هل أصبح كشف كذب الآخرين أكثر سهولة؟

3 دقائق

في حين لا يستطيع البعض اختلاق الأكاذيب بسهولة؛ حيث تفضحهم تعبيرات وجوههم وإيماءاتهم، يكون آخرون بارعين في الكذب وحبك القصص المزيفة التي يصعب على الطرف الآخر كشف مدى صحتها.
كذلك؛ بينما يمثِّل استخدام بعض العبارات مثل: "دعني أكون صريحاً معك"، أو التعرق الزائد خلال الحديث أو تغيُّر نبرة الصوت فجأة عوامل لـ "كشف كذب الآخرين". أوضحت دراسة حديثة من "جامعة بورتسموث" (University of Portsmouth) بالمملكة المتحدة طريقة أخرى فعّالة لكشف كذب الآخرين، بدفعهم لأداء مهمتين في ذات الوقت؛ ما ينتج عنه تقسيم انتباههم بين كليهما، وعدم قدرتهم على مواصلة الكذب بشكل مقنع.

الكذب وزيادة العبء المعرفي

يشير عدد من الدراسات إلى أن الكذب يتطلب معرفة أكثر ويسبب جهداً وعبئاً معرفياً أكبر من قول الحقيقة.

على سبيل المثال؛ كشف تحليل تلوي من "جامعة ميسوري" (University of Missouri) الأميركية لأبحاث الخداع بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، أن الخداع يرتبط بنشاط أعلى في الدماغ من قول الحقيقة، خاصةً في مناطق الفص الجبهي التي ترتبط بالعمليات التنفيذية؛ مثل الذاكرة العاملة وتبديل المهام.

كذلك؛ كشفت تحليلات مقابلات الشرطة مع المشتبه بهم أنهم يظهرون بشكل خاص علامات العبء المعرفي الزائد عند الكذب؛ مثل زيادة فترات التوقف المؤقت خلال الحديث، انخفاض حركات اليد والأصابع؛ وفقاً لدراسة من "جامعة بورتسموث" (University of Portsmouth) بالمملكة المتحدة.

كما يصاحب الكذب التفكير بشكل أكثر جدية مقارنة بقول الحقيقة، ودائماً ما يحاول الكاذب التحقق من ردود أفعال الطرف الآخر لتقييم ما إذا كان مقنعاً بالنسبة له أم لا.

بالإضافة إلى ذلك؛ أوضحت دراسة أجراها باحثون من "جامعة لويزيانا للتكنولوجيا" (Louisiana Tech University) الأميركية أنه عند طرح سؤال، يتم تفعيل الحقيقة تلقائياً. لذلك يجب على الكاذبين أن يكتموا الحقيقة أولاً قبل أن يكذبوا؛ ما يستدعي حملاً معرفياً أكثر.

اقرأ أيضاً: "ابني المراهق يكذب كثيراً، هل من حلول فعالة

متى يكون الكذب صعباً؟

تشير إحدى الدراسات من جامعة فيرجينيا (University of Virginia) الأميركية، إلى أن صياغة الأكاذيب قد تكون صعبة عندما لا يتم التخطيط لها مسبقاً؛ حيث يحتاج الكاذبون إلى اختلاق التفاصيل التي يجب أن تبدو معقولة بحيث يصدقِّها الطرف الآخر.

كذلك؛ يجب على الشخص الذي يختلق الأكاذيب أن يتذكّرها جيداً، للحفاظ على الاتساق في حالة سؤاله عن الحدث مرة أخرى.

تعدد المهام يمكن أن يكشف الكذب

في الدراسة الحديثة من جامعة بورتسموث البريطانية، أوضح الباحثون إمكانية تحديد الكاذبين عند تكليفهم بمهام متعددة خلال إجراء مقابلات معهم؛ ما يستدعي تقسيم انتباههم.

