7 استراتيجيات فعالة لكسر وصمة الصحة النفسية في مؤسستك

5 دقيقة
وصمة الصحة النفسية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

تخيل نفسك تعمل في مكان يكون فيه الحديث عن مشاعرك، وحالتك المزاجية، وصحتك النفسية أمراً طبيعياً، تماماً مثل الحديث عن الطقس؛ عالم لا تقابل فيه مشاركة مخاوفك وصراعاتك بصمت أو أحكام محرجة، بل بالتفهم والدعم، تخيل أنك تنجز أعمالك وسط بيئة العمل المتسارعة حيث تلوح المواعيد النهائية والتوقعات العالية في الأفق، ويكون مسموحاً لك تماماً أن تشارك إحساسك بالضغط والإرهاق والتوتر، ويمكن القول إن ثمة ثقافة منتشرة في العالم العربي ترتكز على العيب، وفي جوهرها تصم الأشخاص المصابين باضطرابات الصحة النفسية. فكيف تكسر ثقافة العيب وتفتح حواراً حول الصحة النفسية في مؤسستك؟ الإجابة عبر هذا المقال.

ثقافة العيب في المجتمعات العربية: تغلغل وصمة أمراض الصحة النفسية

تتغلغل ثقافة العيب في المجتمعات العربية بقوة، وفي جوهرها تؤدي هذه الثقافة إلى الوصمة، وهي مصطلح يشير إلى المعتقدات المجتمعية السائدة التي تصنف الأفراد الذين يعانون حالات نفسية على أنهم خطرون، أو غير موثوق بهم، أو ضعفاء؛ على سبيل المثال، قد ينظر إلى الشخص المصاب بالاكتئاب على أنه كسول أو غير قادر على تحمل المسؤوليات، وتتخذ الوصمة عدة أشكال وهي: 

  1. الوصمة الاجتماعية: وهي تحيز مشترك يحدث عندما تتبنى مجموعة من الأشخاص آراء سلبية حول المرض النفسي ومن يعانونه.
  2. الوصمة الذاتية، والتي تتجسد في الشعور الداخلي بالعار والسلبية الذي قد يتبناه الأفراد الذين يعانون مشاكل في الصحة النفسية، وغالباً ما يؤدي هذا الشعور إلى الإحساس بعدم القيمة أو اليأس.
  3. الوصمة الثقافية: وتحدث عندما تدفعك المعتقدات السائدة في مجتمعك للنظر إلى المرض النفسي بصورة سلبية في نفسك وفي الآخرين.
  4. الوصمة الهيكلية: والتي تتعلق بكل السياسات والمؤسسات والقوانين التي تجعل الحياة صعبة بصورة خفية على الأشخاص الذين يعانون مشكلات الصحة النفسية، وتتجسد هذه الوصمة في نقص تمويل خدمات الصحة النفسية، وأصحاب العمل الذين لا يقدمون إجازات مناسبة، والتأمين الصحي الذي يفتقر إلى تغطية أمراض الصحة النفسية. ويمكن القول إن الوصمة الهيكلية تعد من أكبر العوائق أمام الرعاية النفسية والتعافي.

اقرأ أيضاً: كيف ينبع وصم المرض النفسي من الجهل به؟

كيف تؤثر الوصمة وثقافة العيب في صحتك النفسية وأدائك بالعمل؟

المرض النفسي ليس مجرد مرض واحد، إضافة إلى أنه لا يصيب فئة معينة من الأشخاص، بل إنه لا يظهر بالطريقة نفسها لدى الجميع، وعلى عكس العديد من الأمراض الجسدية التي يكون الحديث عنها علناً أو تسهل ملاحظتها، قد تكون الأمراض النفسية مخفية، لهذا السبب، قد يصعب معرفتها أو فهمها، وعادة ما تؤثر ثقافة العيب بالسلب في صحتك النفسية وأدائك بالعمل، حيث تؤدي إلى:

  1. الآثار العاطفية: وتشمل هذه الآثار مشاعر الخجل والحزن واليأس وانعدام القيمة، كما قد تثير الوصمة وثقافة العيب شعورك بالغضب لأنك تكتم معاناتك داخلك ولا تستطيع البوح بها، وفي بعض الأحيان قد تحس بالضعف.

