لا يوجد دليل إرشادي خاص بالأمومة أو الأبوة، والحقيقة أني أربي أطفالي بطريقة مختلفة تماماً عن طريقة المحيطين بي، وفي كل مرة ألتقي مع أسرتي أتعرض إلى اللوم بسبب طريقتي الخاصة في التعامل مع أبنائي، فأنا أحب أن أكون صديقتهم المقربة، في حين ترى والدتي أن علاقة الوالدين بالأبناء يجب أن تكون علاقة هرمية تستند إلى سلطة الوالدين وحقهم في إرشاد أبنائهم وتعليمهم، ومن وجهة نظري لا يوجد تعارض بين الصداقة والأمومة، وعبر هذا المقال سوف أخبرك كيف يمكنك أن تصبح صديقاً جيداً لأبنائك.
هل من المفيد أن تكون صديقاً لأبنائك؟
كيف تبدو الصداقة مع الأبناء في الواقع؟ وهل يعني أن تكون صديقاً لأبنائك مجرد الإنصات لهم، أم يدل ذلك على علاقة متساوية؟ تُعرِّف الجمعية الأميركية للطب النفسي (American Psychological Association) الصداقة بأنها "علاقة طوعية بين شخصين أو أكثر تدوم طويلاً، ويميل المشاركون فيها إلى الاهتمام بتلبية احتياجات بعضهم بعضاً، وغالباً ما تتطور علاقة الصداقة من خلال التجارب المشتركة التي يتعلم فيها الأصدقاء أن علاقتهم مرضية للطرفين"، ولكن هل علاقة الآباء بالأبناء علاقة طوعية، وهل يجب على الأبناء تلبية احتياجات الوالدين؟
ثمة رأي يؤكد أن الصداقة تتعارض تعارضاً كبيراً مع الأمومة والأبوة، وذلك لأن العلاقة بين الوالدين والأبناء يجب أن تتخذ شكلاً هرمياً، ويتفق أستاذ علم النفس بجامعة بيركبيك في لندن (Birkbeck University of London)، جاي بيلسكي (Jay Belsky)، مع هذا الرأي مؤكداً أن طفلك ليس صديقك، وذلك لأن الصداقة تتعارض مع الدور الوظيفي للأمومة والأبوة، علاوة على أن وضع الابن، حتى لو كان مراهقاً، في دور لا يتناسب مع عمره بوصفه مقدم دعم لأحد الوالدين ليس في مصلحته، كما يجب دوماً على الآباء وضع الحدود مع الأبناء.
بالطبع، من وظيفة الوالدين وضع الحدود وعدم السماح للأبناء بفعل ما يريدون، وعلى الرغم من ذلك، ألا تضع حدوداً مع أصدقائك؟ هل يفعل أصدقاؤك ما يريدون دون عواقب؟ هل ستبقيان صديقين إذا تحدث إليك صديقك باستخفاف وعدم احترام؟ وهنا يمكن القول إن بعض صفات الصداقة الجيدة هي صفات علاقة قوية وصحية بين الأب والطفل؟
تشرح المختصة النفسية، جوين ديوار (Gwen Dewar)، أن هذا النقاش حول تربية الأطفال يتبع طريقة كل شيء أو لا شيء؛ بمعنى إما سلطة الأبوين كاملة وإما الصداقة بكل حذافيرها، والحقيقة أن الوالدين يمكن أن يبنوا علاقة صداقة وثيقة مع أبنائهم مع الحفاظ على مسؤوليتهم بصفتهم بالغين، لا يوجد نوع واحد فقط من الصداقة، تماماً كما لا يوجد أسلوب واحد فقط في تربية الأبناء، فالآباء والأبناء بشر يحملون التعقيدات الإنسانية وهم متعددو الأوجه، لذلك لا معنى لتصنيف أي منهما تحت مسمى واحد، ما يعني أن الممارسة الأفضل هي دمج الصداقة مع تربية الأبناء.
اقرأ أيضاً: الوصايا الأربع لصداقة حقيقية ودائمة
كيف يمكن أن تصبح صديقاً جيداً لأبنائك؟
تعد الرابطة التي تجمعك بأبنائك واحدة من أهم الروابط في العالم، وفي حين يعتقد بعض الآباء أن الصرامة والانضباط هما السبيلان إلى تربية الأبناء على نحو أفضل، هناك الكثير ممن يعتقدون أن وجود صداقة تجمعهم بأبنائهم هو الطريق نحو بناء الأسرة السعيدة، والحقيقة أنه يمكنك الجمع بين الأمرين في الوقت نفسه؛ أن تكون أفضل صديق لابنك مع تربيته جيداً، وهذه النصائح سوف تساعد في بناء صداقة جيدة مع أبنائك:
1. اقض الوقت الممتع بصحبة أبنائك
إن قضاء وقت ممتع بصحبة أبنائك بعيداً عن الأجهزة الإلكترونية يعزز التواصل المفتوح، ويقوي الروابط، ويسمح بتقوية أواصر الود والمشاركة، ولهذا يجب على الوالدين التأكد من قضاء وقت حقيقي وغير مشتت مع أطفالهم دون تدخل الهواتف أو الأجهزة، وبالنسبة لي أرى أن المقصود بالوقت الحقيقي أو الممتع هو الوقت الذي تخلق فيه مساحة من التواصل بعيداً عن الأنشطة الروتينية اليومية، مثل تناول الطعام أو مذاكرة الدروس؛ على سبيل المثال، يمكنك أن تشاهد معهم أفلامهم المفضلة، فإذا كان أبناؤك صغاراً يمكنكم مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة، وإذا كانوا أكبر قليلاً فهناك أفلام الحركة والمغامرات.
