ملخص: ثمة أوقات كثيرة قد نشعر خلالها بالعجز وقلة الحيلة، وتُعد الحروب من أبرز تلك الأوقات؛ حيث ينتابنا الكثير من الغضب والإحساس بالذنب ونحن نشاهد صور الضحايا وتهدُّم منازلهم. ولكن ماذا يمكننا أن نفعل حتى نتابع الأخبار دون أن نفقد سلامنا النفسي؟ الإجابة في هذا المقال.
محتويات المقال
لا شيء يعود كما كان أبداً بعد الحروب، فثمة تغييرات كبرى تحدث؛ تسقط ضحايا، وتنهدم بيوت، ويُبَثّ الرعب في النفوس نتيجة دوي أصوات القنابل والصواريخ، وذلك الرعب الذي يترسخ ولا يفارق أصحابه متجسد في العديد من الاضطرابات النفسية.
ومع استمرار أحداث الحرب المؤلمة التي تدور رحاها في قطاع غزة وتُنقل عبر الصوت والصورة إلى الكثير من المشاهدين، فالجميع يتابع الأخبار أولاً بأول، إما من خلال التلفزيون وإما عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تُنشر من خلالها فيديوهات صادمة كثيرة. وفي خضمّ هذه الأحداث، قد نشعر بالكثير من الألم وربما الإحساس العميق بالذنب تجاه الأطفال والمدنيين، فكيف يمكن أن نتابع الأخبار دون أن نفقد سلامنا النفسي؟ الإجابة في هذا المقال.
كيف تؤثر الحرب في صحتنا النفسية؟
للحرب تأثير كارثي في الصحة النفسية للمجتمعات؛ حيث أكدت منظمة الصحة العالمية (WHO) إنه في حالات النزاع المسلح، يعاني 10% من الأشخاص الذين يتعرضون إلى أحداث صادمة، مشكلات نفسية خطِرة؛ بينما تتطور لدى 10% آخرين سلوكيات من شأنها أن تعوقهم عن مواصلة الحياة والعمل بفعالية.
وفي سياق متصل، كشف الطبيب النفسي في معهد هانتسمان للصحة العقلية (Huntsman Mental Health Institute HHMI)، ستيف سوغدين (Steve Sugden)، إن التأثيرات النفسية التي تخلفها الحروب عادة ما تكون طويلة المدى، ويضيف إنه ثمة 3 فئات سكانية معرضة إلى مخاطر الصحة النفسية جرّاء الحرب؛ وهي:
- المدنيون داخل الوطن المستهدف.
- الجنود على جانبَيّ الصراع.
- الأشخاص الذين يتابعون أخبار الحروب ويشاهدون الصور ومقاطع الفيديو من خلال تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون.
والحقيقة أن الفئات الثلاث تشعر بالصدمة، ليس بالقدر نفسه؛ ولكن يتطور لدى كل منها شعور بعدم الثقة واليأس والقلق والاكتئاب. ووفقاً لما ذكره سوغدين؛ ففي أثناء أحداث 11 سبتمبر/أيلول التي تُعد أول كارثة مُتَلْفَزة، تعرَّض أولئك الذين شاهدوا الحادث على التلفاز إلى ما يشبه الصدمة أكثر من الذين عاشوا في مدينة نيويورك في ذلك الوقت.
ما الذي يحدث لك حين تنهمك في متابعة أخبار الحروب؟
في أثناء اندلاع الحروب، يشاهد الكثير من المتابعين حول العالم عدداً لا يُحصى من الصور والفيديوهات، إما عبر التقارير الإخبارية والصحف وإما من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يؤثر فيهم سلباً؛ حيث أصدرت جمعية علم النفس الأميركية (The American Psychological Association. APA)، بياناً حذرت فيه من أن الخوف والقلق والإجهاد الناتجَين من الصدمات لهما آثار طويلة المدى في الصحة النفسية، ويحس بهذه الآثار الأشخاص الذين يتابعون الحرب ويشعرون بالقلق إزاء آثارها.
