ربما من غير المنطقي أن تكون إنتاجية الموظف الذي يأخذ استراحة كل ساعة أعلى من إنتاجية الموظف الذي يبقى متسمراً بالعمل خلف مكتبه؛ ولكن ثبت علمياً أن أخذ استراحةٍ لمدة 5 إلى 10 دقائق كل 45 دقيقة يزيد من إنتاجية الدماغ بالفعل.
هل تتذكر قبل الوباء عندما كان الجميع لا يزالون يعملون معاً؟ كنا نهتم بطريقة عملنا التي كانت فريدةً جداً. تخيل لو أن زميلك في العمل قرر أخذ استراحة صغيرة كل 45 دقيقة لتناول القهوة أو تدخين السجائر؛ ستقول عن هذه الزميل، ولنكن صريحين، إنه يتهرب من العمل، أليس كذلك؟
على النقيض من ذلك، فإن الشخص الذي يقضي اليوم كله خلف مكتبه دون أن يتحرك، باستثناء فترة استراحة محتملة لتناول الطعام وهو جالس أمام مكتبه أو لقضاء حاجته، سيحظى بالإعجاب لتفانيه في عمله. سيقول الجميع عنه: "إنه شخص طموح فعلاً. لو عمل الجميع مثله سيكون ذلك رائعاً".
ولكن الحقيقة على النقيض من ذلك تماماً، فأحد هذين الشخصين أكثر كفاءة وفاعلية بكثير من الآخر وليس كما تعتقد.
لكن قبل أن أقدم لك شرحاً لهذه المفارقة، أريدك أن تتذكر أيام الإغلاق الأول أثناء الجائحة إذا كنت تعمل عن بعد. حاول تذكر تلك الأيام الطويلة التي كنت تقضيها منذ الصباح الباكر إلى وقت متأخر من الليل جالساً خلف مكتبك دون أن تنهض أو تأخذ استراحة. هل تذكر الشعور بالإرهاق والتعب في نهاية اليوم
هذه هي المفارقة المذهلة: كنت ستعمل بشكل أكثر كفاءة لو أخذت استراحة كل 45 دقيقة. نعم، أخذ استراحةٍ من 5 إلى 10 دقائق كل 45 دقيقة يزيد من إنتاجية عقلك.
في الواقع عندما تبدأ العمل على ملفٍ ما، سيستغرق الأمر 15 دقيقة للوصول إلى استخدام كامل طاقتك العقلية. بعد أن تصل إلى هذا الحد الأقصى، سيستمر عقلك بالعمل بهذه الوتيرة لمدة 30 دقيقة قبل أن تفقد التركيز والكفاءة تدريجياً. الطريقة الوحيدة لمواجهة هذا التراجع هي أخذ استراحة. عند عودتك إلى العمل مرةً أخرى بعد الاستراحة، ستحتاج 15 دقيقة لاستعادة كامل طاقتك العقلية لمدة 30 دقيقة كاملة، وهكذا تعيد الكرّة.
إذا أجرينا حساباً بسيطاً لأربع ساعات من العمل صباحاً، ستكون لديك 30 دقيقة فقط لاستخدام طاقتك العقلية القصوى إذا لم تأخذ أي استراحة. ولكن إذا أخذت استراحة قصيرة كل 45 دقيقة، بوسعك استخدام طاقتك العقلية القصوى لمدة ساعتين؛ أي 4 مرات أكثر مما لو لم تأخذ قسطاً من الراحة.
ربما ترى أن الأمر غير منطقي؛ لكن الموظف الذي يأخذ استراحة كل ساعة أكثر إنتاجية من الشخص الذي يبقى مقيداً خلف مكتبه. يمكنك تجربة هذه الطريقة أثناء العمل عن بعد، وستلاحظ التأثير الإيجابي في النواحي الثلاث التالية من اليوم الأول:
- ستقلل من الإجهاد النفسي في نهاية اليوم على الرغم من أنك تنجز نفس القدر من العمل أو أكثر. في الواقع، تميل مجتمعاتنا إلى قياس مقدار العمل المنجز بعدد ساعات العمل، وهذه الفكرة خاطئة تماماً. الشيء الوحيد المهم هو مقدار العمل الذي تم إنجازه، وليس مقدار الوقت الذي استغرقه إنجازه.
- سيقل التعب الجسدي أيضاً. يؤثر الجلوس مطولاً أمام جهاز الكمبيوتر دون النهوض سلباً بشكلٍ كبير في ظهرك ورقبتك وعينيك. لذلك يجب عليك أخذ فترات راحة منتظمة تريح خلالها ساقيك وعينيك وعضلات رقبتك، وستلاحظ الآثار الإيجابية لأخذ قسط من الراحة.
- يمكنك توفير نحو ساعتين للقيام بأعمال أخرى في أثناء فترات الراحة يومياً؛ مثل الاعتناء بنفسك أو التفكير بأفكار أخرى. ليس بالضرورة ألا يكون وقت الراحة "منتجاً"، فهو في النهاية وقت يستريح فيه العقل عن طريق تغيير المهام.
لقد حان الوقت لوضع حد لأسطورة الإنتاجية هذه التي تقول إن الاستراحة مضيعة للوقت. الشيء الرائع في الاستراحة أن فائدتها تعود على الجميع؛ على الموظف والشركة. لقد أصبحت هذه الحقيقة المتمثلة في أن لرفاهية الموظفين تأثير إيجابي في أداء الشركة مقبولةً أكثر هذه الأيام.
ما زلت أتذكر كلمات أحد رؤسائي الذي استدعاني إلى مكتبه قبل بضع سنوات. كان غاضباً حينها، وقد عاد لتوّه من اجتماع في الخارج بعد الظهر ولاحظ أن عدة موظفين يأخذون استراحة للتدخين في الطابق السفلي. قال لي هذه الجملة التي يتردد صداها بشكل مختلف تماماً اليوم: "غاييل، من فضلك أخبر فريقك أنهم لن يحصلوا على أجر مقابل فترة الاستراحة"، وهذا ما حدث فعلاً.
سأختم هذه القصة كعادتي باقتباس. اخترت اقتباساً للكاتب المسرحي الفرنسي، مارسيل أتشارد، أجدها مناسبة جداً وبصراحة جعلتني أضحك لأنها تطرح الكثير من الأسئلة. يقول أتشارد: "لدي طاقة هائلة للعمل".