ويرى الطبيب النفسي، محمد اليوسف، أن جودة الوقت الذي تقضيه بصحبة أبنائك أهم من مدته؛ قد تقضي ٣ ساعات لكنك مشغول عنهم، وتتظاهر بأنك مستمتع بوجودهم لكنك تفكر في أمر آخر ويبدو أنك لا تود الحديث معهم، ولهذا فمن الأفضل أن تقضي نصف ساعة منسجماً معهم، تشاركهم اللعب، تضحك وتبتسم!
2. حاول إجراء المحادثات الهادفة
حين تقضي المزيد من الوقت بصحبة أبنائك، سيعزز هذا الأمر الحوار الصريح؛ ولهذا يمكنك خلال هذه المرحلة إجراء المحادثات الهادفة، وكن مدافعاً عنهم وقدم لهم الدعم عند الحاجة وعزّز احترامهم لذواتهم وأكد مزاياهم، ومع مرور الوقت سوف تنمو الثقة بينكم على نحو كبير.
وفي هذا السياق، ينصح المعالج النفسي، أسامة الجامع، بضرورة الاستمتاع بالحوار مع الأبناء خاصة في أثناء توصيلهم إلى المدرسة؛ فبدلاً من تمضية الوقت في الاستماع إلى الإذاعة أو الصمت اسأل أبناءك عن عالمهم الخاص من أجل تقوية الروابط بينكما.
3. اصنع معهم الذكريات المشتركة
إن وجودك باعتبارك صديقاً جيداً لابنك يعني أنك على دراية باهتماماته وأحلامه، والأماكن التي يحب زيارتها، ولهذا حاول أن تفاجئه في أحد الأيام، واذهبا معاً إلى تلك الأماكن من أجل الاستمتاع بالوقت من ناحية ومن أجل صناعة الذكريات المشتركة من ناحية أخرى، وإذا لم تتمكن من الذهاب معه إلى بعض الأماكن فاصنع تلك الذكريات من خلال الضحك معه ومشاركته القصص. وتذكر جيداً في أثناء صناعة تلك الذكريات واللعب مع أبنائك أن تخلع عباءة الوصاية ولا تنتقدهم أو توجه لهم اللوم والنصح لأن ذلك ليس الوقت المناسب للنقد، وذلك وفقاً لنصيحة استشاري الطب النفسي، محمد اليوسف.
4. أشركهم في العمل اليومي
هناك الكثير من الأنشطة المنزلية اليومية التي ينجزها الوالدان على نحو مستمر، وإذا كنت تريد تنمية أواصر الصداقة بينك وبين أبنائك، اجعلهم جزءاً من تلك الأنشطة. على سبيل المثال، يمكن أن تسألهم عن النشاط المحبب لهم، اصطحبهم للتسوق أو اجعلهم يساعدون في تنظيف البيت، وبهذه الطريقة سوف تقضي الوقت بصحبتهم وستنجزون بعض الأعمال معاً.
5. كن متاحاً حين يحتاجون إليك
تعتقد الطبيبة المتخصصة في طب نفس الأطفال والمراهقين، فونميلايو أونيفاد (Funmilayo Onifade)، أن الوالدين يجب أن يخصصا وقتاً من أجل أبنائهما، ويجب أن يكونا متاحَين حين يحتاج إليهما الأبناء، وتضيف أونيفاد، أن الصداقة لا تتطور بالصدفة ولا تنمو من تلقاء نفسها، لذلك يجب عليك أن تبذل جهداً إذا كنت تريد تطوير صداقة ذات معنى، وحين تكون موجوداً من أجلهم يجب عليك أن تستمع إليهم باهتمام وتفاهم.
وفي هذا السياق يوضح المختص النفسي، جريج سمالي (Greg Smalley)، أن الاستماع باهتمام وطريقة متفهمة عنصر مهم للغاية من عناصر الصداقة، وينصح سمالي بضرورة ممارسة الاستماع النشط عند التواصل مع الأبناء، ويتضمن الاستماع النشط التواصل البصري مع المتحدث، علاوة على عدم افتراض ما يقوله أبداً، وبدلاً من ذلك، حاول أن تطرح الأسئلة من أجل توضيح ما قاله ابنك، ثم كرر الأمر باستخدام كلمات مختلفة حتى تفهم تماماً ما يعنيه.
6. اترك لهم بعض المساحة
على الرغم من أنك قد تشعر في بعض الأحيان بالحاجة إلى مراقبة طفلك وحمايته طوال الوقت من أجل التأكد أنه يمشي في المسار الصحيح، فإن الحماية المفرطة والمراقبة الدائمة قد تدمر العلاقة بينكما، ولهذا فمن الأفضل أحياناً أن تترك ابنك بمفرده، وهذا لأن الأبناء يحتاجون إلى مساحتهم الخاصة، بغض النظر عن أعمارهم.
اقرأ أيضاً: 3 قواعد ثمينة لحث الأطفال على احترامك