ويوضح أستاذ الطب النفسي، غايل سالتز (Gail Saltz)، إن الصور المرئية تميل إلى الثبات داخل الذهن مثل الفيلم، وفي الكثير من الأحيان، يصعب إخراجها من العقل. وحين نشاهد صوراً مروّعة تتجاوز التجربة الإنسانية المعتادة لرؤية العنف، قد لا نتمكن من النوم ليلاً؛ أما مشاهدة الصور لوقت طويل قد تؤدي إلى الحزن الذي يؤدي بدوره إلى الاكتئاب. ويحذّر سالتز من أن بعض الأشخاص أكثر عرضةً من غيرهم إلى تطوير ردود أفعال تنطوي على الإجهاد الحاد أو حتى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، مع التدفق المستمر للصور والفيديوهات والقصص المأساوية.
والحروب في وقتنا هذا رقمية؛ إذ إن تحركات الصحفيين وتقاريرهم على الأرض محدودة بسبب صعوبة الوصول إلى معظم مناطق النزاع؛ ومن ثَمّ فإن غالبية المعلومات الواردة عن الحرب تأتي من خلال محتوىً ينشره شهود العيان أو ضحايا الحرب من المدنيين، وعادة ما تكون الصور والفيديوهات أولية لا تنطبق عليها معايير النشر الأخلاقية في التعاطي مع الأحداث المأساوية، والنتيجة هي أن عدة مواد مروّعة وعنيفة تصل إلى شاشات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يعني في الكثير من الأحيان تعرضهم إلى صدمة ثانوية أو صدمة غير مباشرة.
اقرأ أيضاً: 9 نصائح لتتجاوز الأيام الثقال وتخفف وطأتها
ما هي الصدمة الثانوية أو غير المباشرة؟
تحدث الصدمة الثانوية أو غير المباشرة بوصفها رد فعل على مشاهدة تجربة مؤلمة تعرض إليها شخص آخر، أو رؤية مواد مروعة أو مؤلمة عبر الصور أو مقاطع الفيديو. وأولئك الذين يعانون صدمة مباشرة، تكون لديهم أعراض متشابهة مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) إلى حدٍ ما.
وفي الكثير من الأحيان، قد يشعر أولئك الذين يعيشون مع صدمة ثانوية أن صراعاتهم الخاصة "أقل أهمية" من الشخص الذي عانى الحدث الصادم مباشرةً؛ بينما قد يحس الآخرون بأنهم "ضعفاء" لشعورهم بعدم القدرة على تقديم الدعم الكامل للضحايا الأساسيين والذين تعرضوا إلى الصدمة مباشرة.
متى تعرف أن عليك التوقف عن متابعة أخبار الحرب؟
من المهم تأكيد أن كل شخص مختلف، وأن ردود أفعال الأشخاص تختلف تجاه الأحداث نفسها، ناهيك بأنها تعتمد على الحالة النفسية السائدة وقت التعرض إلى الصدمة. ولكل فرد محفزات مختلفة، فبالنسبة إلى البعض، يتجسد الألم في رؤية إصابات جسدية واضحة؛ بينما بالنسبة إلى البعض الآخر، يمكن أن يحدث الشعور العميق بالحزن بسبب نظرة يائسة لطفل. وفي الأحوال كافةً، تحدث الصدمة الثانوية بسبب التعرض المتكرر إلى صدمات الآخرين، وهذه أهم أعراضها التي يجب أن تمنعك من مشاهدة المزيد من أخبار الحروب:
- انخفاض مستوى التركيز.
- الشعور بالغضب.
- الإحساس العميق بالذنب تجاه ضحايا الحرب.
- الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية والمهنية.
- اضطرابات النوم.
- اضطراب الشهية.
- زيادة معدل ضربات القلب.
- صعوبة التنفس.
