ملخص: تحتاج العلاقات الإنسانية إلى مجموعة كبيرة من الأسس حتى تظل راسخة وقوية؛ ومن أهم هذه الأسس هي الثقة. والحقيقة، أن هناك الكثير من الأشخاص الذي يعانون أزمات الثقة إما بسبب صدمات الطفولة وإما بسبب التجارب السلبية السابقة. ومن خلال هذا المقال، سوف نتعرف معاً إلى طرائق التغلب على أزمات الثقة.
محتويات المقال
هل شعرت يوماً بأنك لا تستطيع أن تثق بشخص ما، حتى لو لم يفعل شيئاً يجعلك تشك فيه؟ في الحقيقة، تُعد أزمات الثقة واحدة من أكثر المشكلات المنهكة في أنواع العلاقات جميعها، ويمكن أن تكون مضرة جداً بالعلاقات الرومانسية أو الشخصية أو المهنية. وقد يكون تعلم الثقة مرة أخرى أمراً صعباً؛ لكنه ضروري للحفاظ على صحتك النفسية والعاطفية. ومن خلال هذا المقال، سوف نتعرف معاً إلى أسباب أزمات الثقة وكيفية التغلب عليها.
ما هي أزمات الثقة؟
يُطلق هذا المصطلح عرضياً على مجموعة المشكلات التي تتعلق بالثقة، وحين يواجه أحد الأشخاص تلك المشكلات فإنه يجد صعوبة بالغة في الثقة بالآخرين. يمكن أن تتسبب أزمات الثقة في شعورك بالريبة والشك في الآخرين لدرجة عزلك لنفسك عنهم؛ ولهذا قد تكون علاقاتك متقلبة وغير مستقرة وقد تقضي أيضاً الكثير من الوقت في القلق أو التساؤل أو حتى الهوس بشأن ما يفعله الآخرون.
اقرأ أيضاً: لماذا يجد البعض صعوبة في الثقة بالآخرين؟
ما أسباب شعور البعض بأزمات الثقة؟
يمكن أن تستغرق الثقة سنوات لتنمو؛ ولكن يمكن تدميرها في لحظة واحدة! والأشخاص الذين يعانون أزمات الثقة غالباً ما يكونون قد مروا بإحدى هذه التجارب:
- صدمات الطفولة: إذا شهد الأطفال أزمات ثقة داخل أُسرهم، فقد يخشون أن يحدث الشيء نفسه لهم في العلاقات المستقبلية. إذا كان والداك منفصلين، فقد تكون أيضاً أكثر عرضة لتطور مشكلات الثقة، وبخاصة في علاقاتك الرومانسية. من ناحية أخرى، إذا كان والداك يتجادلان كثيراً وشهدت علاقتهما صعوداً وهبوطاً، فقد تكون لديك أزمات ثقة نتيجة لذلك.
- سوء المعاملة والتعرض للتلاعب النفسي: إذا تلاعب بك شريك سابق، أو أساء أحد أفراد أسرتك معاملتك، فسوف تعاني أزمات الثقة، وسوء المعاملة والتلاعب يشملان عدم الأمانة، والسلوك العدواني السلبي، وإبقاءك معزولاً عن الآخرين، وتعرُّضك للهجر من قبل أحد الوالدين.
- التعرض للرفض الاجتماعي: إن التعرض للرفض من قبل أصدقائك خلال مرحلة الطفولة أو المراهقة قد يصعّب عليك الثقة بالآخرين، ويمكن أن يتفاقم هذا النوع من أزمات الثقة عندما يكون الشخص المرفوض غير قادر على تحديد سبب رفضه واستبعاده، أما التعرض للرفض المتكرر فسوف يجعل مشكلة الثقة أكثر صعوبة من محاولة التغلب عليها.
- تجارب الحياة الصعبة: مثل التعرض للخيانة الزوجية، فحتى لو قرر أحد الأطراف إصلاح العلاقة بعد الخيانة الزوجية، ستكون استعادة الثقة مرة أخرى أمراً صعباً، فبمجرد أن يتعرض الشخص للخيانة قد يلوم نفسه ويشعر بأنه لا يستحق الحب.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تمتد أسباب عدم الثقة بالآخرين لمرحلة الطفولة؟
7 علامات للشعور بأزمات الثقة
هناك عدد من السلوكيات المختلفة التي قد تشير إلى أنك لا تشعر بالثقة في الآخرين، وهذه السلوكيات تشمل:
- افتراض الأسوأ دائماً: قد تقودك أزمات ثقتك إلى افتراض الأسوأ بشأن الأشخاص من حولك، حتى لو أثبتوا أنهم جديرون بالثقة في الماضي. على سبيل المثال؛ عندما يعرض عليك شخص ما مساعدتك، تتساءل عما إذا كان يتوقع شيئاً منك لاحقاً.
- الشك: يمكن لأزمات الثقة أن تجعلك تشعر بالشك تجاه نوايا الآخرين، وحتى لو لم يكن هناك ما يثبت شكوكك، فقد تشعر بأن الآخرين يحاولون إيذاءَك أو خداعك.
- التخريب الذاتي: غالباً ما تؤدي أزمات الثقة إلى التخريب الذاتي. على سبيل المثال؛ قد تنخرط في سلوكيات تخرب علاقتك بالآخرين لأنك تفترض أن إنهاء تلك العلاقات الآن أفضل من الشعور بخيبة الأمل في المستقبل.