وفي هذا السياق، يشرح المعالج النفسي، أسامة الجامع، أن اعتبار الاضطراب النفسي ضعفاً خرافة جعلته يصبح وصمة، مضيفاً أن هذا النوع من الاضطراب يمكن أن يصيب الجميع ويجب أن نعامله معاملة الاضطرابات الجسدية، فالأشخاص لا يخجلون من القول إنهم يعانون الإنفلونزا ما دعاهم للذهاب إلى الطبيب.

  1. الآثار النفسية: بما يتضمن تدني احترام الذات، وعدم الرغبة في طلب المساعدة، والاعتقاد أن مرضك يعرفك، ومع مرور الوقت يمكن أن يؤدي الوصم وتفشي ثقافة العيب إلى تفاقم أعراض اضطرابك النفسي.
  2. الآثار الاجتماعية: وذلك مثل الشعور بالعزلة عن الأصدقاء والعائلة وزملاء العمل، والتعرض للتنمر، وصعوبة الحفاظ على العلاقات مع الآخرين.
  3. الآثار الاقتصادية: حيث تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الإصابة بالقلق والاكتئاب تؤثر بالسلب في الإنتاجية بسبب التغيب عن العمل؛ فعلى الصعيد العالمي، تنقص أيام العمل بما يقدر بـ 12 مليار يوم سنوياً بسبب الاكتئاب والقلق، وذلك بتكلفة تريليون دولار أميركي سنوياً جراء فقدان الإنتاجية.

ما هو التأثير السلبي للوصمة في مكان العمل؟

يمكن لثقافة مكان العمل التي تصور الصحة النفسية على أنها عيب ووصمة عار أن يكون لها تأثير سلبي في معنويات الموظفين وانخراطهم؛ فعندما يشعر الموظفون بالحكم عليهم أو عدم الدعم، قد ينفصلون عن بيئة العمل، ما يؤدي إلى انخفاض رضاهم الوظيفي وزيادة معدلات دوران الموظفين.

وعلى الجانب الآخر، تنشئ وصمة العار بيئة عمل سامة تؤثر سلباً في ثقافة المؤسسة وأدائها، وعندما يخشى الموظفون التحدث بصراحة عن مشاكلهم المتعلقة بالصحة النفسية، فقد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة، وانهيار التواصل، وانخفاض مستوى التعاون، كما يمكن لثقافة العيب أن تعوق عملية الإبداع والابتكار. على سبيل المثال، عندما يحس الموظفون بالقيود بسبب الخوف أو الحكم المسبق، قد يقل ميلهم للمخاطرة أو التفكير خارج الصندوق، ما يحد من قدرة المؤسسة على التكيف مع التغيير وتطوير أفكار جديدة.

اقرأ أيضاً: وصمة المرض النفسي في السعودية: هل يمحوها التغيير؟

7 استراتيجيات تساعدك على فتح حوار حول الصحة النفسية في مؤسستك

تعزز بيئة العمل الداعمة الشعور بالانتماء والتمكين بين الموظفين، وعندما يحس الأفراد بالتقدير والقبول، يكونون أكثر ميلاً للمشاركة والتحفيز والالتزام بعملهم. وحتى تعمق الانتماء لدى موظفيك؛ عليك فتح حوار حول الصحة النفسية في مؤسستك، وذلك عبر اتباع الاستراتيجيات التالية: 

اكسر حالة الصمت واخلق مساحة آمنة للحديث حول الصحة النفسية 

تخلص من الأصوات الخافتة والنظرات الخفية؛ فقد حان الوقت لكسر حاجز الصمت المحيط بالصحة النفسية في المؤسسة، وبدلاً من النقاشات الهامسة خلف الأبواب المغلقة، تحدث عن الصحة النفسية في العلن. على سبيل المثال يمكنك تنظيم ورش عمل للموظفين، كما تحتاج أيضاً إلى نقاشات مفتوحة وجلسات أسئلة وأجوبة، اجعل موظفيك يحسون بالراحة في طرح الأسئلة ومشاركة تجاربهم، وسوف يرسخ هذا الإحساس شعورهم بالأمان والانتماء.

