سبيل المثال؛ في عام 2017، نشرت اثنتان من كبار الشركات في عالم التجميل؛ وهما نيفيا (Nivea) ودوف (Dove)، حملتين إعلانيتين تحملان في طياتهما رسائل متحيزة ضد لون البشرة السمراء.
فأظهر إعلان شركة "دوف" امرأة سمراء تستحيل بيضاء بعد استخدام أحد منتجاتها. بينما أظهر إعلان "نيفيا" (White is right) امرأة تؤكد أن بشرتها أصبحت أكثر بياضاً بعد استخدامها كريم الوجه الجديد؛ ما يجعلها أصغر سناً. وهذا الإعلان قدمته عارضة الأزياء وسيدة الأعمال النيجيرية أموَنمي أكينفيسي (Omowunmi Akinnifesi).
على الرغم من اعتذار الشركتين عن الرسالة المُقدَّمة في الإعلانين؛ إلا أن تلك الرسائل يتم بثّها يومياً، سواء بشكل واضح أو متوارٍ. ذلك بدوره يؤثّر -بلا شك- على ثقة النساء بأنفسهن، واحترمهن لذواتهن.
تأثير مستحضرات التجميل على ثقتهن بأنفسهن
تسعى النساء إلى زيادة جاذبيتهن من خلال استخدام مستحضرات التجميل؛ حيث يجدن فيها وسيلة سريعة وسهلة للوصول لنموذج الجمال الذي يرغبن فيه.
وفقاً لدراسة فرنسية منشورة في دورية علوم التجميل؛ تحفِّز مستحضرات التجميل ثلاثاً من حواسنا: اللمس (ملمس الجلد)، والشم (العطر)، والبصر (الظهور بمظهر جميل). لذا؛ تسبب هذه المستحضرات نوعاً من المتعة الحسية والنفسية للنساء.
ولفهم تلك العلاقة بين النساء واستخدامهن لأدوات التجميل؛ أجرى باحثو الدراسة مقابلات مع مجموعات مختلفة من النساء حول نوعية حياتهن وعادات استخدام المكياج لديهن.
وبعدها؛ قاموا بفحص العلاقة المحتَمَلة بين الحاجة إلى استخدام تلك الأدوات والملامح النفسية المكوِّنة للشخصية.
وتبيّن أن النساء يستخدمن أدوات التجميل لسببين هما: التمويه من خلال المظهر الزائف، والإغراء.
وأظهرت النتائج أن النساء اللاتي يستخدمن المستحضرات للتمويه كنّ أكثر قلقاً، ودفاعيةً، وغير مستقرات عاطفياً، مقارنةً بالأخريات اللاتي يستخدمنها للإغراء؛ واللاتي بدورهن ظهرن أكثر اجتماعيةً، وانفتاحاً، وثقةً بالنفس.
هل تحسن مستحضرات التجميل الصورة الذاتية؟
يعزز شعور النساء بعدم الجاذبية اعتمادهن على مستحضرات التجميل كأدوات تعويضية. ذلك وفقاً لإحدى الدراسات الأولية، من جامعة ماساتشوستس الأميركية.
وقد تضمنت الدراسة تأثير مستحضرات التجميل على النساء، ومدى ارتباط استخدامها بتقييمات الجاذبية.
وكشفت الدراسة أن الرسائل التي تبثّها وسائل الإعلام كانت سبباً في شعور النساء بعدم الجاذبية وتدني الثقة بالنفس.
كما وجدت دراسة أخرى حول استخدام النساء لمستحضرات التجميل، من قسم علم النفس بجامعة أولد دومينيون بالولايات المتحدة الأميركية، أن الاستخدام المختلف لمستحضرات التجميل بين السيدات يتأثر بعدة عوامل؛ مثل الوعي العام بالذات، والوعي الجسدي الذاتي، والقلق الاجتماعي.
وأفادت المشارِكات في الدراسة بأنهن يكنّ أكثر ثقة بالنفس عند استخدامهن لمستحضرات التجميل مقارنةً بعدم استخدامها. وذلك يؤكد على دور أدوات التجميل في تحسين الصورة الذاتية والانطباع الاجتماعي.
في السياق ذاته؛ تشير دراسة لآن بريتون؛ الباحثة في علم النفس، إلى مدى تأثير الإعلانات المُصمَّمَة بصور غير واقعية للجمال إلى زيادة القلق، وتدنيّ كلٍّ من احترام الذات والثقة بالنفس لدى العديد من النساء.
حيث تنبع معظم هذه المشاعر السلبية من عدم التوافق بين صورتهن الحالية والمظهر الذي ترغبن في الحصول عليه وفقاً للصورة المُقَدَّمة لهن في الإعلانات.
عواقب هوس الجمال
يشير تقرير صدر عام 2008 بعنوان "الجمال بأي ثمن" (Beauty at Any Cost)؛ أعدّته شركة "YWCA USA" -التي تهدف لدعم النساء وتقليل التمييز العنصري- لمناقشة عواقب هوس الجمال على النساء والفتيات في أميركا، إلى أن هناك اتجاهات "مثيرة للقلق" ناتجة عن سعي النساء بقوة لتحقيق صورة غير واقعية من الكمال الجسدي.
وأفاد التقرير بوجود زيادة هائلة بنسبة 500% في عدد العمليات الجراحية على مدى السنوات العشر الماضية.
مضيفاً أن ذلك الهوس بالجمال أدّى إلى إنشاء صناعة بمليارات الدولارات، تتمتع بالقدرة على تشكيل وتغيير تصورات النساء عن الجمال.
تأثير إعلانات مستحضرات التجميل على احترام الذات
خلصت دراسة ماليزية منشورة بالمجلة الدولية للتكنولوجيا والهندسة الحديثة (IJRTE)؛ والتي أُجريت للتحقق من تأثير إعلانات مستحضرات التجميل على احترام الذات وسلوك الشراء بين الشابات في كوالالمبور بماليزيا، إلى أن شركات التجميل تميل إلى الكشف عن معايير جمال غير واقعية في إعلاناتها؛ ما يؤدي إلى آثار سلبية على الشابات؛ مثل الشعور بتدني احترام الذات وانعدام الثقة بالنفس.
ويتبع ذلك التدنّي من احترام الذات أيضاً شعوراً بالحزن والوحدة. كما أنه يمثّل أحد عوامل الخطر للإصابة بالاكتئاب، فالأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات هم أكثر عرضةً للاكتئاب، والأشخاص المصابون بالاكتئاب هم أكثر عرضةً للشعور بأنهم بلا قيمة، وغير أكفاء.
يصوِّر المعلنون منتجات التجميل على أنها "حل المشكلات"، والطريقة الأمثل للوصول لنموذج الجمال المُقدَّم.
بينما في الحقيقة؛ هم يتلاعبون بالصحة النفسية للنساء، ويخلّفون آثاراً نفسية سلبية لديهن من تدنّي احترام الذات والثقة بالنفس، بالإضافة إلى هوس اقتناء تلك المنتجات وإجراء عمليات التجميل.
تتجاوز إعلانات مستحضرات التجميل والصورة الموحدة التي تضعها مقياساً للجمال رغبة الشركات في تحقيق المكاسب. فهي تمتد إلى التأثير السلبي بنفسية النساء ونظرتهن لأنفسهن، وتدفعهن للسعي بلا توقف إلى الوصول لهدف غير موجود.
اقرأ أيضاً: استعادة الثقة بالنفس: التغيير هو المفتاح