- العلاقات غير الصحية: يواجه الأشخاص الذين يعانون أزمات الثقة دائماً صعوبة في بناء علاقات صحية وطويلة الأمد. وفي هذا السياق، يؤكد المختص النفسي طه عبد العزيز إن تلك الأزمات تصنع مع مرور الوقت ما يمكن أن نُطلق عليه "السلوكيات الوقائية"؛ وهي نوع من أنواع الهروب في مواجهة معتقد سلبي لا يمكن احتماله.
- عدم القدرة على التسامح: عندما تكون لديك أزمة ثقة، يكون من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- المضي قدماً بعد حدوث خيانة الثقة، ويمكن أن يؤثر عدم القدرة على المسامحة والنسيان في حياتك بأكملها وليس فقط علاقاتك مع الآخرين؛ حيث يؤدي ذلك إلى الشعور بالذنب والعار والمرارة والندم.
- الابتعاد عن الآخرين: في كثير من الحالات، قد يؤدي انعدام الثقة بالآخرين إلى بناء جدار بينك وبينهم حيث تتجنب العلاقات تماماً لأنك تخشى الخيانة أو خيبة الأمل.
- التركيز على سلبيات الآخرين: يميل الشخص الذي يشعر بأزمات الثقة إلى ملاحظة عيوب الآخرين أو نقاط ضعفهم أو أخطائهم بدلاً من التركيز على صفاتهم الإيجابية.
أنواع العلاقات التي تتأثر بأزمات الثقة
أزمات الثقة لا تمنعك من بناء علاقات صحية طويلة الأمد وحسب؛ ولكنها تجعلك تشعر بالعزلة والوحدة وسوء الفهم أيضاً، وهناك الكثير من العلاقات التي تتأثر بأزمات الثقة مثل:
- العلاقات الرومانسية: يواجه الأشخاص الذين يعانون أزمات الثقة صعوبة في الاعتماد على شركائهم في العلاقة؛ ما يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من المشكلات مثل الخيانة وعدم الرغبة في الالتزام وصعوبة الاعتذار عند كسر الثقة.
- علاقات الصداقة: قد يواجه بعض الأشخاص صعوبة في الثقة بأصدقائهم، وقد تنبع تلك الصعوبة من الخوف من خيبة الأمل أو التعرض للخيانة.
- العلاقات في مكان العمل: هناك العديد من الأسباب التي قد تجعل الشخص لا يثق بزملائه في العمل؛ حيث يشعر في بعض الأحيان أن زملاءه يتآمرون ضده حتى يترك العمل أو يتعرض للتوبيخ من المدير!
كيف يمكن التغلب على أزمات الثقة؟
إن معرفة كيفية التغلب على أزمات الثقة ليست بالأمر السهل، فإذا كانت لديك مشكلات تتعلق بالثقة وتعوق قدرتك على بناء علاقات سعيدة وصحية أو تعوق حياتك بطريقة أخرى، فقد حان الوقت لإجراء التغيير، وذلك من خلال اتباع الخطوات التالية:
- حاول الوصول إلى جذور أزمات الثقة الخاصة بك: تذكر أن أزمات الثقة غالباً ما تنبع من خيانة الماضي، فإذا لم تكن متأكداً من سبب وجود مشكلات الثقة لديك، فقم ببعض البحث الذاتي؛ فكر في أي تجارب سابقة ربما تسببت في أزمات ثقتك، فمن المهم أن تفهم سبب خوفك حتى تتمكن من المضي قدماً. ويعتقد المختص النفسي طه عبد العزيز إن أزمات الثقة هي مواقف غير منتهية، وأزمات وجدانية لم تتجاوزها، ورغبات غير محققة، واحتياجات غير مُلباة.
- تقبَّل المخاطر التي تأتي مع محاولة الثقة مرة أخرى: لا أحد منا مثالي، فنحن أيضاً يمكن أن نخذل الآخرين؛ ولذلك يجب عليك قبول المخاطر التي تأتي مع الثقة. الحقيقة هي أنك سوف تُخذل في مرحلة أو أخرى من حياتك؛ لكن هذا لا يعني أن تغلق على نفسك وتتوقف عن التعرف إلى الآخرين والثقة بهم.
- تواصَل مع الآخرين بانفتاح: يؤكد أستاذ علم النفس السريري، كامران اشتيهاردي (Kamran Eshtehardi) ضرورة التواصل المنفتح والفعّال مع الآخرين من أجل بناء الثقة، ويوصي اشتيهاردي بمناقشة مخاوفك مع الآخرين والسماح لهم بمعرفة قيمك وحدودك.
- مارِس تمارين اليقظة الذهنية: هذه إحدى الاستراتيجيات المفيدة؛ لأنك حين تمارس اليقظة الذهنية ستكون أكثر وعياً بما تشعر به في الوقت الحاضر دون القلق بشأن الماضي والمستقبل.
- تعلّم أن تثق بنفسك: واحدة من أفضل الطرائق للتغلب على أزمات الثقة هي أن تثق بنفسك، وهذا لا يعني التشكيك في نفسك أو اختياراتك؛ لكنه يعني فقط أنه يجب عليك بناء وعي ذاتي أقوى يمكن أن يساعدك على توجيه أحكامك وعلاقاتك مع الآخرين.
في النهاية، قد يكون الشعور بأزمات الثقة أمراً صعباً؛ ولهذا من المهم أن تعيد بناء الثقة بالآخرين سواءٌ كانت تربطك بهم علاقة رومانسية أو صداقات أو حتى علاقة عمل. ولتبني الثقة بشخص آخر، عليك أن تثق بنفسك أولاً؛ وهذا يعني أن تكون منفتحاً بشأن مشاعرك وآرائك وأفكارك وحدودك، ويعني أيضاً أن تكون متفهماً حين يرتكب الأشخاص الآخرون الأخطاء.