- تقلب المزاج.
- الذكريات غير المرغوب فيها والمؤلمة عن هذه الأحداث.
- معاناة القلق والاكتئاب.
اقرأ أيضاً: دليلك لتعزيز مرونتك النفسية ضد الصدمات
كيف تتابع أخبار الحروب دون أن تفقد سلامك النفسي؟
قد يكون من المفيد لأي شخص التوقف عن مشاهدة أخبار الحروب؛ لكن هذا قد لا يكون خياراً واقعياً بالنسبة إلى البعض، وبخاصة إذا كانت القضية مهمة وتشغل بال الجميع. ومع ذلك، من الممكن متابعة أخبار الحروب دون أن تفقد سلامك النفسي من خلال الطرائق التالية:
- لا تتابع أخبار الحروب كلها: أولاً وقبل كل شيء، يجب الحد من مشاهدة أخبار الحروب. ويوصي أستاذ الطب النفسي غايل سالتز بالاكتفاء بمصدر واحد أو مصدرين من وسائل الإعلام الموثوقة، بالإضافة إلى تحديد الوقت الذي تقضيه في مشاهدة الأخبار بـ 30 دقيقة فقط يومياً.
- لا تسمح لأحد أن يبتزك: توضح المعالجة النفسية وفاء شلبي إن المشاهد غير مضطر أن يكتب عن أحداث الحرب ويشاهدها 24 ساعة طوال اليوم حتى لا يتهمه أحد باللامبالاة أو بأنه لا يشعر بآلام الضحايا!
- لا تدخل في نقاشات حادة مع أحد: تنصحك شلبي أيضاً خلال أحداث الحرب الجارية، بعدم الدخول في نقاشات مع أحد من أجل إثبات وجهة نظرك، وعدم الحكم على أحد لأنه لا يملك وجهة نظرك نفسها.
- لا تشاهد الأخبار قبل النوم: ليس فقط لأن الضوء الأزرق المنبعث من جهازك يمكن أن يكون مضراً؛ ولكن أيضاً لأن النظر إلى الصور ومقاطع الفيديو المزعجة يمكن أن يسبب لك التوتر والقلق فيُبقيك مستيقظاً طوال الليل أو يسبب لك الكوابيس المزعجة.
- تجنَّب التمرير المدمر للصور والأخبار: بينما تستمر أحداث الحرب، وبدلاً من مشاهدة الصور والاخبار المروعة وتمريرها إلى الآخرين، تُمكنك المشاركة في أنشطة أكثر إيجابيةً مثل التبرع للضحايا.
- أوقف تشغيل الصوت في أثناء مشاهدة الفيديوهات: قد يكون تأثير الاستماع إلى آلام الضحايا في النفس مروّعاً إذا استمر مدة طويلة، وقد لا تستطيع إخراج هذا الصوت من عقلك. لهذا؛ أوقف تشغيل الصوت، وبخاصة في أثناء مشاهدة الفيديوهات العنيفة أو الصادمة.
- افعل الأشياء التي تجعلك تشعر بالتحسن: حين يداهمك الشعور بالقلق والحزن، افعل بعض الأشياء التي يمكن أن تجعلك تشعر بالتحسن؛ مثل ممارسة تمرينات التنفس العميق أو المشي في الطبيعة أو ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل اليوغا والتأمل.
في النهاية، علينا أن نعلم أن الحروب تنتج قدراً هائلاً من المعاناة والصدمات، والنصيب الأكبر من المعاناة يدفع ثمنَه المدنيون والضحايا وأطراف النزاع، ثم يأتي متابعو هذا النزاع حول العالم. لهذا؛ إذا كنت تشعر بالحزن جرّاء ما يحدث، فتأكد أنك لست وحدك، وحاول أخذ استراحة تبتعد فيها عن أخبار الحروب حتى تشعر بأنك بخير، وثِق بأنه لا ذنب لك في كل ما يحدث.