أدرج الصحة النفسية في قيم مؤسستك 

ادمج الصحة النفسية في قيمك المؤسسية، وتأكد من إدراكك للمفاهيم الخاصة بالصحة النفسية باعتبارها جزءاً من استراتيجية الصحة والسلامة في شركتك، حيث يجب على الشركات تضمين الصحة النفسية في سياساتها الحالية لخلق ثقافة ثقة وبيئة عمل آمنة تحمي الأشخاص الذين يعانون مشاكل الصحة النفسية من العواقب السلبية.

استمع دون إصدار أحكام

عندما يشارك موظف معاناته مع الصحة النفسية، استمع بتعاطف ودون إصدار أحكام، صدق مشاعره وتجاربه بدلاً من تقديم نصائح، وتأكد أن بيئة الاستماع الداعمة تحدث فرقاً كبيراً. وعلى الجانب الآخر، عندما تسمع شخصاً يكرس الخرافات أو ثقافة العيب أو الصور النمطية السلبية، واجهه بالحقائق والحوار الداعم. على سبيل المثال، تخيل أن موظفاً يطلب من موظف آخر يعاني القلق أن يتحلى بالصبر أو ينظر إلى الجانب المشرق من الحياة، هنا عليك التدخل من أجل توعيته ببعض مفاهيم الصحة النفسية الأساسية.

اقرأ أيضاً: لماذا يصدر البعض أحكامهم على الآخرين بصورة دائمة؟

كن قدوة 

عندما يتحدث القادة بصراحة عن معاناتهم مشاكل الصحة النفسية أو يقرون بها ببساطة، فإنهم يمنحون الآخرين الإذن لفعل المثل، وذلك من خلال الشفافية في كيفية تعاملهم مع التوتر أو القلق أو الإرهاق، كما يمكن للقادة تشجيع ثقافة الانفتاح، وهذا لا يضفي عليهم طابعاً إنسانياً فحسب، بل يخفف أيضاً وصمة العار أو العيب التي تلاحق الآخرين الذين قد يعانون في صمت.

مارس التعاطف مع الآخرين 

إن تنمية التعاطف أمر أساسي لتعزيز الفهم والدعم للأفراد الذين يعانون حالات الصحة النفسية، حاول أن تضع نفسك مكانهم، واحرص على استخدام لغة إيجابية وداعمة، امتنع عن استخدام مصطلحات مهينة، أو النكات حول الأمراض النفسية، لأن ذلك قد يسهم في الشعور بالعار والعزلة، وبدلاً من ذلك، اختر كلماتك بعناية، واجتهد في تعزيز خطاب رحيم ومتعاطف حول الصحة النفسية.

وفر الموارد لأن الكلمات وحدها لا تكفي 

فتح حوار حول الصحة النفسية وحده لا يكفي، يجب عليك توفير الموارد للموظفين، وتزويدهم بالأدوات اللازمة من أجل الحصول على المساعدة، على سبيل المثال، ابدأ بتوفير جلسات علاجية بأسعار مخفضة، أو حتى مجموعات دعم في المؤسسة، ما يعزز الشعور بالانتماء وتبادل الخبرات، ولا تنس توفير الموارد الرقمية مثل تطبيقات الصحة النفسية، بالإضافة إلى ذلك، يمكنك تدريب المدراء على اكتساب المهارات اللازمة لإجراء محادثات داعمة حول الصحة النفسية، مثل مهارة الاستماع الفعال.

ضع حدوداً واضحة من أجل تحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية

في بعض الأوقات يمكن أن يحفز ضغط العمل وضرورة تسليم المهام في المواعيد النهائية اضطرابات الصحة النفسية، وحتى تحمي موظفيك من الوصول إلى مرحلة الاحتراق النفسي أو الإرهاق الوظيفي، ضع حدوداً واضحة وصارمة بين العمل والحياة الشخصية، وتأكد من تخصيص وقت لممارسة أنشطة الرعاية الذاتية خارج أوقات العمل، وقد يشمل ذلك أخذ فترات راحة، ومواعيد عمل مرنة، واستخدام الموظفين للإجازات السنوية من أجل الاسترخاء وممارسة الهوايات.

المحتوى محمي