اعتمد الباحثون في تلك الدراسة على نتائج الدراسات السابقة التي أوضحت زيادة العبء المعرفي للكذب خلال المقابلات، وأنه يستهلك طاقة معرفية أكثر من قول الحقيقة.

وفي دراستهم الحديثة، طلبوا من المشاركين في الدراسة الحديثة -البالغ عددهم 164 مشاركاً- التعبير أولاً عن مدى دعمهم أو معارضتهم حول بعض الموضوعات المجتمعية التي كانت موجودة في الأخبار، ثم تم تقسيمهم بشكل عشوائي إلى مجموعتين؛ مجموعة الصادقين الذين تم توجيههم للإبلاغ عن آرائهم الحقيقية، والمجموعة الأخرى التي تم توجيهها للكذب بشأن آرائهم خلال المقابلات.

تمثّلت المهمة الثانوية في إعطائهم رقم تسجيل سيارة مكوُّناً من سبعة أرقام، وطُلب منهم تذكُّره واستدعاؤه مرة أخرى خلال إجراء المقابلة.

كذلك، فقد أُتيحت الفرصة للمشاركين لإعداد أنفسهم للمقابلة وقيل لهم أنه من المهم أن يظهروا مقنعين قدر الإمكان خلال المقابلات. ولما كان عامل الحافز مهماً في تلك التجربة، فقد تم تحفيزهم من خلال الدخول في سحب على الجوائز.

الصادقون يملكون قصصاً أكثر إقناعاً

كشفت النتائج أن قصص الكاذبين بدت أقل منطقية ووضوحاً من قصص الأشخاص الصادقين، لا سيما عندما تم تكليف الكاذبين بمهمة ثانوية دفعتهم لتقسيم انتباههم بين كلتا المهمتين.

يقول البروفيسور "ألدرت فريج" (Aldert Vrij) من قسم علم النفس في جامعة بورتسموث؛ وهو مصمم التجربة المستخدمة في الدراسة: "تشير النتائج إلى أن إدخال المهام الثانوية في المقابلة يمكن أن يسهل اكتشاف الأكاذيب. ولكن مثل هذه المهام تحتاج إلى أن تقدُّم بعناية؛ حيث يبدو أن المهمة الثانوية لن تكون فعّالة إذا تجاهلها الكاذبون".

وأضاف فريج أن البحث أظهر أن الحقائق والأكاذيب قد تبدو معقولة بنفس القدر طالما يتم إعطاء الكاذبين فرصة جيدة للتفكير فيما سيقولونه؛ لكن عندما تقل فرصة التفكير فغالباً ما تبدو الأكاذيب أقل منطقية من الحقائق، لا سيما عندما وُكِّل إلى الأشخاص تنفيذ مهمة ثانوية تطلبت تقسيم انتباههم حقاً.

ويستطرد أن ذلك يكون ممكناً إما من خلال إخبار الأشخاص الذين تمت مقابلتهم بأن المهمة الثانوية مهمة، أو من خلال تقديم مهمة ثانوية لا يمكن إهمالها؛ مثل إمساك شيء ما أو حمل شيء ما في الهواء.

كذلك؛ إذا لم تستوفِ المهمة الثانوية المعايير التي تجعلها تجذب انتباه الأفراد ويكون بإمكانهم تجاهلها، فمن غير المحتمَل أن تساعد على كشف الكذب.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون خداع الذات وسيلة للدفاع عنها؟

إن التعرُّض لكذب الآخرين هو أمر سيئ للغاية؛ قد يولِّد مشاعر سلبية عديدة تتراكم لتستحيل عدم القدرة على الثقة في هؤلاء الأشخاص مرة أخرى، أو فقدان الثقة في الناس بشكل عام. لذلك، فالتوصل إلى طرق فعالة من أجل "كشف كذب الآخرين" هو أمر حيوي للغاية، يتقاطع مع حياة الأفراد اليومية ويؤثر في صحتهم النفسية.

المحتوى محمي